الميثاق نت -

السبت, 06-يوليو-2024
عبدالرحمن مطهر -
للأسف لم ألتقِ الأديب والشاعر والمفكر السياسي الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية شخصياً ، أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ولكني عرفته بشكل كبير من خلال أفكاره الكبيرة التي سبقت عصره ، ومبادئه المدنية القيمة التي رسم من خلالها سياسة اتحاد القوى الشعبية ، مع شقيقه الأكبر المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير مؤسس الاتحاد ، وأيضا مع شقيقه الأستاذ والمفكر الكبير زيد بن علي الوزير ، ومن أبرز تلك الأفكار والمبادئ التي قام عليها اتحاد القوى هي الشورى في الأمر _ الخير في الأرض _ العدل في المال. وما أعظمها من أفكار لو تم تطبيقها في واقعنا الراهن.
قرأت للأستاذ القاسم بن علي الوزير العديد من المقالات ،أيضا كتاب حقول المعرفة الذي أثار فيه العديد من التساؤلات والقضايا المهمة ،فعرفته من خلال أفكاره ومبادئه ووجدت فيها الحلول والعلاج للكثير من مشاكل مجتمعنا والمجتمعات العربية في وقتنا المعاصر..

العصبية

ومن هذه الأفكار المتقدمة والمبادئ المدنية ،التي ظل الأستاذ القاسم طوال حياته ينادي ويناضل من أجلها، لمعالجة العديد من القضايا التي يعاني منها مجتمعنا اليمني ، وكذلك معظم المجتمعات العربية والإسلامية ،كتاباته وأفكاره عن "العصبية" علي سبيل المثال ،والتي حذر منها رسولنا الكريم في أكثر من حديث شريف (ليس منا من دعا إلى عصبية) أيضا قوله صلى الله عليه واله (دعوها فإنها منتنة).
في هذا الصدد يرى الأستاذ الكبير القاسم بن علي الوزير، إن تعصب القبيلة لأعرافها يفضي إلى إعلاء هذه الأعراف فوق الشريعة أو القانون. وذلك يفتح باب الفتن على مصراعيه ؛ فتنشأ الحروب بين القبائل المختلفة، وفي صفوف القبيلة الواحدة ذاتها وتستيقظ الثارات المندثرة لتجر إلى حروب وثارات جديدة تسفك فيها الدماء، وتقطع الأرحام، وتمزق الوشائج الاجتماعية..

وكذلك العصبية الحزبية التي تكون اشد ضررا على المجتمع من عصبية القبيلة ، كما يرى الأستاذ القاسم ، خاصة عند احتكار حزب ما للسلطة والثروة ولا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة، ويرى نفسه فوق القانون ، وانه هو الشعب ، ويلغي حرية الآخرين وحقوقهم..

كذلك تحدث الأستاذ القاسم بن علي الوزير في العديد من محاضراته وندواته لا سيما في مركز الحوار الوطني بواشنطن، عن الأحزاب والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، فيرى من وجهة نظرة العميقة ، أن وجود الأحزاب في أي بلد من البلدان هي ظاهرة صحية في مجتمع معافى، خاصة عندما تقوم هذه الأحزاب على أسس وأفكار وبرامج محددة وواضحة، تعمل من اجل المجتمع ككل وليس فقط من أجل فئة أو شريحة محددة من المجتمع ، تعمل من اجل الفئة التي تمثلها في إطار المصلحة العامة للمجتمع ككل وليس عبر أفق ضيق لفئتها فقط، تعالج مشاكل الحاضر وتتنبأ للمستقبل وتعمل له.

