د. عبدالعزيز محمد الشعيبي - أولاً: واقع الوحدة اليمنية اليوم
الوحدة اليمنية التي تحققت في العام 1990م كأعظم منجز تاريخي يتحقق لليمن، أصبحت اليوم قضية معقدة وحساسة تواجه تحديات كبرى في الوقت الحالي.. منذ بداية الأزمة السياسية في عام 2011م وخصوصاً منذ اندلاع العدوان الغاشم على اليمن في العام 2015م، تعرضت اليمن لانقسامات وصراعات سياسية وعسكرية مستمرة، بفعل ذلك العدوان المستمر على اليمن حتى هذه اللحظة..
تحديات واقع الوحدة اليمنية تتضمن عدة جوانب، بما في ذلك الصراعات السياسية الداخلية، التوترات الإقليمية، التحديات الاقتصادية الخطيرة، وتدهور الوضع الإنساني..
هذه التحديات تؤثر على الاستقرار الشامل والاستقرار الوطني، وتعرقل جهود بناء مستقبل مستديم ومزدهر لليمن..
إضافة إلى ذلك، اليمن يواجه تحديات أمنية متعددة، بما في ذلك تنامي التهديدات الداخلية والخارجية ، والتهديدات الاقتصادية الخطيرة، وانتشار الأسلحة، والصراعات المسلحة المستمرة في بعض المناطق، وعبث الأجنبي بالمقدرات الوطنية، هذه التحديات تعيق أي جهود للتسوية وتعزيز الاستقرار في البلاد..
من الواضح أن واقع الوحدة اليمنية ينبئ بوجود تحدٍّ هائل، ولكن على الرغم من ذلك، لا تزال هناك آمال وفرص للتوصل إلى حل سياسي يعزز الاستقرار والوحدة الوطنية.. ويجب أن تكون هناك جهود مستمرة ومتكاملة من جميع الأطراف المعنية داخل اليمن وعلى المستوى الإقليمي والدولي للتوصل إلى حل سياسي يحقق تطلعات الشعب اليمني ويعيد الاستقرار والسلام إلى البلاد..
الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لم ولن تكون عند المستوى المطلوب للتوسط وتسهيل الحوار والمفاوضات بين الأطراف اليمنية المختلفة مالم تلعب دوراً حاسماً في تحقيق تسوية سلمية ودائمة، ولذلك ينبغي التعويل على القوى الوطنية المخلصة الصادقة في الوصول إلى حل لكثير من المشكلات التي تعاني منها البلاد والتوصل إلى حلول منطقية تلبي هذه المصالح الوطنية، كما ينبغي أيضاً التركيز على الجوانب الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة، بما في ذلك تلبية احتياجات السكان وتحسين الوضع الإنساني المأساوي..
ولابد أن يكون هناك التزام قوي من جميع الأطراف للعمل معاً من أجل الوحدة والاستقرار اليمني..
إن إرادة الشعب اليمني والتضحيات التي قُدمت تستحق السلام والاستقرار والرخاء، ويجب أن تكون محور جميع الجهود من أجل إيجاد حل سياسي شامل ومستديم لأزمة اليمن..
ثانياً : دور القوى اليمنية للحفاظ على الوحدة اليمنية
للحفاظ على الوحدة اليمنية، ينبغي على القوى اليمنية اتخاذ عدة إجراءات والتعاون في عدة مجالات منها بعض الخطوات المهمة التي يمكن اتخاذها:
1. تعزيز الحوار السياسي: يجب أن تلتزم جميع الأطراف السياسية في اليمن بالمشاركة في حوار صادق وبنُّاء لحل الخلافات والنزاعات السياسية، كما يجب أن يتم توفير منصات للحوار والتفاوض للوصول إلى اتفاقات وطنية شاملة تعزز الوحدة والاستقرار.
2. التعاون الاقتصادي والتنموي: يجب أن تعمل القوى اليمنية على تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين جميع المحافظات والمناطق؛ وينبغي توجيه الجهود نحو تنمية البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين في جميع أنحاء البلاد، وتذليل العقبات المتمثلة في وجود الحواجز الأمنية غير المعقولة، وفتح الطرقات، وتوحيد البنك المركزي، وفتح الموانئ والمطارات، كأبسط حق من حقوق الشعب اليمني للعيش الكريم..
3. مكافحة الفساد: يجب أن تكون مكافحة الفساد إحدى الأولويات الرئيسية للقوى اليمنية، ويجب ضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد الوطنية وتوزيعها بطريقة عادلة وفعالة، وينبغي تعزيز نظام العدالة وتحقيق المساءلة، وإيجاد مؤسسات قوية فاعلة ومؤثرة في واقع حياة الشعب اليمني، والترفع عن الصغائر والمكايدات السياسية، والعمل بضمير مخلص وأمين لا يُرجى به إلا وجه الله سبحانه وتعالى وتحقيق المصلحة الوطنية العليا..
4. التركيز على القضايا الإنسانية: ينبغي أن تولي القوى اليمنية اهتماماً كبيراً للأوضاع الإنسانية في البلاد.. توفير المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاعات وتحسين الوضع الصحي والتعليمي وتوفير الحماية للأطفال والنساء والفئات الضعيفة..
5. تعزيز الوعي الوطني: يجب أن يعمل القادة اليمنيون على تعزيز الوعي الوطني والانتماء للوحدة اليمنية، كما ينبغي تشجيع التعليم والتعلم والتثقيف والتواصل البنَّاء لتعزيز الوحدة والاندماج الوطني..
