الميثاق نت -

الثلاثاء, 13-فبراير-2024
د. سعيد الغليسي -
النقيب أمين بن حسن أبو راس من مشائخ القبائل الذين لم يُنصَفوا ولم يأخذوا حقهم في التدوين التاريخي

أدى أدوارا مهمة في معظم ساحات القتال ومعارك العِزة والبطولة وتضحياته كانت خدمة للوطن والشعب اليمني الذي أحبهم وأحبوه

لابد أن تعرف الأجيال أن رجالاً عظماء قدموا لليمن الكثير وضحّوا من أجلها بكل غالٍ ونفيس بل ودفع بعضهم وعلى رأسهم أمين أبو راس حياتهم من أجل مواقفهم الوطنية..

حين كان يُطلَب من الشيخ أمين التحدث عن دوره كان يجيبهم " لماذا لا تتركون لأعمال الناس أن تتحدث عن نفسها "؟

امتلك النقيب بشهادة جميع من عرفوه شجاعة نادرة وحكمة ووعياً سياسياً متقدماً، وهو ما مكنه من لعب أدوار مفصلية مهمة في تحرير اليمن


في مسار التدوين التاريخي للدور القبلي الوطني، والذي كان دورا محوريا في الأحداث الوطنية العظيمة وعلى رأسها قيام ثورة 26 سبتمبر الخالدة ، وتثبيت النظام الجمهوري بعد مواجهات مع القوى الملكية المسنودة من السعودية وأنظمة عربية وإقليمية ودولية لقرابة ثمان سنوات.. لابد من التأكيد على أن دور القبيلة وزعمائها كان كبيرا ، وشكل عاملا حاسما في نجاح الثورة وتثبيت النظام الجمهوري..
ونقصد هنا دور المشائخ الوطنيين أو الثوار الحقيقيين الذين ناضلوا بإخلاص وبدافع وطني بُحْت وقاموا بواجبهم بصمت وغادرونا بصمت أيضاً..

ومن أبرز أولئك المشائخ النقيب أمين بن حسن أبو راس كبير قبائل بكيل ، والشيخ علي بن ناجي القوسي والشيخ أحمد عبدربه العواضي ، والشيخ مجاهد أبو شوارب، والذين تم تغييب دورهم لصالح مشائخ آخرين اشتغل الجوار على تطويعهم لرعاية أهدافه في عدم تحقيق الاستقرار السياسي المنشود وبناء الدولة وطيّ سنوات الحرب، بعد توقيع اتفاقية المصالحة والسلام عام 1970 بين الجانبين الجمهوري والملكي والاعتراف بالجمهورية العربية اليمنية..

كان النقيب أمين بن حسن أبو راس هو أكثر زعماء القبائل الذين لم يُنصَفوا ولم يأخذوا حقهم في التدوين التاريخي ، رغم أدواره المهمة والصعبة والمفصلية التي قام بها في معظم ساحات القتال والمواجهات في معارك العِزة والبطولة والتي اخترقت جسده خلالها ما لا يقل عن سبعة وعشرين، وكل تلك التضحيات كانت خدمة للوطن والشعب اليمني الذي أحبهم وأحبوه، وكان أقرب رجال الدولة إلى قلوبهم..

ويقول التاريخ إن أبو راس كان مع علاقة احترام وإخاء تقوم على حُسْن الجوار والندية ونسج شراكة حقيقية تستقيم مع السعودية ودول الجزيرة وإن كرامة اليمني من كرامة شعوب الجزيرة، وكرامة شعوب الجزيرة من كرامة اليمني.. وصولاً إلى اتحاد وتكامل عربي..

معالم هذا التوجه الصائب بدأ خلال السنتين الأوليين من فترة الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي والسنتين الأخيرتين من حكم الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز ، ملك السعودية، والذي رأى فيه النقيب (الشهيد) أمين حينها انه كان يحمل مشروعا قوميا عروبيا، في مصلحة المملكة واليمن وشعوب الجزيرة والأمة العربية والامة الاسلامية.. وهو ذلك المشروع الذي كان كبيرا ومكلفا على الأمة، وارتداده مازال إلى اليوم..

