علي المنعي - استعرضنا في البند (أولاً) من هذا المقال (الذي تضمنه العدد السابق من صحيفة الميثاق) ماهية التصنيف الأمريكي البائس وانعدام أثره القانوني على الساحة الدولية والإقليمية والعربية وبالأخص على الساحة اليمنية وكذلك الحال من الناحية السياسية والعلاقات الدولية..
وفي هذا الجزء نوضح ما أمكن تسييس مصطلح الإرهاب وإسقاطه على خصوم الولايات المتحدة الأمريكية ومدى نفوذ الهيمنة الأمريكية على المنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واستغلال حق الفيتو من قبل أمريكا لضمان عدم إدانتها أو إدراجها ضمن قائمة الإرهاب الدولية المقرة من الأمم المتحدة باعتبار الولايات المتحدة دولة راعية للإرهاب وأنها المؤسس للتنظيمات الإرهابية بل والراعية والداعمة للإرهاب الدولي الذي يمارسه الكيان الصهيوني تحت مسمى دولة إسرائيل حتى هذه اللحظة تجاه الشعب الفلسطيني أرضاً وإنساناً ..
وفي هذا الصدد نوجز أهم الخطوط العريضة في الآتي :
ثانياٍ : الإرهاب في منظور المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة
لاشك أن المجتمع الدولي يكافح الإرهاب، وكل دولة من دول العالم تنبذ الإرهاب، والشرائع السماوية تحرم الإرهاب وكافة القوانين الإنسانية الوضعية سواء المواثيق والقوانين الدولية أو المحلية الخاصة بكل دولة تجرّم الإرهاب وتوجب العقوبة على القائم عليه والداعم له والممول والحامي له باعتبار الإرهاب ظاهرة تهدد السلم والأمن الدوليين.. وينقسم الإرهاب في أصنافه إلى إرهاب مادي تستخدم فيه القوة المسلحة أو العنف.. وهناك إرهاب فكري ومعنوي ونفسي كما قامت به الإدارة الأمريكية مؤخرا من تصنيف مكون أنصار الله كجماعة إرهابية دولية مصنفة بشكل خاص، وقيام الولايات المتحدة الأمريكية
بإنتاج سيادة الجمهورية اليمنية وشن العدوان العسكري المباشر بقصف اليمن فإن تلك الأفعال تمثل الإرهاب في انصع صوره ماديا وفكريا في حق الشعب اليمني كما أن ما يمارسه الكيان الصهيوني من جرائم إبادة جماعية واقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وقتل النساء والاطفال وتدمير فلسطين أرضا وإنسانا يمثل الإرهاب في أنصع صوره رغم إدانات دولية ودعوات الأمم المتحدة لوقف هذا الإرهاب الجسيم وعجز مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية عن وقف هذه الجرائم الإرهابية نظراً لاستخدام أمريكا حق الفيتو في مجلس الأمن الذي منع ولايزال يمنع صدور أي قرار دولي من شأنه إيقاف جرائم الإبادة والإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المحتل..
والسؤال الذي يثور هنا: من هو الإرهابي ومن الداعم له والراعي..؟ لا جدال بأن الإجابة ستكون أمريكا والصهاينة،
فالولايات المتحدة الأمريكية هي من أنشأت التنظيمات الإرهابية أمثال داعش والقاعدة وغيرها وباعتراف وإقرار الإدارة الأمريكية نفسها وعلى رأسها المرشحة الرئاسية زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون والتي شغلت منصب نائبة للرئيس الأمريكي السابق وهي المخضرمة السياسية الأمريكية(هيلاري كلنتون) التي أكدت وبالبراهين القاطعة أن أمريكا هي من أنشأت التنظيمات الإرهابية وكانت وما زالت الراعي..
فلماذا لم يتم إدراج أمريكا ضمن القائمة الدولية التابعة للأمم المتحدة الخاصة بتصنيف وإدراج الدول الراعية للإرهاب ضمن هذه القائمة وبالتالي فرض العقوبات عليها ؟؟!!
ببساطة أن المانع هو الهيمنة الأمريكية باستخدام الفيتو في تصويت مجلس الأمن الدولي وبهذا تمنع أي مشروع قرار قد يصدر ضدها أو أحد حلفائها الإرهابيين!!
ولايفوتنا هنا بإيجاز الإشارة إلى قائمة الإرهاب الدولية المعتمدة والمقرة المعمول بها لدى الأمم المتحدة حِيال الإرهاب وتصنيف أي دولة أو كيان ضمن هذه القائمة الدولية ..
