أ. أحمد الكحلاني - في 22 مايو 1990م، وفي ساحة القصر المدور في عدن تم رفع علم الجمهورية اليمنية بحضور الرئيس علي عبدالله صالح رئيس ما كان يُسمى بالجمهورية العربية اليمنية والذي أصبح بعد ذلك رئيس الجمهورية؛ والرئيس علي سالم البيض رئيس ما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والذي أصبح بعد ذلك نائباً للرئيس في الجمهورية اليمنية الجديدة؛ وحضور كل كبار رجال الدولة في الدولتين والأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع اليمني وكبار مشائخ اليمن والشخصيات الاجتماعية في الشمال والجنوب، في جو مهيب وفرح عارم عمَّ كل الشارع اليمني، وأقيمت الاحتفالات والمهرجانات في الداخل والخارج وخصوصاً في السفارات والجاليات.. وكل يمني في الداخل والخارج حرص على أن يحضر ويشارك فيها؛ إلى جانب أن كل أسرة يمنية احتفلت بهذه الفرحة بطريقتها الخاصة، وخصوصاً تلك الأسر التي عانت من ألم الفرقة والتشطير.. كثير من اليمنيين الجنوبيين كانوا يحلمون بزيارة صنعاء والحديدة وتعز؛ وكذلك كثير من اليمنيين الشماليين كانوا يحلمون بزيارة عدن والمكلا وعتق وسيئون..
كانت الحيرة والحسرة تسكن نفوس اليمنيين عندما كانوا يسافرون إلى كل دول العالم خصوصاً في الشمال ولكن لا يستطيعون زيارة أهلهم وذويهم في عدن أو تريم، والعكس..
إنها آلام وأحزان.. وأنا واحد من هؤلاء كنت أتساءل كيف لي أن أسافر إلى عدة دول ولا أزور جزءاً من بلدي..
ولقد كانت الفرحة عند الجنوبيين أكبر لأنهم كانوا يتغنون وينشدون بالوحدة في كل مناسباتهم الرسمية والشعبية حتى أصبحت شعارهم الأول، ولم يكن شعاراً من باب المزايدة أو السياسة، وإنما كانوا يقولونها بصدق..
وصار يوم 22 مايو عيد الأعياد الوطنية بعد عيدى ثورتي سبتمبر وأكتوبر.. كانت السنة الأولى لإعادة تحقيق الوحدة كلها أعياد وفرح وتبادل زيارات على مستوى كل المحافظات في الشمال والجنوب.. وكم سمعنا من القصص الجميلة عندما كانت بعض الأسر الشمالية تزور عدن ولا يجدون سكناً بسبب أن كل الفنادق ممتلئة وسعتها محدودة؛ وكان بعضهم يضطر للذهاب للساحل، ولكن ما ان يقضون فيه وقتاً قصيراً حتى يأتيهم أحد المواطنين العدنيين فيدعوهم إلى بيته المتواضع ويضطر لجمع أسرته في غرفة ويفرغ الغرفة الأخرى لضيوفه القادمين من الشمال.. إنه قمة الكرم والإيثار وتوحد القلوب قبل توحد الوطن..
ولكن وبكل أسف وحسرة يا فرحة ما تمت، ما أن بدأت الأزمة السياسية (دون الدخول في تفاصيلها) تلقي بظلالها إلا وبدأت تنعكس على الوضع العام، لكن أسوأ ما في تلك الأزمة أنه تم التحريض والشحن ورمي كل الأخطاء على الوحدة وشيطنتها وخصوصاً بعد حرب 1994م..
لم تكن الوحدة هي المسئولة عن تلك الأخطاء، ربما الخطأ حصل في إدارة الوحدة، بعضها بسبب تصرفات غير مسئولة من بعض المسئولين لم تكن توجه ولا بتوجيهات بعضها بسبب أحداث الماضي الذي ظل البعض مشدودين اليه، وكانوا بعد الوحدة يشغلون مناصب عليا في الدولة الجديدة، ومواقف البعض الآخر كانت نتاج ردود أفعال إزاء الاغتيالات أو محاولة اغتيال بعض الشخصيات.. والأخطاء لم تحصل من طرف واحد بل هي أخطاء مشتركة من كل الأطراف، ولا نبرّئ أي طرف منها..
الآن إذا وقفنا لحظة تقييم ماذا تحقق من ذلك الشحن وتلك التعبئة التي حمَّلت الوحدة كل صغيرة وكبيرة، حتى الخلاف الشخصي على مستوى الأسرة أو الجيران في الحارة أو السوق كان يوظف أحياناً ويُجيَّر على الوحدة..
والبعض يظن أن الوحدة تمت على عجل ولم تأخذ حقها من الخطوات؛ ولم يسبق أن وحدة بين دولتين تتم في اتفاق كُتِب على عجل في صفحة ونصف.. وهذا كلام غير صحيح..
فالوحدة اليمنية أخذت حقها من النقاش الطويل والحوار لسنوات عبر لجان الوحدة وعبر اللقاءات المتعددة بين رئيسي الدولتين داخل اليمن وخارجه.. والوحدة لم تتم في صفحة ونصف كما يدَّعي البعض، وإنما تمت على أهم وثيقة وهى الدستور الذي كان عبر لجان مشتركة وخلال سنوات من النقاشات واللقاءات قبل الوحدة وتم بعد ذلك الاستفتاء عليه..
الآن نقول لمن طالبوا بإسقاط الوحدة أو إسقاط النظام:
ما الذي تحقق عندما سقط النظام أو ترنحت الوحدة كما طالبوا.. ماذا حققوا عندما قالوا الجنوب للجنوبيين ورحَّلوا حتى الباعة البسَّاطين في الشوارع..؟!
لم يسقط النظام فحسب، ولم تسقط الوحدة ولكن سقطت الدولة وضاعت المؤسسات وتم انشاء كانتونات كل طرف يعتبر نفسه دولة على مساحة جغرافية معينة؛ وتكاد اليمن تضيع وتتمزق وسيادتها تُنتهك.. وتمضي السنوات والأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وتكاد اليمن أن تتشرذم..
ولكن الشيء الإيجابي أن هذه السنين وما حدث فيها علّمت الكثير ممن كانوا متطرفين في تحاملهم على الوحدة أنها في الأخير هي الملاذ وهي الحل؛ ومهما اختلف اليمنيون أو تفرقوا ومهما وُجدت كيانات جديدة، فلن تُحل المشكله اليمنية ولن تستقر اليمن إلا بالحفاظ على الوحدة.. ومهما تعددت أو تنوعت المشاريع الصغيرة فستظل الوحدة هي المشروع الوطني الكبير الجامع والموحد لكل الكيانات التي تحكم أو تتحكم بقوة السلاح في جغرافية معينة مهما كانت مساحتها أو ثرواتها أو سكانها..
اليمن كبير بوحدته؛ ولن تقوم لليمن قائمة ولن يصلح حال الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب إلا إذا اجتمعوا وحافظوا على مشروع الوحدة تحت أي صيغة يتفق عليها الجميع بدون أي إملاءات خارجية.
|