تاريخ النقيب أمين ابو راس هو تاريخ وطني مشرف، وعملية تدوينه وتدوين تاريخ بقية المشائخ الجمهوريين الحقيقيين واجب علمي ووطني يقع على عاتق المؤرخين، وهو تاريخ لا يخص أسرة أبو راس بعينها أو غيرها من أسر أولئك المشائخ بل يخص الوطن والذاكرة الوطنية والأجيال القادمة..

إذ لابد أن تعرف تلك الأجيال أن رجالاً عظماء قدموا لليمن الكثير وضحّوا من أجلها بكل غالٍ ونفيس بل ودفع بعضهم وعلى رأسهم أمين أبو راس حياتهم من أجل مواقفهم الوطنية..

والحديث عن تاريخ ذلك الثائر الوطني طويل ولا يتسع المقام هنا لسرد تفاصيله، وهناك عملية تدوين علمية وأمينة لذلك التاريخ، والتي ستتحدث عن تاريخ أسرة آل أبو راس ، بدأ بنضال النقيب قائد بن حسين أبوراس (الملقب بقائد البارود) إلى قاسم أبو راس الأول ضد الاحتلال التركي لليمن والمواجهات معه في الجوف وتعز وإب وغيرها..
وسيتم تناول دور النقيب حسن بن قاسم أبو راس ، ودور أبنائه اخوة النقيب أمين، النقيب قاسم بن حسن ، وعبدالله بن حسن وحمود بن حسن، وأبناء عمومتهم والذين كانوا من أهم وأبرز المعارضة القبلية لنظام الإمام يحيى وأبرز ثوار حركة 1948م.. ثم عارضوا حكم والده الإمام أحمد، وكانوا من أبرز قادة حركة المعارضة اليمنية ضد ذلك الحكم الإمامي، وكان لهم الدور الأبرز في حركة 1959م للإطاحة بحكم الإمام أحمد والتي استشهد فيها النقيب قاسم بن حسن أبوراس..
وأصبح النقيب أمين في هذه الفترة هو كبير الأسرة وكبير بكيل، ويحظى بمكانة واحترام كبيرين ليس في أوساط قبائل بكيل فحسب بل حتى في أوساط قبائل اليمن الأخرى في الشمال والجنوب والتي كان على تواصل وعلاقات وطنية وثورية معها..

لقد امتلك النقيب بشهادة جميع من عرفوه شجاعة نادرة وحكمة ووعياً سياسياً متقدماً، وهو ما مكنه من لعب أدوار مفصلية مهمة في تحرير اليمن وإسقاط النظام الإمامي، وإقامة النظام الجمهوري من خلال المناصب التي تقلَّدها كعضو في المجلس الجمهوري وقائد المناطق الشمالية وعضوية مجلس الشعب التأسيسي ومحافظ لمحافظة الحديدة ومناصب وزارية وغيرها..

واللافت أن النقيب أمين أبو راس لم يسعَ لتوثيق دوره حتى إعلامياً، بل كان يرفض الحديث عن نفسه ،ولم يفكر أيضاً في تدوين مذكراته ولكن هناك العديد من المؤتمرات التي كان له الدور البارز فيها وسيتم الكتابة عنها وإعادة نشر لقاءاته ومقابلاته الصحفية لأهميتها..

وحين كان يُطلَب منه التحدث عن دوره كان يجيبهم لماذا لا تتركون لأعمال الناس أن تتحدث عن نفسها؟

وكان محقاً فالتاريخ ينصف ولو بعد حين، وها هي الوثائق والشهادات التاريخية تظهر في هذه الفترة لتنصف دور النقيب أبو راس، ولتشكل مادة علمية في مسار تدوين تاريخ رجل حين كان ينادَى بلقب شيخ مشائخ بكيل كان يجيب أنا شيخ الكادحين والمساكين والفقراء فقط..

