الميثاق نت -

الثلاثاء, 28-مايو-2024
محمد العزيزي -
جاء خبر توحيد الشطرين الشمالي والجنوبي في يوم 22 مايو 1990م، التي نحتفل هذا العام بذكراها الـ34 على قيامها، كنا في ذلك اليوم الأغر ونحن بعمر الصبا ، وصادف إعلان وحدة البلاد وأنا في مدينة تعز الحبيبة قادما من القرية لنقضي الإجازة الدراسية وقد كنت حينها أكملت اختبارات نهاية العام للصف الثاني الإعدادي وأتممت شهادة الثالث الإعدادي في ظل وكنف دولة الوحدة المباركة في عامها الأول، وكان خروج كل اليمنيين دون استثناء خروجا عارما محتفلين وفرحين بإعادة اللحمة اليمنية والوحدة الوطنية ويا لها من أيام عامرة بالأفراح والبهجة والسرور في وسط الشعب اليمني والتي لا توصف أو يتخيلها جيل الوحدة اليوم الذين تصل أعمارهم سن الرشد أربعين عاماً..
في ثاني أيام قيام الوحدة يوم 23 مايو وبينما كنا نعمل في ذلك الوقت خلال العطلة الصيفية مع أقارب لي بالمدينة الحالمة، رأيت ظهر وعصر ذلك اليوم البهيج أفواجاً تتدفق، عدد كبير من أبناء عدن الجميلة وهم يطوفون شوارع مدينة تعر في شوارع 26 سبتمبر والجمهورية وباب موسى والباب الكبير والتحرير وبجوار مدرسة ناصر وعقبة مفرح ، كانت الفرحة مرتسمة على وجوه المواطنين وهم يرحبون بإخوانهم من أبناء عدن والمحافظات المجاورة بلهفة ومحبة غاية في الروعة والجمال والإحساس بالألفة والتآخي ،وذلك الشعور الذي بدا واضحاً على محيا المواطنين ليس له وصف أو تعبير لأنقله لكم في هذه السطور ..

كنا نرافق الزوار من شارع إلى شارع ونخاللهم أينما ذهبوا، وما لفت انتباهي هو انتشار أعلام الوحدة بكثافة كبيرة جدا ،وهي ترفرف على محلات ومنازل وشوارع مدينة تعز؛ وأخرى في أيادي المواطنين والوافدين من محافظة عدن التي نكن لهم ولكل أبناء ربوع الوطن المحبة.. تجوّل أحبائنا في شوارع تعز كان يملأه شغف التعرف على معالمها وأسواقها وجمال المدينة وتنفس حرية التنقل في أرجاء الوطن وكسر حالة الكبت والحرمان المفروض على الشعب ،يسألون عن كل شيء وبالذات عن أسعار المواد الغذائية وكانت الأسعار رخيصة والشراء مفتوحاً، أي يحق لأي مواطن شراء ما يريد والكمية التي بمقدوره شراؤها، وهو الشيء ربما الذي كان يميز الشمال عن الجنوب آنذاك..
الحقيقة المفروغ منها أن أغلب اليمنيين لهم معارف وأصدقاء وأقارب في الشمال والجنوب ومترابطون بعضهم ببعض ،والبعض منهم كان يسأل عن أصدقائه وأقاربه لزيارتهم.. كنت بجانب شخص يبدو لي أنه يافعي من خلال لبسه ولهجته يسأل عن قريب له كان يسكن في القبة المعصور منطقة المحروقات بين شارع جمال وشارع الأجينات بتعز، أوصلناه أنا ومجموعة من الشباب إلى الحارة وعاقلها الذي أوصله إلى منزل قريبه، ولأني صغير السن لم يخطر على بالي وقتها سؤاله عن سبب فرقتهم وخلفية تواجده بعيداً عن أهله، بقدر فرحتي بإيصال ذلك المواطن اليمني إلى أخيه الذي لم يلتقِه منذ سنوات طويلة كما قال وأنهما افترقا حين كانا مغتربين في السعودية وافترقا وتشطرا كما كان الوطن مشطراً لتأتي الوحدة لتجمع أبناء الوطن الواحد..
للأسف، وما أشبه الليلة بالبارحة ،ما قبل الوحدة كان برميل ونقاط الأمن والتفتيش هي العائق ومن تصد وحدة الوطن والشعب وتمنع لقاءهم بأهاليهم ،واليوم طربال أزرق والبرميل والنقطة الأمنية تمنعك من لقاء أهلك وأحبائك وهم في محافظة واحدة وليس بين شطرين ،ولا يفصلهم عن بعضهم سوى شارع أو مسافة تقطعها بعشرة دقائق لزيارتهم، ليس هذا المشهد الذي عاد اليوم للواجهة بل عاد نفس السؤال الذي كان يُطرح على كل مسافر بين الشطرين.. أين أنت ذاهب؟ وما معك؟ وأيش تشتغل؟ وكم بتجلس هناك ؟ ومن هو عاقل حارتك؟ وما اسم الشيخ حقكم؟ واسم قريتك؟.. المهم نفس الأسئلة التي كانت تُطرح في عصر ما قبل الوحدة بين محافظة وأخرى..

