الميثاق نت: - البيان الذي نشرته وكالة سبأ للأنباء باسم وزارتي الزراعة والمياه زاد الأمر تعقيداً وضبابيةً لدى الرأي العام الذي بات يتابع باهتمام بالغ كافة المجريات المتصلة
بالأسمدة الكيماوية وكل ما قِيل عن تأثيراتها الكارثية التي أحدثت هي الأخرى تخوفات غير مسبوقة لدى الناس وانعكس ذلك فيما يبدونه من عزوف عن شراء الخضروات والفواكه حفاظاً على الصحة ودرءاً لأي مخاطر صحية، خاصة وأن بلادنا تسجل سنوياً نمواً كبيراً في أعداد حالات الاصابة بالأمراض السرطانية..
ولا ريب أن البيان المنشور بوكالة سبأ اعتبره الكثير من المراقبين والمهتمين بالمتابعة الدقيقة لمجريات هذه المشكلة بمثابة التهوين على الرأي العام أو محاولة التحسين من وجه اطراف عناصر كان لها أن أقدمت على التعامل مع المبيدات وسمحت بإخراجها دون أي ضوابط ومعايير علمية، وذلك زاد من منسوب التخوف بصورة مسبوقة؛ كذلك خُلُو مثل هذا البيان المنشور من أية أبجديات ومتطلبات التعامل مع إصدار البيانات كالتوقيعات للقيادات العليا بالوزارتين اللتين صدر البيان باسمهما؛ علاوةً على عدم عِلْم قيادات الوزارتين بهذا البيان الذي قرأوه من خلال منصة وكالة سبأ ومثَّل لهم صدمة لطريقة إصداره بهذا الأسلوب وبمضامين كان الرأي العام يتوقع أن يشمل - أي البيان - على العديد من الإجراءات القوية والحاسمة التي من شأنها أن تضع حداً للحالة الفوضوية والارتجالية التي تسود عملية التعامل مع هذه الاسمدة المصنفة بكونها تقع على درجة عالية من الخطورة، خاصة في ظل مرحلة تتطلب معالجات ناجعة لهذه المشكلة الكارثية ووضع إجراءات قوية وحقيقية أمام أي عملية استيراد للمبيدات خاصة مع تزايد تسجيل حالات سرطانية بصورة غير مسبوقة..
لقد انتظر الرأي العام من حكومة تصريف الأعمال أن تولي هذه القضية جل اهتمامها وأن تتخذ من التوجهات والسياسات ما يكفل قيام الأجهزة المعنية بدور إداري وإشرافي ورقابي قادر على احتواء المشكلة الكارثية، حتى يتم وضع اسس وقواعد قوية وراسخة تستفيد تماماً من التجارب الناجحة لدول عدة في تعاملها مع المبيدات الزراعية وفي إطار من الآليات الكفيلة بمنع دخول هذا البلاء المستشري على ربوع الوطن في صورة لا تقل في فظاعتها عن العدوان الغاشم على الصحة العامة وفي التلوث البيئي واتخاذ الإجراءات الحاسمة والصارمة في حق كل من يتورط في هذه التجارة الخبيثة، مهما كانت صفته وموقعه أو تأثيره إزاء هذه الكارثة التي مازالت تنتظر معالجات حاسمة
هنا سنقف أمام العديد من المعلومات الكفيلة بتقديم الصورة الكاملة لهذه الكارثة التي مازالت تمثل حديث الناس، وننتظر جميعاً اتخاذ إجراءات حقيقية من قبل الحكومة تكون معبرة عن آمال اليمنيين في التخلص من هذه الآفة..
بيانات خطيرة
حيث كشفت بيانات صادرة عن المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية عن ارتفاع مخيف في الحالات السرطانية المسجلة لدى المركز سنوياً، حيث شهد العام 2015م تسجيل 4207 حالات، وارتفع العدد في العام 2022م إلى 6786 حالة، ليصل إجمالي الإصابات بالأورام السرطانية في اليمن بنهاية العام 2022م إلى 43 ألفا و735 حالة، وهي أرقام مقتصرة على الحالات المسجلة لدى مركز الأورام فقط..
