طه العامري - الدول التي صوَّتت على قرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947م هي :
النرويج - إيسلندا - فرنسا - فنلندا - أمريكا - كندا - الاتحاد السوفييتي - جمهورية أوكرانيا - جمهورية بيلاروسيا - الدنمارك - السويد - نيوزيلندا -بولندا - تشيكوسلوفاكيا - ليبيريا - الفلبين - جنوب أفريقيا - باراغواي - فنزويلا - أوروغواي - بيرو - بنما - كوستاريكا - البرازيل - جمهورية الدومينيكان - الإكوادور - غواتيمالا - هايتي - نيكارجوا - هولندا - لوكسمبورغ..
فيما الدول التي وقفت ضد القرار هي :
أفغانستان - إيران - تركيا - باكستان - السعودية - سوريا - العراق - كوبا - لبنان - مصر - الهند - اليمن - اليونان..
وكانت الدول التي امتنعت عن التصويت هي :
الأرجنتين - تشيلي - كولومبيا - السلفادور - هندوراس - المكسيك - جمهورية الصين - إثيوبيا - المملكة المتحدة البريطانية - يوغسلافيا..
وكانت تايلند الدولة الغائبة عن جلسة التصويت..
الغريب أن بريطانيا التي كانت مستعمِرة لفلسطين منذ بداية القرن العشرين وكان احتلالها لفلسطين إعمالاً لوعدها المشئوم - وعد بلفور - الذي صدر عام 1916م والقاضي بأن تكون فلسطين (وطناً قومياً لليهود) بعد رحلة بحث عن وطن لهم من كاليفورنيا إلى جنوب أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية.. وخلال المؤتمر اليهودي الأول في مدينة بازل السويسرية استطاع رجل أعمال ألماني إقناع (هرتزل) -مؤسس الحركة الصهيونية بفلسطين التي لم يكن يعلم عنها هرتزل شيئاً وعلى متن قطار خلال رحلة من ألمانيا إلى النمسا- راح رجل الأعمال الألماني يقنع هرتزل عن أهمية فلسطين وأهمية ربط الوطن القومي لليهود بالبُعد الديني والتاريخي، وكانت الفكرة هذه حاضرة لدى النخب الأوروبية التي كانت متحمسة للسيطرة على فلسطين منذ هزيمة ريتشارد قلب الاسد ملك إنجلترا ومعه ملوك أوروبا الذين قاموا بتسع حملات لاحتلال فلسطين وبيت المقدس تحت راية الصليب باعتبارهم أوصياء على المسيحية وعلى مسقط رأس السيد المسيح الذي يجب أن يكون تحت سيطرتهم..!
الأمر الآخر أن الكانتونات (اليهودية) كانت تشكل للمجتمعات الأوروبية حالة إزعاج وقلق وكانت غالبية النخب الأوروبية والشعبية تَمْقُتُ اليهود وتتقزز من وجودهم وترفضهم اجتماعياً، وخلال فترة الوجود اليهودي في أوروبا كانوا يعيشون في كانتونات منعزلة ومنبوذة من المجتمع الأوروبي على خلفية سلوكهم التآمري..
الحرب العالمية الثانية كانت أحد منجزات الحركة الصهيونية والنخب الاقتصادية الغربية والأمريكية والكارت الاقتصادي حيث لم يكونوا يحبّذون التوجهات القومية الألمانية وهم من تعمَّدوا تدمير ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى ضمن صراع عِرْقي ومذهبي كان يعتمل داخل الدول الأوروبية، لذا عملوا على إهانة ألمانيا وإذلالها من خلال اتفاقية فرساي عام 1916م، وهي الاتفاقية التي رأى فيها الألمان إهانة لهويتهم القومية وتاريخهم الحضاري، فنمت المشاعر القومية الألمانية ضد كل أوروبا ودولها وضد بريطانيا وأمريكا، وهذا الشعور الألماني التوَّاق للانتقام على إهانة فرساي تجسَّد في وعي غالبية الألمان، وقد حاول ادولف هتلر القيام بمحاولتين انقلابيتين ثم فشل، وفي 1935م فاز حزب هتلر بالانتخابات النيابية وبدأ بإحداث إصلاحات انتهت به إلى عزل المستشار وتغيير النظام والدستور وحشد الألمان للثأر من إهانة أوروبا لهم في فرساي، ولعب اليهود دوراً في خدمة هتلر الذي كان هو نفسه من أصول يهودية وغالبية قادته أيضاً ينتمون لأصول يهودية، واليهود استطاعوا استغلال الحرب العالمية الثانية وقدموا لهتلر خدمات كثيرة مثل تزويده بناقلات جند سوفييتية وأمريكية ومعدات وأجهزة عسكرية ومتطلبات ذات صلة بالجانب العسكري وقد جلبها اليهود لهتلر ونظامه من أكثر خصومه وأعدائه مقابل المال..
