مبارك حزام العسالي - كانت دعوة الشيخ صادق بن أمين أبوراس -رئيس المؤتمر الشعبي العام- إلى إعطاء صلاحيات كاملة للمحافظات بدلاً من المركزية التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في معاناة الشعب وخلقت بيئة لنشوء وتشكُّل تيارات وكيانات تدعو إلى الانفصال، وأخرى تدعو إلى نظام الأقاليم كبداية تهيئة لتقسيم اليمن إلى دويلات ضعيفة، دعوة إلى الحل وإلى السلام، دعوة كان لابد من العمل بها منذُ قيام دولة الوحدة "الجمهورية اليمنية" لتجنُّب الصراعات والتجاذبات التي حدثت منذُ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م وأنهكت دولة الوحدة وزادت من معاناة اليمنيين، وهذه الدعوة من وجهة نظري تمثِّل دعوة إنقاذ لليمنيين، وأنسب حل للخلافات الدائرة بين القوى السياسية، ولذلك ينبغي على جميع القوى الفاعلة في الساحة اليمنية سواء المنضوية في إطار مناطق سيطرة صنعاء، أو تلك المنضوية تحت حكم الإحتلال، أن تعترف بأن مبادئ مشاركة السلطة والتسامح والحكم اللامركزي الضمني هو الحل ليكون أساسيّة لتحقيق الاستقرار والتنمية، فالدول اليمنية التي تشكّلت عبر التاريخ واستمرّت لأكثر من قرن تشاركت في مبادئ التسامح ومشاركة السلطة والحكم اللامركزي الضمني وهذا ما يفتقر إليه أطراف الصراع الحالي، ولتحقيق ذلك هناك عوامل مهمة أهمها أن تقدّم القوى المتصارعة بعض التنازلات من أجل التوصّل إلى تسوية سياسية شاملة، فالوضع الحالي لا يدعم هكذا تسوية، حيث استملك كل طرف السلطة ويبدو غير مستعد للتعاون، فالتسوية من دون تقديم تنازلات ستؤدّي إلى مجرد اعتراف بالمكاسب العسكرية وسلام هش لا يمكن له أن يدوم طويلاً..
وأعتقد أن الحل هو فيما طرحه رئيس المؤتمر في دعوته إلى الحكم اللامركزي كحلٍّ جيّد لليمن، ومناسب للحدّ من طبائع الاستملاك القائم حالياً، فكلما زادت صلاحيات المجالس المحلية زادت احتمالية فاعلية الخدمات المقدّمة للمواطنين، وتوضح إحدى الدراسات أنّ الحكم المحلي الناجح يتّسم بالإبداع والابتكار والمرونة، كما يُنظر من جهة أخرى، إلى اللامركزية كأداة لإدارة الصراعات وفضّها، وهي ظلّت لعقود الخيار الأول لدى المنظمات الدولية في إصلاح الأنظمة الحاكمة، وذلك يعود إلى أنّها تبني آليات لتوزيع السلطة بين المجموعات المتنافسة وتحقّق مشاركة المواطن في صناعة السياسة على المستوى المحلي، ولذلك قد يكون اللجوء إلى الحكم اللامركزي هو الحل الأنسب الذي يتوافق مع بنية اليمن الاجتماعية ويتناسب مع طبيعة تاريخ نشوء السلطة، علاوة على ذلك، فإن الحكم اللامركزي معروفة معالمه لدى النخب اليمنية والشعب، بخلاف النظام الفيدرالي الذي يُعتبر مجهول المعالم، فحين توحّد شِطْرا البلاد عام 1990م، جرى الاتفاق على مبدأ الحكم اللامركزي لكنه لم يبدأ التدرّج نحوه إلّا بعد عشر سنوات على الرغم من تأكيد دستور عام 1994م على الاتجاه نحو اللامركزية، وشهدت بداية الألفية الثالثة أول انتخابات للمجالس المحلية في اليمن..
نذكر هنا بعض الحقائق التاريخية التي تؤكد أن دعوة رئيس المؤتمر الشعبي العام الشيخ صادق بن أمين أبوراس، هي الحل الأنسب لما تعيشه اليمن، حيث تعارضت معالم الدولة الحديثة منذُ بروزها مع طابع السلطة اللامركزية في اليمن، حيث لم يستطع العثمانيون إخضاع شمال اليمن مطلع القرن العشرين لنظام الحكم المركزي؛ وفي الجنوب لم يحاول المستعمر البريطاني إنشاء الحكم المركزي واستعاض عنه بعلاقات ذات نفوذ مع سلاطين المناطق الجنوبية، ولاحقاً حاولت الدول الشطرية في الشمال والجنوب الحكم المركزي الذي تحول إلى استملاك للسلطة، ما خلّف صراعاً على السلطة بين النخب السياسية من جهة والمناطقية والقبيلة من جهة أخرى، وبالتالي، لابد من أن ينطلق أي حلّ سياسي من قاعدة لا مركزية السلطة والتي أثبتت تجارب الماضي أنّها حقيقة اجتماعية وثقافية قبل أن تكون سياسية بإمكانها أن تحدّ من تغوُّل استملاك السلطة بأيدي جهة معينة سواء أكانت أقلية أم أكثرية حزبية أو مذهبية، وانطلاقاً من هذه القاعدة وبالنظر إلى دينامية الصراع الحالي، فإنّ الحلول الأكثر ملاءمة لشكل الدولة هي إعطاء صلاحية كاملة للمحافظات في إطار نظام الحكم اللامركزي، فمنذ بداياتها كانت المجالس المحلية مؤسسات حكم بالغة الأهمية في اليمن، إلا أن استمرار النزاع أعاق بشدة قدرتها على توفير الخدمات الأساسية للمجتمع في وقت تتفاقم فيه الأزمات الإنسانية والاقتصادية، ففي بعض المناطق، نجد تنافس الجهات غير الحكومية على تقديم الخدمات، مما يقوض ثقة المواطنين اليمنيين بالمجالس المحلية، في ظل النزاع القائم في اليمن، الذي تُمارس فيه طبائع الاستملاك بصورة سيئة جداً لم يشهدها اليمن في تاريخه المعاصر، وإنشاء مؤسسات وهيئات جديدة تختص بالمجالات التي فيها مصادر دخل كبيرة ولا ترتبط بالوزارات الحكومية..
ولا يفوتنا أن ننوّه إلى خطر تطبيق اللامركزية من أعلى إلى أسفل، فقد يؤدّي ذلك إلى استعادة طبائع استملاك السلطة من قِبل نخبة معينة، وبالتالي، يستلزم تصميم نظام الحكم اللامركزي من أسفل إلى أعلى عملية شاملة يشارك فيها جميع النخب السياسية والمجتمع المدني.. وباعتقادي قد يلاقي ذلك الدعم الإقليمي لنجاحها، ويجب على جميع أطراف الصراع في اليمن الاستفادة من دروس الماضي وإدراك أنّ استملاك السلطة سيكرّر النمط التاريخي، ويجب على الدول الشقيقة دعم الوحدة اليمنية علنيّاً واحترام سيادة اليمن والكف عن أي تصرفات قد تؤجج الصراع وتطيل أمد الحرب، والتوقّف عن استغلال الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اليمن واليمنيون، والتخلي عن ممارسة الضغوط على البنوك التجارية لنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، فالأوضاع الاقتصادية يفترض النأي بها عن أي تجاذبات، ومن يستخدمها كأداة ضغط على أحد من الأطراف هو عدو للشعب اليمني كله..
ولنا في نقل عمليات البنك المركزي إلى عدن التي انقطعت معها المرتبات خير دليل.
|