الثلاثاء, 15-أبريل-2008
الميثاق نت -      محمد حسين العيدروس -

- تجند الدول النامية كل طاقاتها البشرية للحاق بركب التنمية والتطور الذي يشهده العالم، ولتواكب احتياجاتها الوطنية.. فبعض البلدان النامية تزيد ساعات العمل في المنشآت الإنتاجية والخدمية، وبعض آخر يتنقل بين "التوقيت الصيفي" و"التوقيت الشتوي" ليستفيد من فارق ساعة زمنية واحدة كل يوم .. إلا أننا في اليمن ما زال لدينا من يكرس كل وقته وتفكيره لابتكار عذر لتعطيل العمل، أو التسرب من المسئولية الوظيفية.
فعلى مدار عام ونصف تقريباً لم تكن ممارسات الديمقراطية لدى بعض القوى السياسية تحمل أي بعد تنموي، بقدر ما تم تكريسها لتعطيل المدارس والجامعات، والمؤسسات الخدمية، والمنشآت الانتاجية المختلفة، كما لو أن المطلب الحقوقي أو الديمقراطي لا يأتي بغير إضرار بالمصالح العامة، وتعطيل للعجلة التنموية.. ومع هذا فإن المتبنين لهذا النهج ما زالوا يصرون على أنهم يخدمون المصالح الوطنية، وأنهم الأحرص على التنمية الاقتصادية، من غير أن يخبرونا كيف تتحقق مصالح الوطن والجامعات مقفلة؟ وكيف ينتعش الاقتصاد والمصانع والشركات الإنتاجية متوقفة؟!.
المتتبع للأحداث يجد أننا منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وحتى اليوم لم يهدأ لنا شارع، ولم تستقر مؤسسة أو مشروع إنتاجي على حال مستمر من العمل، وما أن ينتهي اعتصام في مكان ما، حتى يبدأ إضراب في مكان آخر.. وما أن تلبي الحكومة طلباً حتى يصدر بيان جديد مليء بالطلبات الإضافية، وكل شيء يجري تحت عنوان "النضال السلمي" والحريات والحقوق الديمقراطية..!.
ومع أن هذا كله يحدث بعلم الجميع، وباعتراف من قبل بعض القوى السياسية المعارضة بالوقوف خلفه تحت مسمى "تحريك الشارع" إلا أن المفارقة هي أن هناك من تسوغ له ثقافته بأن ما يمارسه لا يعطل مسيرة تنموية، ولا يعيق برنامجاً انتخابياً، ولا يعطل مصالح البلد الاقتصادية، في مغالطة مفضوحة يحاول بها إقناع الشعب بأن حياة أبنائه المعيشية يمكن أن تتحسن حتى وإن توقفت المصانع والأعمال.. وإن الدولة سترتقي بالتعليم والرعاية الصحية حتى وإن أغلقت المدارس والمستشفيات، وأضرب المعلمون والأطباء عن العمل باسم المطالب الحقوقية!.
من الغريب جداً أن يتخذ البعض من الديمقراطية والحريات مبرراً لنقل التنافس المشروع بين القوى السياسية من ميادين الديمقراطية إلى ميادين التنمية والمصالحة الاقتصادية والقطاعات الخدمية، معتقداً أنه بتعطيل هذه المصالح وإضعاف الحراك التنموي والاستثماري سيوجه ضربة للحزب الحاكم، ويغيب عن ذهنه أن ضربته لن تطول سوى أبناء الشعب وهذا الوطن الغالي الذي لولا ما يتمتع به من أمن واستقرار وسيادة لما كانت هناك ديمقراطية ولا تعددية حزبية!.
عندما تتعطل القطاعات الانتاجية فإن هذا يعني انقطاع الموارد المالية القادمة لخزينة الدولة أو تناقصها.. في الوقت الذي تمثل هذه الموارد القاعدة الأساس لتمويل المشاريع المختلفة، والخدمات والأجور المدفوعة للموظفين، والحقوق المالية المدفوعة للمتقاعدين والعجزة ودور الرعاية الاجتماعية المختلفة .. فكيف للبعض أن يعي بهذه الحقائق في الوقت الذي يتطلع إلى السلطة، ويطالب بالحكم!؟.
للأسف لم تجد الديمقراطية استيعاباً حقيقياً لدى بعض القوى السياسية، فباتت تفهمها على أنها حريات مباحة تخول لها حق الدفاع عمن يتقطع الطرق، ويختطف الناقلات النفطية، أو يعتدي على موظفي الدولة وأجهزتها الأمنية، ويحرق المكاتب الحكومية، ويخرب المحلات التجارية، ويعتدي حتى على البسطاء ممن يطلبون رزقهم الحلال من البسطيات والفرشيات!.
فهل باتت الديمقراطية في ثقافتهم حقوقاً لحاملي البطاقات الحزبية، دون سواهم من أبناء الشعب المكافحين بمهن بسيطة بعيداً عن السياسة؟ وهل باتت الديمقراطية في ثقافتهم مجردة من أي حقوق للمواطن غير الحزبي في التمتع بالأمن، والأمان ومزاولة العمل، وحق الحياة الحرة الكريمة!؟.
إن هذا الانحدار بالمفاهيم الديمقراطية والحريات لدى هذه القوى تحول إلى عبء حقيقي على مسيرة التنمية الوطنية، وبات يكلف البلد وقتاً كبيراً مهدوراً في ممارسات زائفة، وأموال كبيرة تضيع جراء الإيقاف المتعمد للعمل في المؤسسات والمنشآت الانتاجية بل ويكلف الشعب أيضاً الكثير جداً من طموحاته وآماله المستقبلية في ظل استغلال حتى الاصرحة العلمية لأغراض حزبية ضيقة على حساب الطاقات العملية المأمول تخرجها، وارتقائها علمياً من أجل قيادة مسيرة الوطن في مراحله القادمة..
فإذا كان هناك ثمة من يتذرع بالفقر ويتخذه مبرراً للخروج إلى الشارع وإثارة الفوضى، فبلا شك أن علاج الفقر هو العمل وليس الاضرابات والاعتصامات.. وإن مكافحة الفقر باستثمار الطاقات البشرية في الحقول والمصانع والمشاريع الاستثمارية وليس بقطع الطرق أمام المستثمرين، وتشويه الحالة الأمنية للبلد بقصد إرهابهم وتنفيرهم، كما أن مكافحة الفقر يكون بالعلم والتعلم وليس بتحريض المعلمين والطلاب على الاضرابات.
من كان يتذرع بالفقر عليه أولاً أن يوقف الخطابات الهدامة التي أدمن عليها، والتي تغرس اليأس والقنوط في نفوس الشباب، وعليه أن يتعلم من مدرسة سيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام- حين بدأ مكافحة الفقر بغرس الثقة والأمل في نفوس المسلمين والانحناء أمام كف تشققت من العمل وتقبيلها ثلاثاً، وفي كل مرة يقول: "هذه يد يحبها الله ورسوله".
فهل في سنن معلم البشرية - الحبيب محمد- ما يكافح الفقر بالتحريض على وقف الأعمال، وقطع الأرزاق!؟.

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:50 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-6613.htm