بقلم/الفريق دكتور/ قاسم محمد لبوزة - الاحتفاء بذكرى الوحدة اليمنية المباركة، احتفاء بمناسبة استثنائية تحتل مكانة كبيرة في وجدان وقلب الإنسان اليمني بصورة عامة، والمناضلين والأحرار بصورة خاصة، أولئك الأبطال الذين ظلوا لعقود طويلة يناضلون من أجل تحقيق هذا الهدف الأسمى الذي وضعوه نصب أعينهم منذ اللحظات الأولى لانتصار الثورة اليمنية "26 سبتمبر و14 أكتوبر"..
وبالتالي فنحن أمام استحقاق وطني وتاريخي يُعد نتاجاً لإرادة شعبية وتضحيات قدّمها الشعب اليمني في سبيل تحقيق هذا الحلم الذي تحقق في 22 مايو 1990م، في لحظة تاريخية فارقة..
لقد مرت 34 عاماً منذ استعاد شعبنا وحدته المباركة، وهي فترة ليست بالقصيرة أو الهينة، تخللتها إرهاصات وتحديات كثيرة في عمر الوحدة، رافقتها حزمة من الإنجازات والتحولات وحتى التعقيدات التي ألقت بظلالها الكثيفة على مجمل التفاعلات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية في البلاد منذ ذلك التاريخ وحتى الآن..
لكن مع ذلك كله ظلت الوحدة اليمنية في خضم كل هذه التحولات الثابت الوحيد الذي لم يتزعزع عند اليمنيين، والمنجز العظيم الذي سيظل اليمنيون يفخرون دوماً بأنهم حققوه ودافعوا عنه وحافظوا عليه..
واليوم من جديد يعيدنا العدوان على بلدنا -سواء عدوان التحالف بعباءته العربية للأسف الذي أطل علينا بصلفه منذ مطلع العام 2015م، أو العدوان الجديد الذي تولى كِبره بشكل ظاهر وفاضح الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل- يعيدنا هذا العدوان إلى زمن التشرذم والفرقة ووضع التعقيدات الكثيرة أمام قضية الوحدة اليمنية ومراكمة المضاعفات السياسية والنفسية والاجتماعية الناتجة عن المؤامرات التي يخطط لها تحالف العدوان، وتتكشف يوماً بعد يوم، ضد وحدة الشعب اليمني شماله وجنوبه لتفكيكه إلى دويلات و كانتونات متناحرة..
ويتبدى ذلك من خلال العديد من المؤامرات في السر والعلن التي تستهدف الوحدة اليمنية، وهو المشروع الصهيوني الأميركي الغربي الذي تدعمه بعض دول مجلس التعاون الخليجي للأسف
و الذي يريد تفتيت اللحمة اليمنية، وإعادتنا إلى التشطير وهو مشروع قديم جديد بدأوا به في عام 1994م"..
غير أن صنعاء وهي مصدر الإباء والعِزة والكرامة رفضت المشروع الأميركي منذ بدايته بل واجهت هذا المشروع طيلة 10 سنوات وستستمر كما هو حاصل اليوم مع معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس لنصرة غزة وقضية الأمة المركزية فلسطين من خلال المواجهة المباشرة مع الأمريكان والبريطانيين وكيان الاحتلال الصهيوني سواء في البحر أو في عقر دار الاحتلال الصهيوني..
وهذا التوجه العروبي الأخلاقي والإنساني تجاه فلسطين لاشك أنه يعزز قضية الوحدة اليمنية التي لا ينبغي لها أن تكون محل اختلافٍ أو نزاعٍ، بل يجب أن تبقى أكبر من كل الأشخاص والأحزاب، وأكبر من كل الاختلافات والنزاعات، وأن لانحملها أخطاء البشر، لأن تاريخ الـ22 من أيار/مايو يذكّر الجميع بطريق العبور الآمن وطوق النجاة الوحيد، ممثَّلَين بالوحدة والألفة والإخاء، ولأن الوحدة قدر مستقر في أعماق الشعوب، وصوت لا يغادر وجدان الأمة مهما كان حجم الاختلاف بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة..
