طه العامري - أحدثت معركة (طوفان الأقصى) ما يمكن وصفه بالتداعيات التراجيدية بمظاهرها الدرامية التي بدت فيها العقلية (الصهيونية) في سلوكها ومواقفها وتصرفاتها وأفعالها وخطابها وكأنها تجتر مآثر أسلافها من قدماء (اليهود) الذين خاضوا مع الله ورسله وأنبيائه معارك جدلية ونكراناً وتنكُّراً لكل معجزات الله وجحود بكل النعم التي أنعم بها سبحانه وتعالى على (بني إسرائيل) مع تقديرنا وإدراكنا أن هؤلاء الذين يحتلون فلسطين ليسوا (يهودا) ولا علاقة لهم بـ(اليهودية) لا كدين ولا شريعة ولا قيم ولا أخلاقيات أو سلوك، بل هم (صهاينة) الذين كانوا من أوائل من كفر بالله ورسله ورسالته وحرًَفوا (التوراة) ونكروا (الإنجيل) وكذَّبوا (القرآن) وهم كانوا وما يزالون مجرد أدوات لتيار استعماري موغل في القِدَم وواسع الحضور والنفوذ وهو التيار الذي اسسه (السامري بعجله) والذي يسيطر اليوم على العالم ويتحكم به عبر كارتل (الشركات الكبرى القابضة) التي تحكم العالم اليوم..
بيد أن السلوكيات (الصهيونية) وعلى مختلف المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية والاجتماعية، بدت على إثر معركة طوفان الأقصى وكأن هذا الكيان فقد القدرة على التماسك، وان حالة الارتباك والانهيار تبدوان أكثر حضوراً في مواقفهم من تلك التي كانت خلال حرب أكتوبر 1973م..!
مَنْ يتابع التصرفات الصهيونية العسكرية والسياسية والاجتماعية منذ تفجرت معركة طوفان الأقصى يجد أن هذا الكيان فعلاً يخوض معركة (وجودية) حسب تصريحات أحد أهم قادته وهو (جانتس) الذي دخل عضوية مجلس الحرب المصغر رغم أنه ليس عضواً بالحكومة، لكنه فُرض من قِبل أمريكا والغرب على رئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو الذي فقد وحكومته ثقة أمريكا والمنظومة الغربية الراعية للكيان، ورغم فقدان الثقة إلا أنهم سارعوا لدعم الكيان ونتنياهو بعد أن أيقنت واشنطن والغرب أن الكيان الذي أوجدوه في المنطقة انهار خلال ساعات وانهارت كل أساطيره وقدراته أمام المقاومة الفلسطينية ذات القدرات المحدودة والذاتية وذات الإرادة الفولاذية الخارقة التي لا تقهرها أي قوة أو تحول بينها وبين حقها في الدفاع عن شعبها وتحرير مواطنيها من الاحتلال..
التصريحات العنترية التي يطلقها قادة ومسؤولو هذا الكيان تعكس بحقيقتها حالة ضعف وعجز وانهيار، وهزيمة ذاتية وموضوعية تستوطن هذا الكيان وقادته وهذا ما دفع أمريكا للحضور بشكل مباشر سواء في إدارة العدوان على قطاع غزة أو في العدوان على اليمن بعد موقفه الداعم للقضية الفلسطينية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب..
يطلق الصهاينة تصريحات عنترية لا تتسق مع معطيات المعركة الميدانية التي تؤكد فشل وإخفاق العدو في تحقيق مكاسب تُذكر رغم دخول المعركة شهرها الخامس، كما أن التصريحات المتناقضة التي يطلقها قادة الكيان تعبّر عن رؤى ومواقف فردية ولا تعبّر عن رؤية موحدة لكيان متماسك يتمتع قادته بقدر من الحصافة واحترام الذات..!
