الميثاق نت -

الإثنين, 29-يناير-2024
إبراهيم ناصر الجرفي -
بكل صراحة، تطول سنوات الحروب والصراعات أو تقصر، لا بد في نهاية المطاف من الجلوس على طاولة المفاوضات والحوار، فالحرب حالة شاذة واستثنائية، والسلام هو الحالة الطبيعية والدائمة، فكل الحروب في تاريخ البشرية، سواءً طال أمدها أو قصر، كان السلام في نهاية المطاف هو النتيجة الحتمية لها، وما تلك الدماء التي تُسفك، والمدن التي تدمر وتحطم، سوى قرابين لإرضاء غرور ونزوات وأطماع الحكام والملوك والسلاطين في كل زمان ومكان، لذلك حظي السلام بعناية فائقة جداً في الديانات السماوية، فكان السلام شعاراً للديانة المسيحية، وظل المسيح عليه السلام يدعو أتباعه لنشر السلام حتى مع أعدائهم، لكن للأسف الشديد، لم يتمسك الملوك والأباطرة ورجال الدين المسيحيون بذلك، حيث كانوا عبر التاريخ أكثر من غيرهم سفكاً للدماء وشناً للحروب على الأمم الأخرى، وأكثر من غيرهم في التوسع والاستعمار على حساب الآخرين، تحت تأثير الأطماع التوسعية والسلطوية، ضاربين عرض الحائط بالسلام الذي هو شعار ديانتهم السماوية ..!!

وهذا دين الإسلام العظيم اسمه مشتق من السلام، فالسلام والإسلام مشتقان من مصدر واحد (سلم)، وهذا من حيث المبدأ يدل دلالة قاطعة على مكانة وأهمية وعلاقة الإسلام بالسلام، ودليل على الارتباط الوثيق والتماهي الكبير بين السلام والإسلام، كما أن رب هذا الدين العظيم قد جعل أحد أسمائه الحسنى (السلام)، والله تعالى عندما جعل السلام أحد أسمائه الحسنى إنما هو لهدف عظيم وجليل، يتمثل في ترسيخ مفهوم وقيمة السلام في وجدان ومشاعر المسلمين، بهدف توضيح أهمية السلام في حياتهم وتعاملاتهم وأخلاقياتهم، ولم تكتفِ التشريعات الإسلامية بذلك بل جعلت من السلام التحية الرسمية لأتباع الإسلام، وهي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، والرد (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، وفي هذا إشارة واضحة على المكانة الكبيرة للسلام ، في المنهج الإسلامي الوسطي ، بحيث تظل كلمة السلام دارجة على لسان المسلم لترسيخها في ذاكرته ووجدانه، بهدف تحويلها من لفظ ومفهوم إلى سلوك وأخلاق ومعاملة ..

ولم تتوقف التشريعات الإسلامية عند هذا الأمر بل جعلت من السلام آخر كلمة ينطقها المسلم، وهو يؤدي أهم عبادة فيه، وهي عبادة الصلاة، حيث يقوم المسلم في نهاية الصلاة بتحريك رأسه ناحية اليمين، ويقول (السلام عليكم ورحمة الله) ، ثم يحرك رأسه ناحية اليسار ويقول (السلام عليكم ورحمة الله) وهذا مؤشر مهم جداً على المساعي الحثيثة للإسلام لترسيخ السلام في حياة المسلم ومعاملاته وتصرفاته، ولم تتوقف التشريعات الإسلامية عند هذا الحد بل جعلت من السلام واجباً دينياً، وأمرت كل مسلم بالدخول في عالم السلام في كل أحواله وظروفه.. قال تعالى : ((ادخلوا في السلم كافة))، كما أوجب الإسلام على أولياء أمور المسلمين بالجنوح للسلم في ساحات المعارك إذا جنح الطرف الآخر للسلام، وفي هذا دليل واضح وصريح بأن الإسلام ليس دين حرب، ولا مكان للحرب في تشريعاته إلا عند الضرورة القصوى، كحالة استثنائية، في حالة رد العدوان والدفاع عن النفس ..

وقد ذهبت التشريعات الإسلامية إلى أبعد من ذلك للتأكيد على أن الإسلام هو دين السلام، حيث جاء في المنهج الإسلامي العديد من التشريعات التي تَنْهَى المسلمون عن الاعتداء على الآخرين، وتسمح لهم برد العدوان فقط.. قال تعالى ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين))، هذا التشريع الإسلامي العظيم ، هو بمثابة قاعدة عامة ورئيسية وحاكمة من قواعد الدين الإسلامي الواضحة وضوح الشمس، والتي تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الإسلام ليس ديناً للعدوان ، ولا للإرهاب، بل ديناً للسلام.. إن ديناً عظيماً يعطي السلام كل هذه المكانة العظيمة والأهمية البالغة، لا يمكن أن يكون ديناً للقتل، ولا يمكن أن يكون ديناً للإرهاب، وإنه من الظلم والإجحاف اتهام هذا الدين بالإرهاب والتطرف، لأن ذلك يتناقض تماماً مع تشريعاته الإنسانية والحضارية التي تُمجِّد السلام، وتدعو إلى السلام، وتحث على السلام، وتوجب السلام، وتجعل من السلام إطاراً عاماً لحياة المسلم، وتجعل من الحرب الاستثناء لهذه الحياة ..
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 08:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-65448.htm