يحيى العراسي - نعم.. 34 عاماً من عمر اليمن الجديد بتاريخه المجيد بعد نضالات مريرة وتضحيات جسيمة، ربما لأجيال عِدة عندما لاح بارق الأمل وحان الوقت للتحرك الجاد بعد تهيئة المناخات واستواء الظروف لتحقيق أحد اه2م أهداف الثورة اليمنية "26 سبتمبر و14 أكتوبر"، واشرأبت الأعناق بحماس ليس له حدود وآمال تطاول الجبال وعزيمة صادقة لا تلين، وفي مستهل فجر جديد يهل على اليمن بعد فراق طويل شابَهُ الكثير من المعطيات بشتى أنواعها وأشكالها وعلى مختلف المستويات ووفقاً للظروف المرحلية والتجاذبات الدولية ومعتقدات أيديولوجية وسياسية بكل تقلباتها وبعد تطورات إقليمية ودولية جديدة وتبدل وسقوط الكثير من الكتل والتحالفات الدولية وفي مقدمة ذلك تهاوي الاتحاد السوفييتي الذي كان الأساس في ثنائية التوازن الدولي وتحطم سور برلين في إطار المتغيرات والثورات الدراماتيكية العميقة ما أدى إلى مؤثرات بأبعاد مختلفة، ذلك على الصعيد الدولي العالمي.. أما على الصعيد الداخلي اليمني فكانت أحداث 13 يناير 1986م بكل آثارها الكارثية وما ألحقته من شرخ في البناء التنظيمي للدولة والحزب في الجنوب ما هشم الصورة بشكل سلبي مهول وتضعضع الحزب والدولة نتيجة ذلك الدمار الهائل والخسائر الكبيرة على مختلف المستويات خصوصاً من كوادر الدولة والحزب حيث قُتل قرابة 60 شخصية سياسية وحزبية وإدارية من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية خلال يومين اثنين؛ كما كانت الخسائر البشرية من مختلف القوى بمعدل الفين يومياً خلال سير تلك الأحداث المؤلمة، وذلك ما ترك ندوباً فظيعة وخسائر مروعة كان لها أثر سلبي هائل وعميق يعاني منه اليمن حتى اليوم، وقد فر نتيجة تلك الأحداث عشرات الآلاف من ألوية الجيش والكوادر الأمنية والإدارية وكل من كان في نظام علي ناصر محمد إلى صنعاء وهم الذين أُطلق عليهم بالزمرة..
بعد تلك الأحداث المؤسفة وصل وفد من عدن بعد أقل من شهرين وتحديداً بعد أربعين يوماً إلى صنعاء برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية صالح منصر السييلي بغرض الالتقاء ببعض القيادات والكوادر الكبيرة التي فرت خلال الأحداث إلى صنعاء، بالإضافة إلى نقل بعض مؤثرات تلك الأحداث وجس النبض عما لدى صنعاء من تصورات وأفكار، وفي اللقاء الذي تم وكنتُ المندوب الصحفي للتغطية بمجرد ما رآني السييلي ومعي الزملاء المصورين نهض من كرسيه وطلب من الأستاذ يحيى العرشي - الذي كان يرأس الجلسة - عدم نشر الأخبار أو التعاطي الإعلامي في هذا الموضوع ولكن الأستاذ يحيى العرشي أصر على حضوري هذا اللقاء..
جرى نقاش بين السييلي والأستاذ عبدالله أحمد غانم عن المجموعة الذين فروا إلى صنعاء..
قال السييلي لغانم :لماذا فريتوا من عدن؟ يمكنكم العودة الآن..
رد عبدالله غانم :كيف نعود إلى عدن ونحن نعلم أنكم سوف تصفونا تحت حوادث مرورية أو على الساحل والبحر، وكيف قتلتوا الطيار فارس بالمنشار..
انتهى اللقاء دون أي نتائج، والزيارة الثانية من الشطر الجنوبي سابقاً كانت للأستاذ علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي في شهر مايو عام 1988م وجاء هو الآخر معاتباً ومتأسفاً لعدم حدوث تقارب وتفاهمات واتصالات منذ الأحداث المشؤومة، وجرى نقاش مستفيض مع الرئيس علي عبد الله صالح حول مختلف الجوانب الرامية إلى إحداث تقارب وبما يخدم الآمال والتطلعات الجماهيرية اليمنية صوب إعادة تحقيق وحدة الوطن، وتم الاتفاق حينها على إمكانية تنقل المواطنين بين الشطرين بالبطاقة الشخصية دون قيود أو موانع، كما تم الاتفاق على مواصلة تبادل وجهات النظر وبما يحقق المصالح والمنافع المشتركة بين الشطرين..
وفي لحظات غامرة بالسعادة والاشتياق وبآمال كبيرة وطموحات عظيمة تحرك موكب رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح من صنعاء إلى ذمار ثم إلى إب وإلى تعز ومن ثم الوصول إلى عدن في نهاية شهر نوفمبر 1989م، وكان الاستقبال رهيباً جداً حيث امتلأت الطرقات والشوارع بالجماهير بصورة عبرت عن لهفة الشوق لليوم الموعود فيما كانت الهتافات تملأ الأرجاء..
كان الصحفيون يتوافدون جماعات وفُرادى للمقابلة وأخذ التصريحات حول الأهداف المرتجاة وتحقيق الطموحات واستحقاقات الوحدة اليمنية..
فيما يخص الأخوة في عدن كان هناك شبه تحفظات من البداية وعدم البوح عن أي حديث أو تفاصيل، ما دفعني أنا يحيى العراسي إلى التقدم إلى البيض والإصرار على أخذ تصريح، وذلك كان له صدى كبير على مستوى الوطن كله ولو كانت إجاباته مبتسرة فور علمنا للتو أن هناك ثلاثة اتجاهات في مواجهة هذا الموقف الحاسم.. اتجاه لا يريد الوحدة بهذا الظرف ويمثله حيدر أبو بكر العطاس وصالح السييلي وقد سعيا إلى الحد من التفاؤل وحرارة الاستقبال..
وطرف آخر يمثل اتجاه الوحدة خطوة خطوة وهيئة هيئة ووزارة وزارة، حضرتُ جانباً مما دار مع هذا الاتجاه، كان يرأسه الفقيد المرحوم احمد الحبيشي..
سمعتُ وأنا أتحدث إلى بن حسينون وهو من المقربين للبيض القول إنه لو خرج علي عبدالله صالح بدون أي اتفاق فسيرجمونا الناس بالحجارة في الشوارع والطرقات.. على ذلك ظل الوضع مذبذباً يومين إلى ثلاثة أيام إلى أن جاءت مفاجأة الأستاذ علي سالم البيض بطلب الوحدة الاندماجية بعد تشاور في اللحظات الأخيرة مع الرئيس علي صالح في نفق القلوعة..
للحديث بقية وتفاصيل في العدد القادم |