مع الأخذ بعين الإعتبار وجود الفرق الشاسع والبون الكبير بين الإرهاب وحق الشعوب في الدفاع عن النفس وتقرير المصير والاستقلال والحرية والدفاع عن الدين والعرض والأرض فهذا الحق هو أمر مشروع ومكفول في كافة الشرائع السماوية والقوانين والدساتير الإنسانية الوضعية وفي مواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي..
وان الجهة المناطة المختصة بتصنيف أي دولة أو تنظيم أو جماعة أو كيان إدراجه ضمن قائمة الإرهاب الدولية المعتمدة دوليا هي الأمم المتحدة وبالتالي فرض العقوبات، وأن سلطة التنفيذ تعقد لمجلس الأمن الدولي..
وهنا ننوه إلى أن قائمة الإرهاب الدولية قد أصدرتها الأمم المتحدة في 29 ديسمبر 1979م وادرجت حينها كلاً من العراق واليمن الجنوبي ثم سوريا وليبيا وجميعها دول عربية ثم أضيفت كوبا عام 1982م ثم إيران في 1984م وبعدها كوريا الشمالية في 1988م وبعدها السودان 1993م باعتبار تلك الدول دولاً راعية للإرهاب..
فهل بالإمكان ادراج الولايات المتحدة الأمريكية كدولة راعية للإرهاب. الاجابة ببساطة ( لا )، لأن امريكا دولة عُظمى ولديها حق الفيتو تستخدمه لمنع صدور ذلك القرار أو أي قرار ضد الكيان الصهيوني الذي تدعمه بالسلاح والمال لممارسة المجازر الجماعية بحق أطفال ونساء فلسطين حتى اليوم دون رادع ديني أو قانوني أو أخلاقي أو إنساني..
* الفرق بين الإرهاب والكفاح المشروع والدفاع عن النفس من منظور القانون الدولي :
وفقاً لمبادئ القانون الدولي
فإنه (لا تعد جريمة إرهابية حالات كفاح الشعوب بما فيها الكفاح المسلح ضد الاحتلال والعدوان الاجنبيين والاستعمار والسيطرة الأجنبية من أجل التحرر أو تقرير المصير).
ذلك ما قررته مبادئ القانون الدولي،
كما أن ميثاق الأمم المتحدة في أحكام المادة (51) من الميثاق قد نصت على أنه
(ليس في الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة .. الخ)..
ومن هنا إذا ما قارنا ما يحدث للشعب الفلسطيني من عدوان سافِر يشنه الكيان الصهيوني الذي يقترف جرائم إبادة جماعية بشكل يومي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإحراق الحرث والنسل بل وإحراق غصن الزيتون أمام مرأى ومسمع من المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي القائم على حفظ السلم والأمن الدولي الذي وقف عاجزاً..
كما وقفت الأمم المتحدة عاجزة عن التقرير بوقف العدوان والحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني لأكثر من 100 يوم .. وما سبب ذلك العجز سوى استخدام أمريكا حق الفيتو واعاقت بذلك مشاريع القرارات المقدمة من عدة دول لغرض وقف العدوان والحرب على غزة المكلومة المنكوبة
فقد وقفت أمريكا خصماً لكل من يحاول إيقاف الحرب أو التعاون مع الشعب الفلسطيني باستخدام حق الفيتو، هذا من ناحية سياسية، ولم تقف أمريكا عند ذلك الحد فقط بل سارت إلى التدخل العسكري المباشر ضد كل من يهدد أمن الكيان الصهيوني وقامت مؤخرا بقصف اليمن بأسلحتها المحرمة دوليا في انتهاك سافر للسيادة اليمنية وممارسة الإرهاب المادي المسلح والفكري ضد الشعب اليمني بصورة مخالفة لكافة الشرائع والمواثيق والقوانين الدولية.. فمن يمارس الإرهاب هل أمريكا والكيان الصهيوني ؟!!
أم الشعب الفلسطيني والشعب اليمني.. هل مكون أنصار الله الذي لا يتجزأ عن الشعب اليمني إرهابي ؟!! أم الصهيونية التي تتحكم بكافة مفاصل القرار الأمريكي والسياسة الأمريكية والكونجرس الأمريكي والمطبخ السياسي الأمريكي بل والاقتصاد الأمريكي بواسطة اللوبي الصهيوني الإرهابي بامتياز .؟!!