كثيرون من أبناء الوطن وبالذات شباب ما بعد الوحدة لا يعرفون تلك المعاناة التي واجهها أبناء الشعب، والفرحة التي عمت الوطن بقيام الوحدة اليمنية المباركة التي تنفس اليمنيون بها الصعداء ونالوا من خلال حرية الحركة والتعبير والجرأة في الطرح والنقد، وهي المنجز والنقطة المضيئة في تاريخ اليمن والأمة، وليس لأحد الفضل والمِنة في وجودها وقيامها، ولا يمكن لأحد أن يحدد مصيرها لأنها إرادة شعب وطوق نجاة من أنفسنا وقدر كوني ورباني لإعادة الأصل لأصله، وجاءت الوحدة كمخلص لتلك العوائق وإزالة البراميل ودحر نقاط التفتيش، لتعود اليوم للأسف الشديد لتظهر من جديد أمام الشعب اليمني تلك المعاناة التي فرضتها عقلية التشطير والتشظّي والرجعية الفاشلة والتي تطمح بعودة اليمن إلى ما قبل الوحدة من خلال بث الرعب والخوف وقطع الطرقات والوصال بين أبناء الشعب الواحد والتي لن تتحقق هذه الغاية مهما واجهت الوحدة من عثرات..
يا الله ما أحلى وأغلى نعمة الوحدة، ولن يشعر بنعمة وأهمية وحب الوحدة إلا من شعر بألم الفرقة والشتات وعذاب الغربة وأنت تعيش داخل وطنك.. تخيلوا كان لنا أهل في عدن حُرمنا منهم وحُرموا منا لا نعرفهم وهم كذلك، ما نعرفه عنهم أنهم يتواجدون في عدن منذ عشرات السنين، والسبب التشطير البغيض وأدواته..

إذا كنا لم نحتمل ونقدر على قطع الطرق وصعوبة الوصول إلى أهالينا اليوم وزيارة أقاربنا في ظل الوحدة وكل هذه الحداثة وسهولة ونعمة وسائل النقل والمواصلات، فما بالكم بين شطرين ونظامين متناحرين كلٌّ يتهم مواطنيه بالتجسس والعمل مع الشطر الآخر، ومن أجبره الشوق وحب زيارة أهله وذويه يقطع مسافات كبيرة في الخلاء والصحارى والجبال وفي جنح الليل ليصل سراً إلى أهله إذا لم يتم الإبلاغ عنه والوشاية به من جيرانه وجواسيس النظامين..

الوحدة الوطنية اليمنية نعمة أغاث الله بها الشعب اليمني لترفع حالة الظلم والجبروت والمعاناة التي كانت تصيب كل الأسر اليمنية دون استثناء.. ورغم كل الإرهاصات والأزمات التي نالت من الوحدة المباركة ووحدة الوطن والشعب عموماً ستنتهي كغيمة صيف عابرة وسنتجاوزها وستظل الوحدة، لأنها وُجدت لتبقى ولأنها جاءت لتخلص اليمنيين من عذابات الغربة والفرقة وصعوبة الوصال، ولأن الوحدة متجذرة ومغروسة وثابتة في وجدان وقلوب كل اليمنيين إلا من به مرض وخائن وله مصالح داخلية وخارجية..
عاشت الوحدة.. وعاش الشعب وحدوياً..
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 08:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66125.htm