ولا يخفى على كل لبيب وفقاً للمعطيات السالفة أن المشروع التشطيري وهو المشروع القديم الجديد، يجعلنا أمام يقين ثابت واطمئنان كبير بأن جماهير شعبنا ستقاوم هذا المشروع الغربي الصهيوني، والمعطيات الماثلة التي تؤكد ذلك كثيرة سواء في موقف صنعاء المتقدم تجاه فلسطين وعربدة التحالف الأمريكي البريطاني الغربي في البحر الأحمر وكسر غطرسته، وكذا المواقف الشعبية الحرة المقاوِمة للتفتيت في المحافظات الجنوبية والشرقية التي تنتفض بين الوقت والآخر ضد ميليشيات الاحتلال وتكبح مشاريعه التآمرية الهادفة إلى تدمير النسيج الاجتماعي وخلق حالة من التناحر والصراعات بين أبناء الوطن الواحد ظناً منها أنها تُضعف ثقافة الوحدة في وعي الناس وتطلعاتهم الكبيرة تجاه يمن واحد موحد..
لكنه عشم إبليس في الجنة، لأن الفترة الماضية وما لاقاه الناس ويلاقونه يومياً من قهر وظلم وتعسُّف من قِبل تحالف العدوان ومرتزقته جعلهم يتشبثون أكثر بالوحدة كملاذ وطريق عبور إلى يمن آمن ومستقر سيلفظ كل من يحاول المساس بالوحدة إلى مزبلة التاريخ..
وحتى نكون منصفين علينا جميعاً النظر بتجرد إلى الآثار الإيجابية المتعددة التي حملتها الوحدة اليمنية لكل أبناء الوطن، وفي المقدمة إنهاء الصراعات الدامية البينية، وترسيخ الاستقرار، لاسيما فيما كان يُعرف بمناطق التماس، وتعزيز مكانة اليمن إقليمياً ودولياً..
وهذا يدعو كل اليمنيين إلى الوقوف بصلابة أمام ما يتعرض له اليمن من مؤامرة كونية لتفكيكه وتمزيقه وقد بدت ملامحها واضحة من خلال المشاريع التفتيتية التي تتبناها دول العدوان في المحافظات الجنوبية والشرقية التي وطأتها أقدام الغزو والاحتلال والتي تعتبر نتيجة طبيعية لسياسة العدوان ونتيجة حتمية لأهدافه الدنيئة التي حشد من أجلها العالم لفرضها بالقوة بعد أن فشل في فرضها عن طريق عملائه الذين كانوا يتحركون لتنفيذ أهداف العدوان من مواقعهم في السلطة ثم غادروا ليركبوا على ظهور آليات العدوان لفرضها بالقوة..
وهي دعوة مخلصة لإخواننا في المحافظات الجنوبية والشرقية للمزيد من اليقظة والحذر وعدم التماهي مع مشاريع المحتل الذي يدأب على تفريغ الجنوب من رجاله للزج بهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا بعير، إنما تخدم أهداف العدوان وتهيئ جنوبنا الغالي ليكون ساحة اقتتال مستمر، ومن يظن أن تلك الدول التي بذلت كل ما بوسعها لاحتلال بعض المحافظات وخسرت من أجل ذلك المال والرجال أنهم جاءوا ليقدموا خدماتهم المجانية لطرف ما في هذا الشعب فقد سُلب وعيه وتفكيره..
وعليهم أيضاً إعادة التفكير بإمعان في تلك الوعود التي تشدَّق بها الاحتلال الإماراتي بتحويل عدن إلى جنة في الاستقرار والأمن وقد ذهبت أدراج الرياح بمجرد ما ترسخت أقدام الاحتلال في المحافظات الجنوبية والشرقية وبدأت ملامح تلك المشاريع التمزيقية تتضح لكل ذي لُبّ، وما يحصل الآن هو نموذج واضح لتلك المشاريع..
وأمام ما يحصل لليمن إنه لمن المؤسف للغاية، أن نرى الأمم الأخرى تسابق الزمن في سبيل القفز إلى الأعلى مع كل تحول وامتلاك كل السبل التي تمكنها من الوصول إلى أسباب التأثير والفاعلية ولعب أدوار مهمة في الخارطة العالمية ..
