د. عبدالوهاب الروحاني - لدى إيران مشروع واضح، لا يمثل فقط طموحاتها المعاصرة، إنما هو أيضاً امتداد طبيعي لتاريخها وحضارتها القديمة، وهي تبني سياستها الإقليمية والدولية على أساس من الوعي بأهدافها وبما تريد..
إيران تبحث عن موقع مميز في محيطها الثقافي والجغرافي؛ هي تنافس لتكون دولة محورية لها كلمة مسموعة في قضايا وشئون المنطقة، وذلك من حقها، لكنه الأمر الذي لا يمكن له أن يتحقق إلا بثلاث:
1. استقرار أمني وسياسي
2. تنمية مستدامة واقتصاد قوي
3. قوة ردع عسكرية
ولعل إيران قد قطعت شوطاً مهماً في المسارات الثلاثة رغم العقوبات المفروضة عليها منذ أكثر من أربعة عقود من قِبل الدول الغربية بسبب برنامجها النووي، ولكن وبقدر الضرر الذي ألحقته هذه العقوبات بالتنمية وبحركة التصنيع والإنتاج خلقت لدى النظام الإيراني حافز التحدي؛ علاوةً على تمكنها من كسر المقاطعة بحركة التبادلات التحارية الواسعة مع عدد من دول الجوار وفي مقدمتها دبي (الإمارات) التي تتم بمعرفة أمريكية وأوروبية كاملة..
من هنا، إيران تنافس بقوة على زعامة العالم الإسلامي، وهي تقود صراعاً مذهبياً شرساً ليس فقط في المنطقة العربية، وإنما في كل دول العالم الإسلامي، ووسعت نفوذها بشكل لافت في المنطقة العربية منذ ما بعد حرب الخليج الثانية(1990- 1991م) وفي مناطق شرق أوروبا (الإسلامية) مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وقد نجحت إلى حد كبير في إقناع الغرب -على الأقل- بكونها المنافس الأقوى لزعامة العالم الإسلامي..
إيران اليوم على وشك إنتاج القنبلة النووية(إنْ لم تكن قد أنتجتها)، وهي تنافس بقوة في مجال حرب النجوم أو ما يُسمى بـ"الدفاع الاستراتيجي"، وسباق التسلح بالتقنيات العسكرية الجديدة من زوارق وطائرات مُسيّرة ومنظومة صواريخ استراتيجية حديثة، علاوةً على منافستها اللافتة في مجال تكنلوجيا وحرب المعلومات..
وهكذا وعلى قاعدة معرفتها بما تريد بنت إيران وتبني علاقاتها مع أمريكا ودول أوروبا الغربية انطلاقاً من مبدأ الندية وتكافؤ الطموحات والمشاريع إلى جانب تكافؤ المصالح؛ وبالتالي هي توسع حضورها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط بالذات، وهي على حضور كبير في دول شرق آسيا، وفي أفريقيا أيضاً، بينما المال العربي مشغول بتمويل وإثارة النزاعات والحروب في محيطه العربي؛ في الصومال واليمن، وسوريا، وليبيا، والسودان، وتونس، ولبنان، والعراق.. والفصائل الفلسطينية... والحبل على الجرار..
إيران تعرف من تخاصم وكيف تخاصم؟ ولماذا تخاصم؟؛ فهي تحسب خطواتها بدقة متناهية، ولعل طريقة تعاطيها وردها مؤخراً على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق واغتيال ثلاثة من كبار قادتها، ومن قبلهم اغتيال أمريكا قائد الحرس الثوري قاسم سليماني مع ستة من رِفاقه في محيط مطار بغداد (3 يناير 2020م) وردود أفعالها الناعمة.. كلها بيَّنت بوضوح اللعب على الطريقة الإيرانية..
وملخص القول إن إيران تلعب "كوتشينا" بحرفية عالية، وتمارس الخدع البصرية بالأوراق بين أيديها بذكاء؛ فهي تحت يافطة "غزة" ودعم محور المقاومة ورد الاعتبار للهجوم الإسرائيلي على ممثليتها في دمشق استطاعت أن توصل رسائلها لدول المنطقة وشعوبها قبل إسرائيل والغرب، وأياً كانت هذه الرسائل جادة أو مخادعة، مسرحية سمجة أو عرض فعال، لكنها تثبت أنها موجودة ومواكبة وسط صراخ عربي غبي لا يقدّم ولا يؤخّر.
|