هل المقاومة الفلسطينية هي الإرهابية التي تدافع عن عرضها ونفسها وأرضها ؟!!
أم الصهيونية الاستعمارية التي تمارس صنوف الجرائم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني دون رادع.. أليست الصهيونية هي الإرهابية ؟!!
لا يسعنا هنا سوى قول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).. صدق الله العلي العظيم
ثالثاً: الموقف اليمني من القضية الفلسطينية العربية الإسلامية الحقوقية
كان الشعب اليمني ولا يزال وسيظل يعتبر القضية الفلسطينية هي قضيته الأولى والتي تحتم على الشعب اليمني الدفاع عنها ومناصرة الشعب الفلسطيني والدفاع عن الأقصى الشريف بالسلاح والرجال والمال وبكل ما أوتي من قوة من منطلق ديني وتوجيه إلهي رباني ثم من منطلق أواصر الإخاء والعروبة والمصير المشترك بين الشعبين الشقيقين اليمني والفلسطيني، ثم من منطلق إنساني وأخلاقي، كل ذلك حتَّم على الشعب اليمني التقرير بخوض المواجهة ضد الكيان الصهيوني الإرهابي المجرم الذي يرتكب عشرات المجازر بحق الشعب الفلسطيني ونسائه وأطفاله.. ولا غرو فاليمن أصل العرب ورغم كل المحن التي مر بها اليمن ابتداء من أزمة 2011م تحت مايُسمى بالربيع العربي المخطط الصهيوني الأمريكي الرامي إلى إسقاط الأنظمة العربية وخاصة غير المطبّعة أو المعترفة بالكيان الصهيوني وإيصال الدولة العربية إلى الدولة الفاشلة، وذلك ما تم في تونس والعراق وليبيا واليمن والسودان مؤخراً، وما زالت سوريا في نضال حتى اليوم، بينما خرجت مصر من تلك الأزمة رغم أنها ما زالت تعاني من الإرهاب المدعوم إقليمياً بل وعربياً وأمريكياً ..
ولليمن وضع مميز استثنائي في هذا الشأن، ولايخفى أنه بعد سقوط تنظيم الاخوان المسلمين الذي تبنَّى مخطط الربيع العبري وعمل على تنفيذه وبعد أن استفاقت الشعوب العربية والتفتت إلى ذلك المخطط حولت أمريكا والصهاينة والغرب الصراع في المنطقة العربية من مظاهرات ومخيمات واعتصامات في عام 2011م إلى صراع مسلح بهدف الوصول إلى السلطة، بينما هو في حقيقة الأمر صراع لتدمير أنظمة الدول العربية واستنزاف ثرواتها، فلم تكن تونس ولا العراق ولا سوريا ولا ليبيا ولا السودان ومن المؤكد ليس اليمن مُطبّعةً مع الكيان الصهيوني أو معترفةً به، ولذلك فقد قامت أمريكا والصهاينة بمخطط الربيع العبري ليسهل للكيان الصهيوني التهام الأراضي الفلسطينية ولم يكتفِ عند ذلك الحد بل مازال الكيان الصهيوني يعمل على تنفيذ مخططه بتحقيق الهلال الخصيب الذي يهدف إلى الاستيلاء على كلٍّ من مصر وسوريا ولبنان والأردن، بل والمدينة المنورة بهدف قيام الدولة اليهودية العظمى كما هو في معتقداتهم وبتمويل ودعم أمريكي وبعض من الدول الغربية بل وحالياً أنظمة عربية مطبّعة..
