الميثاق نت -

الإثنين, 10-يونيو-2024
محمد علي اللوزي -
(التفكيكية) فلسفة انبنت على تقويض النص من الداخل؛ وهي الهدم من أجل البناء.. هي (البروسترويكا الغرباتشوفية)، هي ذاتها الفوضى الخلاقة.. انتقال مبرمج من الفكري إلى المادي، استمر لعشرات السنين حتى نضجت طبخته ليقدَّم لنا جاهزاً نتجرعه سماً ولا نكاد نسيغه، ونسير فيه بأهواء ورغبات وبرمجة الغرب..

لعل هذا التشظّي في الأمة واختلاف مسالكها ودروبها، أدخلها في أتون أزمات وتطاحن.. حين نستكشف مكامنه نجده حالة عدمية لامعنى لها أو أنه لا يستحق كل هذا التمترس والتطاحن والدماء، إذ ليس فيها ما يدعو إلى تعميق الهُوة بين أبناء الأمة الواحدة بدلاً من تجسيرها، لكنه الانحياز للغرب الذي يشتغل على الأزمات، وعلى صناعة الحروب، واستهداف شعوب هذه المنطقة الشرق أوسطية. وهو استهداف انتقل من الاستعمار المباشر (والكولونيالي) إلى استعمار غير مباشر حين تسلم دولٌ نفسها برضا ويُسْر للغرب، وتنتهج قِيَمه في الخلاعة والابتذال والاستهلاك، بمعزل عنه كحضارة تكنولوجية معاصرة..

نحن إذاً شعوب تتطاحن بمسميات وتعصبات دينية وسياسية واقتصادية، لا تشكل في مجملها عند حضور الوعي والرؤية إلى ما يجمع هذه الأمة.. أقول: لا تشكل هذا التناحر والتأزيم للأوضاع إنْ لم تكن عوامل تقارب وحوار يرتقي بالمجتمع إلى مستوى أن يكون فاعلاً، لو أن ثمة استبصاراً للغد من خلال رؤية حضارية تستشرف آفاق المستقبل..

لقد انتقلت عدوى الفوضى الخلاقة إلى الربيع العربي، وسار فيه شباب الأمة دونما دراسة وتمحيص لما يجب أن يكون عليه، وسلمت طموحات لا حدود لها لقوى ارتبطت بمصالحها ارتباطاً جذرياً، لتفجر أزمات من داخل تطلعات وطموحات الشباب، واعتلى الربيع العربي ذات القوى التقليدية التي هي أحد أهم أسباب تخلُّف هذه الأمة..

الواقع أن العقل العربي من خلال مكوناته مليئ بالاحتقانات التي اشتغل عليها الأوروأمريكي ليصنع منها انفجارات متعددة.. في المقابل الحرب (الروسية الأوكرانية) والتي أتت على إثر تداعيات (البروسترويكا الغورباتشوفية) التي نقلت الغرب من مستوى التوازن الدولي إلى مستوى استعلائي يريد الهيمنة على الكرة الأرضية بمسميات العولمة ومابعد العولمة، و(التناص) وما بعد (التناص)، من اتجاه فكري إلى مادي..

لقد استغل الغرب تفكك الاتحاد السوفييتي والقضاء على حلف (وارسو) ليحقق قدراً كبيراً من الهيمنة زمناً لا بأس به، سيما بعد أن انتقلت اثنتا عشرة دولة كانت في حلف (وارسو) إلى (الحلف الأطلسي) بكل قدراتها وإمكانياتها وآلتها (الروسية)..

هكذا التفكيكية الهدم لإعادة البناء برؤية استعمارية غربية..

في ذات السياق جر الربيع العربي -وهو تفكيك آخر لا واعٍ- إلى مستوى الانقياد الشامل للصهيو أمريكي، ودخلت شعوب المنطقة صراعاً سهَّل لدول البترودولار وغيرها سرعة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وانتهاج قِيَم الغرب الوقحة؛ لتبرز على إثر ذلك دول في المنطقة في الاتجاه المعاكس لقوى البترودولار، بهذا المعنى وجد محور الممانعة أو المقاومة، ونرى ممكناتها في المواجهة مع الكيان الصهيوني في غزة بما حققته من انتصار حقيقي أقلق دول التطبيع، وحاولت الإجهاز على هذا الحلف لتبرز قوى أكثر إصراراً على المواجهة كما هو الحال في اليمن والعراق ولبنان..
لسنا هنا بمعرض انتقاداتنا لهذا المحور؛ ما إلى هذا نقصد أو نريد، إنما أردنا أن نوضح أن ثمة متغيراً أوجد فسطاطين، مقاوم يرفض التدجين والخنوع والاستسلام؛ ومحور آخر قَبِل الهزيمة وسار في اتجاه المؤامرة وأشعل حروباً في المنطقة..

اليمن، سوريا، العراق، ليبيا، السودان.. غير أن هذا الاشتعال لا شك انعكست آثاره السلبية على دول البترودولار، لتجد نفسها أمام قوة فاعلة وقادرة على مَحْق مشاريع الغرب الاستعمارية وما أنجزته هذه الدول الطارئة من تقدم في مجال العمران بمنهجية استهلاكية عقيمة، قائمة على الرفاه والاستعلاء على أبناء جلدتها.. (التفكيكية) إذاً ولَّدت انفجارات واسعة لم يعد الغرب قادراً على التحكم بها أو لملمتها.. إنه يعاني من مؤامراته التي استمرت عشرات السنين، ليصل إلى نتيجة هي التمرد عليه ومواجهته وتحدّيه في أقوى قِلاعه وقدراته العسكرية (ايزنهاور) والأرض الفلسطينية المحتلة..

لعل الاتجاه المقاوم بما لديه من ممكنات القوة والتحولات العالمية التي تساعده في خلق تحالفات شرقية لمواجهة الغرب بكل قواه المتصهينة قد استطاع أن يموّن بطلاً حقيقاً وناضجاً في استبصاره للتحولات العالمية واستغلالها في الاتجاه المقاوم للصهيوأمريكي..

والحال أننا أمام متغير عالمي جرته (التفكيكية) إلى مواقع لم يكن يحسب لها الأوروأمريكي ومن معه من دول البترودولار حساباً، ولربما قد تؤدي في انزياحاتها إلى تدمير إسرائيل، أو حرب عالم ثالثية، أو سيادة واستقلال وشراكة ومسئولية في البناء والتنمية بمعزل عن الهيمنة والتفرد.. والقادم مليئ بالمفاجآت..


*هامش: نحتاج إلى فهم أبعاد مصطلحات فلسفية وفكرية كالتفكيكية والتناص وهي تكوين عقلاني أوروأمريكي استهدف حضارات الآخر بمزاعم فلسفية.. الاقتراب منها والوعي بها يصل بنا إلى أنها فلسفة للهيمنة والاستعلاء أخذناها بحسن مقصد كتطور فكري فلسفي لكنها خلخلة قِيَم وحضارات باسم الهدم لإعادة البناء صنعته أدمغة الغرب الفاحشة لنبقى أسرى تحولاته التي لا نمتلك مقومات التدخل فيها بمنهجية ورؤية شاملة.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66207.htm