د. عبدالوهاب الروحاني - قبل ثمان سنوات (28 سبتمبر 2016م) قسَّموا البنك المركزي إلى بنكين، وبعده قسَّموا العملةوجعلوها عملتين، "عملة صنعاء" و"عملة عدن" وصارت لكل منهما قيمة خاصة بها، مع أن الريال في صنعاء هو نفسه الريال في عدن، والاختلاف هو في ألوان الطبعات والمقاولين وتجار الحرب، ليصبح الضحية هو المواطن البسيط، الذي لا يستلم مرتبه لا من صنعاء ولا من عدن، وليس مدرجاً في قوائم وكشوفات اللجان الخاصة..
اليوم بدأوا حرب تصنيف البنوك، وشركات الصرافة بين "وطنية" و"عميلة"، "انقلابية" و"مرتزقة"، مرخَّصة وغير مرخَّصة.. يعني سدوا كل الطرق وأغلقوا كل المنافذ المالية على المواطن تماماً كما أغلقوا الطرقات المسبلة، ومنعوا المواطن من الحركة في وطنه، وحاصروه ووقفوا حائلاً بينه وبين البحث عن مصدر رزقه ومعاش أهله وأولاده..
*قرار بقرار !!
بنك عدن المركزي يصدر قراراً بإيقاف التعامل مع عدد من "البنوك المخالفة" - كما سمَّاها- ويعلن عن "شبكة الحوالات المالية الموحدة"؛ وبنك صنعاء يصدر بالمقابل تعليماته بمنع التعامل مع عدد من البنوك وشركات الصرافة ذات العلاقة مع عدن لنفس الاسباب والمبررات، وحظر التعامل مع شبكة عدن.. والمهم شبكة تجر أخرى، وكلها شباك يصطادون بها الغلابة من بسطاء وفقراء الوطن ومُشرَّدِيه..
أسعار السلع تتباين من مدينة لمدينة ومن قرية لأخرى، وترتفع بين لحظة ولحظة تبعاً لفوارق أسعار الريال في الحارات المتصارعة.. وهكذا بدأت حرب العملة تشتعل وبصورة تكشف عن بؤس وهشاشة الوضع وسوء تدبير قادة الحرب الذين أوصلوا البلاد إلى حالة من الانهيار التام..
*البداية المتهورة
بداية الكارثة كانت بقرار متهور وغير محسوب أقدمت عليه حكومة بن دغر في 2016م، مزقت به البنك المركزي اليمني شر ممزق.. وهي من تسبب ليس فقط في تجاوز سعر الدولار الـ 1000 ريال، وإنما كانت أحد أبرز أسباب قطع المرتبات أيضاً، بعد أن كانت تُصرف بسلاسة من البنك المركزي (تحت قيادة د. محمد بن عوض بن همام) لكل الموظفين مدنيين وعسكريين وفي كل المحافظات بدون استثناء..
طبعاً، وبعد أن مزقوا البنك المركزي بقرار "جمهوري" من الرئيس هادي في سبتمبر 2016م أُقيل بن همام تلقائياً، وهو رجل الدولة النزيه والتكنوقراط، الذي حافظ على مهنية وحيادية البنك، وعلى استقرار سعر الصرف عند 300 ريال للدولار الواحد..
في صيف 2022م كنتُ التقيت الأخ د.أحمد بن دغر في القاهرة وسألته إذا ماكان قد أخطأ في نقل البنك المركزي إلى عدن، فقال "القضية كانت أكبر مما تتصور" وسرد بعض المبررات، التي وضعت علامات استفهام كبيرة، ودفعتني للبحث عن الحقيقة..
*أُصدق بن همام
ولأجد الحقيقة رجعتُ للدكتور بن همام، وتابعتُ حربه الضروس من أجل الإبقاء على البنك المركزي موحداً، فوجدتني أصدقُ بن همام وأقول بما يقول وهو من هو من العفة والنزاهة، ولا أرى حُجة لغيره؛ ذلك لأن بن همام لم يختر أي طرف من أطراف الحرب بل كان خياره هو الوطن والوحدة..
قال الدكتور محمد بن همام لرويترز بالصوت والصورة "إن تمزيق البنك المركزي سيكون له تبعات كارثية على العملة الوطنية وعلى وحدة البلاد".. وأضاف: "إن مبررات نقله إلى عدن غير صحيحة والبنك يعمل بحيادية".. وكان بن همام صادقاً.. فهو من حافظ على وحدة وأداء البنك كرجل دولة خلال عامين من بدء الحرب، واستلم الناس مرتباتهم كاملة وغير منقوصة في كل محافظة وكل جبهة أيضاً..
أنا هنا لا أُشكّك في نوايا بن دغر وإخلاصه لعمله معاذ الله، فهو في الأخير موظف يخدم سياسة محكومة بمؤثرات إقليمية ودولية، وإذا كان هنا قد اجتهد وأخطأ، فتُحسب له محاولة تسجيل موقف ذات يوم في سقطرى (مايو 2018م)، لكنها المحاولة التي لم تكتمل و"بيضة الديك" التي لم تتكرر، ولربما كانت الضغوط والمصالح أكبر وأطغى، وهي التي لا تزال تتحكم في المشهد إلى هذه اللحظة..
هذا -للأسف - هو الحال الذي وصلنا إليه، حرب البطون تستعر بحرب الريال ومنع التحويلات، ومزيد من الخيبات وتكريس سياسة التمزيق والتجويع..
يا قوم، إنْ اردتم أن تستعيدوا عافيتكم، ويستعيد المواطن ثقته فيكم (ولن يفعل)، فأعيدوا للريال كرامته، واستعيدوا وحدة البنك المركزي، واصرفوا مرتبات الموظفين..
لا أثابكم الله.. |