إذ لا يزال رئيس حكومة الكيان مثلا يتحدث عن إزالة المقاومة وتفكيك قدراتها وتصفية قادتها مع أنه ومنذ خمسة أشهر ورغم الاستخدام المفرط وغير المسبوق للقوة الجوية والبحرية والبرية والاستخبارية ومعها المساعدات الأمريكية البريطانية والغربية، ورغم الدمار الهائل للقطاع فإن الجيش الصهيوني عاجز عن تسجيل ولو انتصار يُذكر، ولا تزال اليد العليا والطولي للمقاومة التي تمسك بزمام الأمور وتسيطر على الميدان..
بيد أن وقوف واصطفاف العالم وأنظمته إلى جانب العدو باستثناء الموقف اليمني وموقف المقاومة في لبنان والعراق فإن العالم بكله يكاد يكون في صف العدو إرضاءً للإدارة الأمريكية _البريطانية الغربية، واللافت أن أحداً لم يكن يتصور أمريكياً وصهيونياً، هذا الصمود الأسطوري في قطاع غزة الذي سجلته المقاومة والشعب، بعد أن فشل العدوان في تحقيق أيٍّ من أهدافه، لا من حيث هزيمة المقاومة وتجريدها من السلاح، وتصفية قيادتها، أو من حيث التهجير، الأمر الذي وضع حكومة الكيان في مأزق حقيقي على المستوى الداخلي والخارجي، ووضع واشنطن بدورها أمام مأزق ربما يتماهى مع المأزق الصهيوني إنْ لم يكن أكثر إيلاماً منه على صعيد النفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة الأمريكية التي فقدت ليس هيبتها كدولة عظمى فحسب بل فقدت احترام العالم لها بعد أن أثبتت أنها دولة لا تومن بتعهداتها ولا تصدق بوعودها.. وغزة بصمودها لم تهزم الكيان المحتل وتفضحه فحسب بل فضحت أمريكا والغرب وكل أنظمة العهر العربية..
الأمر الآخر الذي حققته المقاومة بصمودها رغم التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب في قطاع غزة وكل فلسطين، أنها قطعت الطريق وإنْ مؤقتاً أمام قطار (التطبيع) الذي كان مهرولاً ويحاول تجاوز كل الثوابت والحقائق والمعطيات المتصلة بالقضية ومصيرها..
واللافت في هذا السياق ربما ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي في جولته الرابعة للمنطقة منذ بدء معركة طوفان الأقصى، إذ تحدث الوزير الصهيوني الذي كان أكثر حماساً لإبادة المقاومة ورافضاً فكرة الهدنة، اليوم يطالب الرجل (بهدنة ممتدة)، وهذا ما كانت تطالب به المقاومة منذ البداية وكان الرفض يأتي من الصهاينة والأمريكان، حتى وإن ربط الوزير الأمريكي هذا الطلب بتجنب اتساع نطاق الحرب..؟!
نافل القول إن الكيان الصهيوني وبجانبه أمريكا وبريطانيا وبقية المنظومة الغربية وجدوا أنفسهم ولأول مرة أمام حرب استثنائية، ومقاومة غير مسبوقة وغير متوقعة وغير معهودة، الأمر الذي انعكس على مستوى المواقف السياسية والعسكرية في كيان العدو الذي أصبح رموزه يتهمون بعضهم ويحمّل كل طرف المسئولية على الآخر.. فيما يواصل رئيس وزراء الكيان إطلاق التصريحات الجزافية التي لا تعبّر عما يعتمل في الواقع وعلى مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية، فيما وزراؤه يطلقون التصريحات التي تعبّر عن عقليات سفسطائية عبثية لا تمت للواقع بصلة ولا يمكن التسليم بها أو التعاطي معها..
كل هذه التناقضات ألقت بظلالها على السياسة الأمريكية بالمنطقة وعلاقتها حتى بحلفائها من الأنظمة، وهي قطعاً ليس لها حلفاء في الوطن العربي إلا مع الأنظمة وبعض المكونات النخبوية المرتبطة بوكالة التنمية الأمريكية التي هي إحدى وسائل جهاز المخابرات المركزية الأمريكية.؟!
ختاماً وباختصار.. يقف الكيان وحلفاؤه أمام هزيمة حضارية هي الأولى من نوعها في تاريخه وهي الهزيمة التي تقود هذا الكيان نحو الزوال حتمياً.
|