توفيق الشرعبي - العشرون من فبراير خُصص يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية التي تتغنى بها الامم المتحدة سنوياً في مثل هذا اليوم، فيما الكثير من شعوب العالم تعيش مآسي كارثية وتتعرض لأبشع أنواع الانتهاكات والجرائم.. ومايجري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة اليوم دليل كافٍ لازدواجية المعايير وعدالة منظمة الأمم المتحدة التي ستطل علينا ـ كعادتها ـ ببيان تؤكد فيه ان العدالة الاجتماعية هي أكثر من مجرد ضرورة أخلاقية، وأنها أساس الاستقرار الوطني والازدهار العالمي ..وستتباكى على مايحصل في بلدان الشرق الاوسط من انتهاكات لحقوق الإنسان وغيابٍ لفرص العمل وانعدام الأمن الغذائي .. الى آخره من الشعارات الجوفاء محفوظة الحقوق للمنطمة الأممية التي يفضحها الواقع المزري..
مايؤسَف له حقاً أن كثيراً من شعوب العالم الثالث لاتزال تربط آمالها بالأمم المتحدة لتحقق لها العدالة "المفقودة"فيزداد واقعها سوءاً على سوء!!
العدالة الاجتماعية مقصد شرعي وقيمة أخلاقية مهمة في ديننا الإسلامي الذي حرر العباد من عبادة الطواغيت وشدد على مبدأ العدل كأساس في بناء المجتمعات والدول الحديثة.. والشعوب التي تقبل بالهوان تهدر كرامتها وعزتها، وتتحول إلى قطيع يسهل قياده وتفقد حريتها، ومن يفقد حريته يصبح مطية للاستعمار ومرتعاً للاستبداد.. ولهذا تحرص القوى الفاعلة وحركات النضال والتنظيمات السياسية الوطنية على تضمين (العدالة الاجتماعية) في أدبياتها وأدلتها الفكرية ورؤاها السياسية كمبدأ ثابت وأساس مهم في بناء المجتمعات والدول المدنية..
وبقراءة سريعة للدليل الفكري للمؤتمر الشعبي العام سنجد أن هذا التنظيم ـ الذي وُلد من رحم وطنه ـ أدرك منذ تأسيسه أهمية العدل الاجتماعي المبني على مبادئ الإسلام الحقة وتعاليمه الإنسانية لبناء الدولة الحديثة التي نشدها اليمنيون من خلال قيامهم بالثورة "سبتمبر وأكتوبر" للتخلص من الظلم الاجتماعي الذي كان سمة لعهود ما قبل الثورة.. وجعل مبدأ العدل الاجتماعي أولوية في نهجه السياسي وضمَّنه أدبياته وبرامجه، باعتباره «التطبيق الواقعي للقيم المنبثقة عن الإسلام بحيث يسود بين أبناء مجتمعنا اليمني جو من الحب والتعاون والإيثار بما يحمله من معانٍ إنسانية شاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية ومقوماتها، يتناول جميع مظاهر الحياة وجوانب النشاط فيها، كما يتناول الشعور والسلوك والضمير والوجدان، فتمتزج فيه القيم المادية بالقيم الروحية وتغدو القيم الاقتصادية والاجتماعية حلقة من حلقاته في تعادلية تحقق تكافؤ الفرص والعدل بين الجميع، وإطلاق الطاقات الفردية والعامة في حدود منهج الله وشرعه»..
هذا التعريف للعدل الاجتماعي كما ورد في ( الميثاق الوطني) يؤكد إدراك المؤتمر الشعبي العام للمطالب الشعبية التي تأتي قضية العدل الاجتماعي في صدارتها، كإشارة إلى أنه بدون العدل الاجتماعي لايمكن إجراء إصلاحات مؤسسية وسياسية واجتماعية واقتصادية، ولهذا تبنَّى المؤتمر هذا المطلب الشعبي كأساس حتمي لبناء دولة المؤسسات وضمَّنه برامجه بشكل واضح ليسهل تطبيقه على الواقع وحتى لايظل مجرد شعار غير مفهوم.. مستوعباً أن الحرية هي خطوة مهمة لتحقيق العدل الاجتماعي لأن الحرية كمبدأ في المؤتمر «هي فِطْرة الله التي فطر الناس عليها، وأي اعتداء عليها او احتكار لها، لايعتبر مجرد اعتداء على حق من حقوق الانسان والمجتمع فحسب، بل إنه تَحَدٍّ لإرادات الله».. والعدل الاجتماعي من وجهة نظر المؤتمر لايتوقف عند منح الفرد حريته في التعبير عن رأيه وميوله وتوجهه، بل إن من العدل الاجتماعي «أن تفتح ابواب العمل ليختار المواطن منها ما تؤهله له كفاءته وميوله، ولا يفرض عليه عمل معين إلا إذا تعين لمصلحة المجتمع، كما لاتسد في وجهه أبواب العمل إلا إذا كان مخالفاً لأحكام الشرعية الإسلامية»..
فالعدالة الاجتماعية استحقاق أساسي للإنسان للتمتع بمجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لأنه لايمكن للإنسان أن يحقق كرامته مالم يكفل العدل الاجتماعي له التحرر من العوز والتحرر من الاستعباد والاستغلال وإيجاد الظروف الملائمة التي يمكن له فيها استغلال مؤهلاته وإمكاناته أحسن استغلال..
عندما تبنَّى المؤتمر فكرة العدل الاجتماعي كحتمية لبناء الفرد والمجتمع وحاجة ملحة للإصلاحات كان يدرك جيداً أنه لايمكن بدون العدل الاجتماعي «إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات» كهدف من أهداف الثورة اليمنية، فمفهوم المؤتمر لقضية تذويب الفوارق بين الطبقات «إنما يقوم على أساس من إيماننا بمبدأ المساواة المطلقة بين كل أفراد مجتمعنا من حيث القيمة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، علاوةً على الحقوق والواجبات».. فالحياة الاجتماعية تعاون وتكافل وإطلاق للطاقات الفردية والعامة وليست صراعاً طبقياً ولا حقداً وخصاماً..
لم يكن «العدل الاجتماعي» في فكر المؤتمر الشعبي العام للاستهلاك السياسي والإعلامي أو للتنظير الفكري، بل خططاً وبرامج، عمل طِيلة مسيرته التاريخية الممتدة لأربعة عقود على تحقيقها على الواقع والانتصار لها في المواقف..
وهو اليوم أكثر إيماناً بأهمية «العدل الإجتماعي» للتعامل مع الأزمة الخانقة التي يمر بها الوطن والشعب، خصوصاً أن البعض من ضِعاف النفوس من المتنفذين يستغل الظروف التي تمر بها البلاد واستغلال سلطته في ممارسة التمييز والتهميش والإقصاء والحرمان من الحقوق والعبث في ظل ظروف صعبة تستدعي من الجميع -سلطةً ومجتمعاً- بث روح التكافل الاجتماعي كأهم السمات في «العدل الاجتماعي» ليتحقق لكل فرد ما يكفل له حياة إنسانية كريمة تتوافر له فيها على أقل تقدير حاجات الحياة الضرورية..
مقصد القول: بما أن المؤتمر الشعبي العام بذل الجهود وقدم البرامج ووضع السياسات والخطط لتحقيق العدل الاجتماعي خلال مسيرته، فإنه مطالب اليوم ببذل أقصى الجهود لوقف التصرفات والممارسات السلبية التي يقوم بها بعض المأزومين حتى لا تؤدي للإطاحة بما تحقق من العدل الاجتماعي، فبدونه لايمكن لأي سلطة أن تضمن الاستقرار المجتمعي. |