وجدت الحركة الصهيونية في تلك الحرب فرصة لتحقيق أهدافها في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فابتدعت -وبدعم الدوائر الاستخبارية الغربية والأمريكية- قصة الهلوكوست أو المحرقة وأفران الغاز والتي أجمع أكثر المؤرخين والموثقين زَيْفَها وأثبتوا عملياً وبالوثائق كذبها، لكن الكذبة كانت مطلوبة لتحقيق الحلم الصهيوني بالوطن المنشود الذي وجد فيه الغرب فرصة للتخلص من اليهود ومشاكلهم ومن الفتن التي كانوا يحيكونها داخل المجتمعات الأوروبية وحتى في أمريكا، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى وجدت العواصم الاستعمارية في هؤلاء بدلاء عن تواجدهم العسكري في الوطن العربي والعالم الإسلامي فكان أن تخلصوا من نذالة اليهود في بلدانهم وتوظيفهم حراساً على مصالحهم في الوطن العربي..
وإلا كيف أن الألمان ارتكبوا المحارق بحق اليهود واضطهدوهم وأهانوهم ثم يتم تعويضهم بفلسطين؟!
أليس من المنطقي أن يتم تعويضهم من أراضي ألمانيا؟! .. وما ذنب الشعب العربي في فلسطين أن يدفع ثمن جرائم الألمان؟!
ثم تلزم الدول المنتصرة ألمانيا بدفع التعويضات الخيالية كعقاب لها على ما قِيل من اضطهادها لليهود، ولا تزال ألمانيا هي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني وقد بلغ دعمها منذ عام 1948م حتى 1967م أكثر من (40 مليار دولار) بقيمة ذلك الزمن، الذي يعادل اليوم ما قيمته أكثر من تريليون ونصف تريليون دولار...!!
إن دولة كأمريكا حتى اللحظة تحتفظ بأكثر من 80 قاعدة عسكرية في ألمانيا، وحين تفكك حلف وارسو وانهار المعسكر الاشتراكي رفضت أمريكا تفكيك قواعدها بألمانيا متذرّعة بعدم الثقة بالألمان، والحال كذلك مع اليابانيين، وترى أمريكا أن سحب قواعدها من هذين البلدين قد يحيي المشاعر القومية والوطنية لدى مواطنيها ومن ثم يتمردون على السياسة الأمريكية.؟!
إن زراعة هذا الكيان اللقيط في قلب الوطن العربي من قِبل الدول الاستعمارية لم يكن فِعْلاً عابراً أو ذا صلة بدين أو بقصص وأساطير يسوّقها الصهاينة، بل كان الأمر تجسيداً لرغبة استعمارية متعددة الأبعاد تتمثل بالتخلص من اليهود في أوروبا وأمريكا وترحيلهم إلى فلسطين بزعم انها أرض شعب الله المختار..!!
وثانياً.. ليكون هذا الكيان خنجراً في قلب الأمة العربية يمنع قيام الوحدة العربية والإسلامية ويحول دون وحدة الجغرافية العربية ويفصل المشرق العربي عن مغربه، وهو أيضاً قاعدة عسكرية متقدمة لحماية المصالح الاستعمارية في المنطقة وفي سبيل إبقاء الوطن العربي تحت الهيمنة والوصاية الاستعمارية..
وتلكم كانت الحقيقة من وراء تأسيس هذا الكيان في فلسطين، غير أن ثمة مؤشرات توحي بأن الغاية من وجود هذا الكيان آخذة بالتقلُّص بعد أن أخفق هذا الكيان ليس في حماية مصالح العواصم الاستعمارية فحسب بل في حماية نفسه في ظل طرق وأساليب جديدة للمقاومة والصراع تجاوزت أنماط الصراع التقليدي بين الكيان والجيوش العربية.. وقد أثبتت التجارب أن مواجهة هذا الكيان بالطرق التقليدية فِعْلٌ عبثي، لكن مواجهته بطرق المقاومة هو الفعل الأنجع والأكثر فائدةً وجدوى؛ وهذا ما ثبت من خلال معركة طوفان الأقصى..
ختاماً.. أود الإشارة إلى أن هذا الكيان بدأ يهتري ويعيش أزمة وجودية مع بدء الأزمة داخل أمريكا والمجتمعات الغربية وتحديداً بريطانيا، غير أن أزمة أمريكا تُعد الأكثر تأثيراً بواقع الكيان الذي يتداعى مع أمريكا بالسهر والحُمَّى إن أُصيبتا بهما.. وهذا ما سوف تؤكده تداعيات المرحلة القادمة.
|