في حين نرى أمتنا في كل مرحلة وعند كل تحول تقفزُ إلى الأسفل وتتردى في قعر الهوان والتفكك، وفي مرحلة عصيبة من تاريخ أمتنا تقتضي مِنّا جميعاً التسامي على الجراح ورص الصفوف ووقف التباينات والمكايدات والصراعات، واستعادة كلِّ معاني الوحدة.. يؤسفنَا أننا ما زلنا نرى أخوة عرباً لاهَمَّ لهم إلا كيف يُفتتون ويُمزقون وحدة اليمن الميمون، وكيف يتفننون في حصار وتجويع شعبه المظلوم..
وفي هذه المرحلة المفصلية يتابع المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه بنظرة ثاقبة ومسئولية كبيرة مختلف التطورات والتحركات الداخلية والخارجية التي تشهدها البلاد، ويدعو في الوقت ذاته مختلف القوى الوطنية وفي مقدمتها القوى المناهضة للعدوان الى استشعار حجم المؤامرات والأجندة الخارجية التي تستهدف اليمن أرضاً وإنساناً، وبالتالي العمل على تقوية وتماسك الجبهة الداخلية وبشكل اقوى من أي وقت مضى..
لهذا حرص المؤتمر الشعبي العام منذ البداية على تعزيز تحالفه مع الأخوة في أنصار الله لمواجهة العدوان على اليمن وتأييده المطلق لتحرك صنعاء وهي تواجه صلف وغطرسة الاحتلال الصهيوني تجاه غزة..
وهذا كله يؤكد صوابية مواقف المؤتمر تجاه القضايا الوطنية وقضية الأمة المركزية فلسطين وإيمانه الكبير بأن وحدة وتماسك القوى الوطنية هي الوسيلة الوحيدة اليوم لمواجهة مخططات المحتلين الجدد وإفشال مؤامراتهم وإيقاف مساعي المتعاونين والواقفين معهم من أبناء جلدتنا اليمنيين الذين يعتقدون أنهم بخدمتهم للعدوان وللقوى الخارجية قادرون على تحقيق مشاريعهم الصغيرة، ومصالحهم الحزبية، أو القروية أو الشخصية الضيقة والأنانية، غير مستوعبين أنهم أول من سيكتوي بنيران التشظّي والنسيج الاجتماعي الممزق والسلم الاجتماعي المدمر..
لذلك.. فمسئوليتنا تجاه الوطن تتعاظم أكثر وأكثر، فمسئوليتنا تدفعنا لتلافي الأخطاء والاستفادة من الدروس والعِبر التي مرت بنا لنتمكن من بناء وطن يجمعنا بعناوين الحب والتسامح والشراكة، وعلى قاعدة الوحدة اليمنية والتوجه الجاد والمسئول لوضع المعالجات التي تنهي كل الإشكالات والتهميش، وتحقق المساواة وتقود إلى الانتصار لوطننا الواحد الكبير بكل الصدق والمسئولية..
ودوماً يسعى المؤتمر الشعبي العام كمؤسسة وطنية كبيرة نحو التوجه الذي يعزز قِيَم الوحدة اليمنية والتوحد والإعلاء من ثقافة الوحدة فكراً وثقافةً، والتذكير بتاريخ نضال اليمنيين في سبيل إعادة تحقيق وحدة اليمن، وأن نرمي كل صور وأشكال الأحقاد والكراهية في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها..
كما يعمل على جعل الوحدة عنواناً ومساراً لإنهاء كل المؤامرات المحيطة بنا والهادفة إلى تفكيك بلادنا وتمزيقها، والسعى بكل الصدق لجمع وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، والبدء بمرحلة وطنية وحدوية جديدة تحقق السلام وتتوجه نحو ردم كل صور وأشكال الخلافات والتباينات السياسية القائمة وتقودنا جميعاً لبناء الوطن الذي نحلم به..
وأخيراً.. نحن على يقين بأن الشعب اليمني الذي قدّم التضحيات الجِسام للانتصار لخياراته الوطنية وقضاياه المصيرية، لن يرضى إلا بأن يرى وطنه حراً كريماً موحداً معافى من كافة الثقافات الفرعية الهدامة والمدمرة لنسيجه الاجتماعي ولوحدته الوطنية..
|