الميثاق نت -

الإثنين, 11-مارس-2024
د. عبدالوهاب الروحاني -
الولاء الوطني إحساس واعٍ بالانتماء إلى الأرض والإنسان، وشعور وجداني يمثل أرقي درجات الحب والإيمان بروابط الثقافة والتاريخ.. هو إخلاص بلا شروط، وتضحية بلا ثمن، حيث الوطن يكون أولاً، وحيث القيمة المقدسة التي لا تُمس..

حينما يكون الوطن جزءاً من تكوين الفرد تسقط اعتبارات المصالح وتصفو المعاني وتزول الشكوك حول جدلية الانتماء بين الإنسان والهوية؛ تبرز أهمية هذه المعايير عبر جملة من الأفعال الحيوية، التي تتشارك فيها الدولة والمجتمع من خلال:

• الحفاظ على سيادة الوطن ومقدراته الحيوية وعدم تعريضه للخطر.
• حمايته من التدخلات الخارجية، ومنع الاعتداء عليه.
• رفض كل أشكال العلاقات المشبوهة فردية أو جماعية تهدد أمنه واستقراره.
• محاربة رموز الخيانة وأدوات البيع والشراء بقضايا الوطن ومكتسباته.

ذلك هو المفهوم المثالي للولاء الوطني، الذي يشعر به أي مواطن سَويّ يرتبط بهوية ووطن؛ لكن وعي الأفراد يتشكل عادةً تِبعاً للثقافة السائدة في مجتمعاتهم وبيئاتهم الصغيرة، فينشأون فيها على ولاءات متعددة في إطار الأسرة والعائلة والقبيلة ثم الوطن..

* بين العصبية.. والولاء

في اليمن كما في كثير من البلدان العربية والإسلامية، تتوارث الأجيال قيماً وعادات وتقاليد تنطوي في كثير منها على عصبية، يأخذونها عن الآباء والأجداد بالتلقين والممارسة اليومية؛ ثم إن المجتمعات الشرقية هي في الغالب مجتمعات استبدادية، ومن السهل أن تتشكل فيها الأجيال تِبعاً لبيئاتها وأبجديات معارفها الأولى، حتى وإنْ درس البعض في أرقي الجامعات، لكنه يعود لطبيعة التنشئة البدائية (قبلية، وطائفية، ومذهبية، وجهوية)، والأمثلة كثيرة في المجتمعات العربية، التي عبثت بها الأحداث مؤخراً، وتغيرت فيها القواعد من نظام إلى نظام ومن عصبة إلى أخرى..

الأحداث التي عصفت ببعض دول المنطقة منذ حرب الخليج الثانية (أغسطس 1990م) ومروراً بأحداث "الربيع العربي"، التي تتفاعل سيناريوهاتها منذ 2011م، وانتهاءً بانهيار الدولة في أكثر من بلد عربي وحتى اليوم، كلها أحداث خلقت شرخاً كبيراً في البنية الوطنية، والنسيج الاجتماعي؛ ذلك لأن الأحداث التي تنطوي على أعمال عنف، واستلاب للحقوق والحريات، هي أحداث تثير نوازع الحقد والكراهية، وتبدأ بإعادة إنتاج العصبيات العرقية، والقبلية، والمناطقية، والجهوية؛ الأمر الذي يساعد على خلق ولاءات ضيقة تخصم بالضرورة من الرصيد الوطني..

شعبنا اليمني كما كل الشعوب العربية ممتلئة انتماء ووطنية وولاء، لكنها بسيطة وسهلة التلقين.. بمعنى أنها سريعة التأثر بخطابات وتوجهات النخب السياسية، والحزبية، والجماعات الدينية، والزعامات الاجتماعية؛ وإذا ما قرأنا خارطة القوى السياسية اليمنية المعاصرة (مثلاً)، أعني القوى الممسكة بخناق الوطن اليوم، سنجد أن أغلبها يلعب على المسرح السياسي بأجندة طائفية ومذهبية، وقبلية وعرقية أو جهوية – مناطقية وبمرجعيات خارجية، وهي لا تثير العصبية وتمجّد الولاءات الضيقة فقط، وإنما هي تروج لولاءاتها الخارجية بمبرر أن حل المشكلة اليمنية بيد الخارج، مع أنه ليس بيده سوى مشكلة هذه النخب المنفلتة، ومصالحها، واعتماداتها، وميزانياتها..

ولهذا، لم تتمكن النخب الحاكمة اليوم من استيعاب وهضم الفكرة الوطنية الجامعة، ولم تتمكن خلال تسع سنوات من الحرب حتى من فتح الطريق أو صرف المرتب، ولم تتمكن من تجاوز عُقَد النقص وحالة التقوقع التي تعيشها حول القرية أو الجهة، والقبيلة أو السلالة والعائلة.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:13 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-65696.htm