وتبين الأرقام انتشار السرطان والأمراض الخبيثة بكثرة في المناطق الأكثر استخداماً للمبيدات الزراعية والأسمدة الكيماوية..
إضافة إلى المناطق التي تعرضت لقصف عنيف خلال سنوات العدوان على اليمن منذ العام 2015م..
ماذا يحدث؟!
كَـثُرَ الحديث في الآونة الأخيرة عن المبيدات الزراعية التي يتم ادخالها إلى اليمن سواء بطرق رسمية أو عبر التهريب، حتى أصبحت حاضرة في كل بيت عبر شجرة القات أو الخضروات والفواكه المزروعة وطنياً..
بعض المزارعين يلجأون لاستخدام المبيدات الخطرة بهدف سرعة انتاج محاصيلهم لا سيما مزارعي القات، وهذا يُعد السبب الرئيسي في زيادة الحالات السرطانية إضافة لحالات الفشل الكلوي وغيرها من الأمراض التي تسببها المبيدات السمية الخطرة التي وجدت مساحة مفتوحة للوصول إلى المحافظات..
بيانات وزارة الزراعة
ورغم أن قيادة وزارة الزراعة ممثلة بالوزير حريصة كل الحرص على تنظيم عملية إصدار التصاريح الخاصة بالمبيدات الزراعية ووضع آلية صارمة لإجراءات استيراد المبيدات، وإعداد موازنة سلعية تحدد الكميات والأنواع والمحاصيل المستهدفة، إلا أن هناك كَمَّاً كبيراً من التصريحات الصادرة من قِبل وكيل الوزارة لقطاع الخدمات، ويتم إصدارها بشكل عشوائي ومخالف للتوجيهات، كما أن هناك مبيدات تم التصريح بإدخالها بشكل مخالف وسبق للوزارة أن قامت بتحريزها لعدم وجود تصاريح استيراد مُسبَقة لها..
تشير البيانات الرسمية في وزارة الزراعة إلى أن كمية المبيدات التي تم التصريح باستيرادها في العام 2023م بلغت 14 مليوناً و465 ألف لتر، وهي كمية تتجاوز أضعاف ما تحتاجه اليمن من المبيدات المسموح بتداولها والمقدرة بـ4 ملايين ونصف المليون لتر، ما يعني أن الكمية التي أُدخلت اليمن خلال العام الماضي فقط، لو تم توزيعها على السكان لكان نصيب الفرد نحو نصف لتر مبيدات سامة..
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا :
لماذا يتم الإفراج عن كميات كبيرة من المبيدات السامة والمحظورة ومنتهية الصلاحية وإدخالها إلى السوق المحلية خلال الفترات الماضية رغم الخطورة الكبيرة التي تشكّلها على الزراعة وعلى المواطن وعلى البيئة بشكل عام؟!
مادة الميثيل بروميد
كشف عدد من المختصين والباحثين والمهتمين عن خطوره بعض أنواع المبيدات السمية التي يتم إدخالها إلى اليمن وخاصة عن طريق التهريب ومنها مادة الميثيل بروميد عالية السمية على حياة الإنسان، والتي يتم استخدامها كمبيد زراعي في بلادنا رغم أن وزارة الزراعة أكدت على منع استخدامها ووضعت العديد من الضوابط وطرق استخدام المبيدات الزراعية..
استخدام مادة الميثيل بروميد عالية السمية لها خطورة كبيرة حيث تتسبب في خلل وتلف في أنسجة الجهاز العصبي المركزي والجهاز التنفسي (تلف الرئتين) وأنسجة العينين وأنواع مختلفة من السرطانات الخبيثة، إضافة إلى أضرار كبيرة على البيئة..