ومن خلال عملية التدوين التاريخي تلك ستعرف الأجيال اليمنية أن المهام الصعبة والمفصلية هي من كانت تبحث عن أبو راس والذي كان حاضراً دوماً متحملاً تلك الأدوار الصعبة بكل اقتدار وشجاعة، مواجهاً الموت تقريباً في مهمة من تلك المهام، وهذا ما جعل ناجي بن علي الأشول أحد أبرز قادة تنظيم الضباط الأحرار يقول في برقية عزاء صديقه ورفيق درب النضال الوطني: لقد استُشهد النقيب أمين أكثر من مرة..
فقد كان حاضراً بقوة في كل أحداث التاريخ النضالي ضد الحكم الإمامي وآخرها الإعداد لثورة 26 سبتمبر 1962م وتنفيذها وإقامة النظام الجمهوري..
فقائد تنظيم الضباط الأحرار الشهيد البطل علي عبدالمغني ، رتب وأعدَّ للثورة بشكل مباشر مع النقيب أمين عندما زاره إلى قريته في ذي السفال وأبلغه بساعة الصفر لأهمية الرجل والثقة به ووطنيته ومكانته القبلية كشيخ مشائخ بكيل ومكانته وتأثيره على كثير من القبائل الأخرى والترتيب والإعداد للثورة..

لقد تعرضت الثورة لخطر وَأْدِها في مراحلها الأولى، وخاصة بعد استشهاد قائدها علي عبدالمغني وبعض قادتها أمثال صالح الرحبي ومحمد الحمزي، فانبرى الثائر القبلي النقيب أمين أبو راس على رأس مشائخ وطنيين ثوريين للدفاع عن الثورة والجمهورية، فصمدت الجمهورية وكُتِب لها الاستمرار ، وخاصةً بعد أن فشل حصار العاصمة صنعاء بفضل صمود الشعب والجيش في صنعاء بقيادة الفريق حسن العمري وعبدالرقيب عبدالوهاب ورفاقهم الأبطال، ثم بفضل عملية فكّ الحصار ودحر القوات الملكية من أبواب صنعاء، تلك العملية التي قادها من الجهة الشمالية لصنعاء كبير بكيل النقيب أمين أبو راس وقبائله من برط سفيان وأرحب وغيرها من قبائل بكيل والتي بدأت بالحشد بمنطقة ريدة مع اخوانهم من حاشد بقيادة كبير حاشد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر..
وفي وقت متزامن تم فتح الحصار من الجهة الغربية من قِبل القوات التي قادها الشيخ البطل أحمد عبدربه العواضي..

لقد كسر أبو راس ومعه الشيخ الأحمر الحصار من الجهة الغربية بعد معارك عنيفة ولم يتوقف النقيب أمين أبو راس إلا في منزله في حي الصياد داخل العاصمة صنعاء..

وبذلك أُنقذت الثورة والجمهورية اللتان كانتا على وشك السقوط، ولولا ذلك الدور القبلي وصمود أبناء القوات المسلحة في صنعاء بقيادة الفريق حسن العمري والنقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، لَسقطت صنعاء والجمهورية ولعاد النظام الإمامي..

وتجدر الإشارة إلى أن حسن العمري طلب من أمين أبوراس بعد وصوله صنعاء مجموعة من ذو محمد لمرافقته في تحركاته في الجبهات لصد المهاجمين ودحرهم فأرسل له من خِيرة شباب ذو محمد ومن بينهم ولده البكر صادق..

الحقيقة أن الحديث عن الثائر الوطني الجمهوري النقيب أمين أبو راس طويل وطويل والمقام هنا كما أسلفنا لا يسعفنا لسرد تاريخ وبطولات الرجل.. وهي التي يتم تدوينها لتكون بين مُتناوَل الذاكرة الوطنية اليمنية والأجيال الحالية والقادمة..

* مؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر-
جامعة صنعاء
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-65532.htm