نعود للقول بأن وضع اليمن مميز في هذا الصدد فلم يكتفوا بتغذية الصراعات الداخلية المسلحة التي أسفرت عن هزيمة الخونة والعملاء ولاذت قياداتهم بالفرار خارج الوطن بل تطوَّر الحال إلى استجلاب العدوان على اليمن بزعم الحفاظ على الديمقراطية وإعادة الشرعية، وفي 26 مارس 2015م شن تحالف العدوان على اليمن الحرب بمشاركة أكثر من 18 دولة بدعم أمريكي وصهيوني تم خلالها تصريف الأسلحة الأمريكية والغربية عُنْوَةً للأنظمة العربية التي تبنَّت العدوان وعلى رأسها السعودية والإمارات.. وها هو اليمن ما زال يرزح تحت الحصار والعدوان لتسع سنوات وبصورة مخالفة للشرائع والمواثيق والقوانين الدولية، غير أن الشعب اليمني قد انتصر على ذلك العدوان عسكرياً وما زال صامداً اقتصادياً، ولم يتوقف اليمن عن أداء واجبه الديني والعربي والقومي والأخلاقي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني المُستضعَف فقرر الشعب اليمني مواجهة الكيان الصهيوني عسكرياً.. ورغم بُعْد المسافات الطائلة بين اليمن وفلسطين جغرافياً، إلا أن الشعب اليمني وقواته المسلحة وأمنه البواسل يبذلون كل ما أمكن في سبيل الدفاع عن الشعب الفلسطيني حيال التعنت والصلف الصهيوني ومجازر الدمار والخراب التي أسفرت عن قتل الكيان الصهيوني عشرات الآلاف من أبناء فلسطين جُلُّهم أطفال ونساء.. وامام ذلك الوضع نجد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العجوز الشمطاء قد شنَّتا مؤخراً العدوان العسكري المباشر على اليمن وانتهكتا سيادة اليمن دون مسوّغ قانوني أو مستند شرعي.. وعند مواجهة العدوان الأمريكي البريطاني من قِبَل القوات المسلحة اليمنية بل و الشعب اليمني برجاله، استشعرت أمريكا الهزيمة وبرزت لها الندية في القتال بل واستشعرت الخوف والذعر من استهداف مصالحها وقواعدها المترامية في المنطقة العربية فلجأت لحيلتها المعهودة باستخدام وسيلة في مجابهة خصومها خارج الحدود الأمريكية ألا وهي استخدام قائمة الإرهاب الأمريكية البائسة التي لا أثر لها قانونياً ولا سياسياً قد يؤثر على الشعب اليمني لا من قريب ولا من بعيد.. وبأي حال من الأحوال ها هو اليمن يكرر الإعلان والتصريح تلو التصريح عن الموقف الثابت في الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مواجهته الكيان الصهيوني المحتل، ولن يتوقف اليمن عن هذا النهج حتى يوقف الكيان الصهيوني العدوان ويرفع الحصار وينسحب من غزة، وإلا فالمواجهة مستمرة حتى تحقيق النصر وتحرير كل فلسطين من الصلف الصهيوني الغازي المحتل، خاصةً وان بعض الدول العربية متخاذلة تجاه القضية الفلسطينية وما زال الموقف العربي يقدم التنازلات تلو التنازلات للكيان الصهيوني، فبعد أن كان الموقف العربي موحداً يطالب بتحرير كامل فلسطين، حدثت التنازلات لتُسْفِر عن مطالبة بحل الدولتين، وبعد أن كان الموقف العربي يطالب بكامل القدس عاصمة لفلسطين أصبح يطالب بالقدس الشرقية فقط عاصمة لفلسطين، بل إن البعض ذهب إلى محاولة تهجير الشعب الفلسطيني من غزة إلى صحراء سيناء المصرية ويا للخزي والعار، فضلاً عن خنوع أنظمة عربية وعلى رأسها الأنظمة السياسية لبعران الخليج التي قامت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وغضَّت الطَّرْف عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.. لذلك فإننا نجد أن الموقف اليمني هو الفريد من نوعه وهو موقف صريح صادق لا يحمل أي مصالح أو أهداف مادية دنيئة وإنما ينطلق من منطلقات دينية وأوامر إلهية وواجبات عربية وقومية وأخلاقية وإنسانية، وسيظل الموقف اليمني راسخاً وثابتاً ثبوت جبال اليمن الشمَّاء الشامخة وأراضيها الصلبة التي تبتلع كل غازٍ ومحتل.. حقاً إن اليمن مقبرة الغزاة كما أسماها الغزاة أنفسهم.. وإن غداً لناظره لقريب.. "ولينصرن الله من ينصره"..
ختاماً.. نكرر التساؤل: هل الإرهابي من قطعت أساطيله العسكرية الآلاف من الكيلومترات مروراً بمحيط وبحار وثلاث قارات ليأتي لقصف اليمن وانتهاك سيادته،
أم من يدافع عن دينه ووطنه وأرضه وعِرْضه..
(مالكم كيف تحكمون)؟!!
فالشعب اليمني لا يحتاج صك غفران من أمريكا..
وحقاً إن أمريكا أم الإرهاب وفَقَّاسَته وحاضنته..
الرحمة للشهداء الأبرار.. والشفاء للجرحى.. والحرية للأسرى..
والنصر والصمود للشعب الفلسطيني..
وتحيا الجمهورية اليمنية حرة أبيَّة مستقلة.. |