6. التعاون الإقليمي والدولي: وهو واحد من الجوانب المهمة والذي يحمل في طياته أهمية كبرى نحو استقرار الوحدة وتثبيتها ألا وهي بناء علاقات قوية مع الدول الإقليمية والدولية والمنظمات الإقليمية والدولية، في اطار الحفاظ على السيادة الوطنيه وعدم التدخل في سيادة الدول الأخرى..
هذه الخطوات هي بعض الإجراءات العامة التي يمكن اتخاذها للحفاظ على وحدة اليمن، ومع ذلك يجب أن يكون هناك تفاعل وتكيف مستمر مع التحديات المحددة التي تواجه البلاد، ويجب أن تتعاون جميع القوى اليمنية وتعمل بروح التضامن والمصلحة الوطنية المشتركة للتغلب على التحديات وبناء مستقبل مستديم لليمن..
ثالثاً: الوحدة اليمنية عامل أمن واستقرار للمنطقة
يمثل اليمن عاملاً قوياً ومهماً للأمن والاستقرار ليس على مستوى اليمن فحسب ولكن على مستوى المنطقة بشكل عام خصوصاً إذا ما عرفنا أن بلادنا تمتلك مقومات كبيرة متمثلة في السكان والأرض والموارد الطبيعية والخبرة الكبيرة وهي عوامل تشكل كلها عاملاً مساعداً في التغلب على كثير من المشكلات والقضايا الطارئة والمستعصية والتي كان لليمن دور بارز فيها بما يمتلكه من هذه الخبرة والمقومات الكثيرة الكامنة فيه..
يمكن للوحدة اليمنية أن تكون عاملاً للأمن والاستقرار في المنطقة عن طريق اتخاذ عدة إجراءات والتعاون مع الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية والدولية، وهذه بعض النقاط التي يمكن تحقيقها:
1. مكافحة الإرهاب والتطرف: ينبغي أن تكون اليمن شريكاً فعالاً في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة، وقد أثبتت التجربة أن الجمهورية اليمنية بقيادة المجلس السياسي الأعلى استطاعت وبما لا يدع مجالاً للشك القضاء على الإرهاب في كل المناطق المسيطر عليها ،ولهذا يجب تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات والخبرات مع الدول الجارة والمنظمات الإقليمية والدولية لمواجهة هذه التحديات المشتركة..
2. الحلول السياسية للنزاعات: وهنا يمكن القول إنه من الضرورة بمكان اجتماع الأطراف اليمنية المختلفة بإرادة حقيقية وصادقة ودون التدخل أو الإملاءات من قِبل الأطراف الخارجية على تعزيز الحوار والتفاوض لحل النزاعات والمشكلات القائمة، وكذلك المساهمة في التوصل إلى حل للمشكلات الإقليمية المشتعلة في المنطقة، ويمكن أن تلعب اليمن دوراً إيجابياً في التوسط والتسهيل بين الأطراف المتنازعة وتعزيز الحلول السياسية المستديمة والمنصفة..
3. التعاون الاقتصادي والتجاري: يمكن لليمن أن تعزز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول المجاورة والمنطقة بشكل عام، بأن تصبح مركزاً للتجارة والاستثمار وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية المختلفة، مثل الزراعة والصناعة والنقل والطاقة..
4. تعزيز التعاون الثقافي والتعليمي: وهي خطوة في غاية الأهمية إذ أنه يمكن لليمن أن يعزز التعاون الثقافي والتعليمي مع الدول الجارة والمنطقة، بحيث يمكن تبادل الخبرات والمعرفة في مجالات الثقافة والتعليم والعلوم والفنون، وهذا يعزز التفاهم والتقارب بين الشعوب ويساهم في بناء جسور التواصل والتعاون المستديم..
5. الالتزام بمبدأ السيادة وحقوق الإنسان والعدالة: وهذه القضية يجب أن تقوم بها الأطراف المختلفة في المنطقة في جميعها إذ أن هذا الموضوع في غاية الحساسية وأن أي تدخل مهما كان محدوداً أو بسيطاً فإنه يؤثر في واقع الحياة الدولية بتأثيره على العلاقات الدولية بين هذه الدول سواء أكانت المجاورة أو غيرها خصوصاً أننا نعلم اليوم أن هناك بعض الدول العربية التي شاركت وتشارك العدو في القضاء على كثير من الروابط والقِيَم الوطنية والأخلاقية ولذلك فإن هذا المبدأ هو من الضرورة بمكان بحيث أن تعزيزه لا يمكن أن يتم من طرف واحد بل من كل الأطراف ولا يستقيم الحال إلا بوجود دول ذات سيادة وليس منقوصة السيادة للوصول إلى الأمن والاستقرار الكامل في المنطقة..
6. التعاون الإنساني: . لأن الفترة الماضية كانت ممتدة بحيث أن العدوان لم يقتصر على توجيه أهدافه ناحية قضايا بحد ذاتها لكنه استهدف الانسان والحيوان والشجر والجماد بشكل مستفز وبأسلوب لم يعرفه التاريخ؛ وما أحوجنا اليوم إلى ترميم كثير من العلاقات الإنسانية التي ساهم العدوان في هدمها والقضاء عليها وبالتالي فإن الجهود الإنسانية كواجب يقع على عاتق الدول المعتدية في إصلاح وجبر الضرر الذي وقع على اليمنيين..
هذه بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لكي تكون الوحدة اليمنية عاملاً مهماً من عوامل الأمن والاستقرار في المنطقة، ولابد أن يتم تنفيذ هذه الخطوات بروح التعاون والشراكة مع الدول الأخرى في المنطقة والمجتمع الدولي بشكل عام. |