وأشاروا إلى أن السماح بإدخال المبيدات التي تحتوي على هذه المادة يُعد جريمة لا يمكن السكوت عليها نتيجة الاضرار الكارثية التي تحدثه على المزارعين وعلى المواطنين وعلى البيئة نفسها، وسبق لمركز الاورام السرطانية ان حدد مثل هذه المادة كسبب من اسباب زيادة اعداد حالات الاصابة بالسرطان..
وأكدوا أن العديد من دول العالم توقفت عن استخدام هذه المادة وتم استبدالها بمواد أخرى آمنة ومن لا تزال تستخدمه من الدول وضعت استخدامه تحت قيود صارمة وتعليمات تشرف عليها الجهات الرسمية..
وأكدوا أن المزارعين في اليمن ما زالوا يستخدمونها بشكل عشوائي دون أي رقابة تُذكر من الجهات المختصة..
وطالبوا حكومة تصريف الأعمال بسحب ومصادرة ما تم السماح بإدخاله مؤخراً من المبيدات السمية الخطرة وإعادتها إلى بلد المنشأ، ومحاسبة من وجه بإدخالها، وتشديد الإجراءات الرقابية والحد من إصدار التصاريح الممنوحة لتجار المبيدات ووضع قوائم بالمواد المسموح بإدخالها لليمن..
ونوهوا إلى أن العملية التوعوية لها كبير الأهمية سواء بين المزارعين أو المواطنين؛ وطالبوا بهذا الخصوص بزيادة البرامج التوعوية والنزول الميداني إلى المناطق الزراعية لتوعية المزارعين بعدم استخدام المبيدات السمية والمسرطنة لما لها من أضرار على صحتهم وابنائهم وعلى اراضيهم وعلى البيئه بشكل عام..
من جهة ثانية لفتت قضية المبيدات السمية الخطرة -التى تم الإفراج عنها والسماح بإدخالها مؤخراً- إلى موضوع آخر أكثر أهمية وهو تخزين المبيدات السمية وغيرها من قِبل تجار المبيدات في مخازن تتواجد باحياء سكنية..
واشاروا إلى ضرورة نقلها بعيداً عن الأحياء السكنية كون بقائها يهدد سكانها بمخاطر صحية كارثية..
خلاصة..
إن العملية الإدارية المعنية بمواجهة المبيدات السمية الضارة تتطلب تحقيق التناغم الكامل من قبل مختلف القيادات بحيث يعمل الجميع في تناغم يقود إلى تحقيق الأهداف المنشودة لصالح الشعب والتخفيف من معاناته..
ولعل أبرز ما يساعد على اختراق تجار الآفات السمية ومن يقف معهم هو عدم وجود حالة التناغم إضافة إلى وجود قيادات تتصرف من نفسها، بعيداً عن القانون واللوائح المنظمة، وهي تصرفات تُحدِث اختلالاً كبيراً بالمنظومة الإدارية، وتعمل على تحويلها إلى نشاط فوضوي، الخاسر فيه الوطن والشعب.. وبات اليمنيون - نتيجة هذه السميات - يدفعون الملايين من العملة الصعبة للعلاج بالخارج وخاصة مرضى الأورام السرطانية والتي تجعل بلادنا من أوائل الدول الأكثر خطورة على هذا الصعيد، بالإضافة إلى ما تخسره الزراعة من سمعة على الصعيد الاقليمي وهو ما قد يؤدي إلى تصنيف المنتجات الزراعية اليمنية في قائمة الخطورة، وهذا إذا تم فسيكون كارثة أخرى على الاقتصاد اليمني..
وبالنظر إلى هذه المخاطر وغيرها فإن الحكومة مطالبة بضبط اداء وايقاع مسئوليها في الجهات المعنية وأن استمرار مثل هذه القيادات غير المنضبطة من شأنه أن يمثل اعتداءً على الشعب وتفريطاً في تحقيق السلامة العامة..
كما أن حديث وسائل إعلامية عن وجود توجهات لإيجاد مصنع للأسمدة السامة وإنشائه في بلادنا سيمثل هو الآخر كارثة حقيقية، خاصة في ظل حالة الفوضى التي ما زالت تعشعش على عملية التعامل مع المبيدات السمية.
|