الإصلاح والتغيير

وحول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية يؤكد الأستاذ القاسم بن علي الوزير ،بأن لا أحداً ينكر هذه الحاجة. بل لا يشعر بها ضرورة ملحة ، وأن المجتمعات العربية بحاجة ماسة إلى ذلك ،من خلال الإصلاح الشامل ،الذي تتجدد من خلاله نهضة المجتمعات العربية ، إصلاح يكفل الحقوق الإنسانية ، وتنطلق من خلاله قدرات، وإبداعات الأمة للإسهام في الحضارة البشرية والمسيرة الإنسانية.
وأن التغيير في أي مجتمع من المجتمعات العربية يحب أن يبدأ من "الفكر" أو العقل،أي من خلال تحرير "روح" الإنسان من سيطرة الخرافة بمختلف أشكالها، وسيطرة الجهل والخوف والظلم والاستبداد بكل أشكالها، ليصبح الإنسان حر بعقيدة صادقة تفجر طاقاته وقدراته في مختلف المجالات الثقافية والعملية والإبداعية .
وان الإنسان هو البداية وهو المدخل.. تطبيقا لقوله تعالى (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ،وأن الإصلاح والتغيير يجب أن يبدأ من خلال استقلال الذات الحضارية للمجتمع ، واستقلال السياسي والاقتصادي وكذلك استقلال القضاء ، وعن أولويات الإصلاح يقول الأستاذ القاسم أن مبادرة الإصلاح تكون في المجال المتاح ،فحيث يتاح المجال تكون المبادرة، وأن كل خطوة تنجز ستؤدي إلى خطوات في الجوانب الأخرى، كما أن سلم الأولويات هنا يحدده "المجال" الذي تتاح الحركة بأصنافها فيه، أما الأولوية الحاسمة فهي يقظة الذات أو الروح التي يتحقق بها استقلال الذات باعتبارها المدخل إلى تحقيق ذلك كله..

ويقول الأستاذ القاسم الآن هناك الكثير سيتساءل،بمن وكيف سيكون هذا التغيير المنشود، ويجيب قائلا: يجب أن تتجه الجهود إلى "الإنسان" إلى المواطن ممثلاً في "تجمعاته الاجتماعية" ومؤسساته المدنية لإيقاظ قواه الروحية من سباتها وإطلاق إرادته من أسر الاستسلام والإحباط وإنارة وعيه باعتباره صاحب القرار ومصدر القوة، وإخراجه من ضيق انتماءاته وتكويناته البدائية – عشائرية وأسرية وطائفية ومناطقية – الخ إلى رحاب القضية الجامعة وسعة " المشروع" الموّحد! وبذلك وحده يتم تكوين رأي عام. يتحرك مع التأريخ في اتجاهه الطبيعي ويطلق فعاليته لتحقيق أهدافه، ويعيد بناء مؤسسات مجتمعه المدني ويجدد ما تهاوى أو تداعى منها..
وذلك من خلال إيجاد الفكرة ، المتمثلة في شكل "مشروع نهضوي" تتفق عليه القوى أو الأشخاص الرواد، ثم تبشر به وتعمل من أجله..

الطريق إلى المستقبل

استمر المفكر الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير الانشغال في قضايا الأمة ومستقبلها وفي هذا الصدد ألقى أستاذنا الكبير محاضرة قيمة بعنوان "الطريق إلى المستقبل" في العام 2017م، أكد خلالها على أهمية مغادرة الماضي الذي نعيشه، ونشتبك مع وقائعه وأحداثه في معارك حقٍ أو باطل لن تغير منها – على كل حال – في قليل أو كثير .. ولكنها تحبسنا في مجالها فنظل ندور فيه دوران جمل المعصرة ، مع أهمية النظر إلى الماضي بعين فاحصة ، نقرأه لا أن نعيشه وندرسه بشكل علمي وعميق لا أن نستعيده، فذلك شرط لفهم الحاضر وبناء المستقبل.

إيقاف العدوان والحرب الظالمة

ويؤكد ،بأن علينا أن نتجه في اليمن نحو المستقبل، والعمل من أجله بالاستعداد له، والاقتناع به ومن ثم حشد طاقات المؤمنين به لإيقاف العدوان والحرب الظالمة بكل وجوهها الكريهة، وهذه من وجهة نظر الأستاذ القاسم بن علي الوزير الأولوية الراهنة التي يتوقف عليها أمل الآمل، ونجاح العامل، وأن ذلك يقع على عاتق القوى الوطنية المستنيرة كافة ومن أي اتجاه – والعلماء والمثقفين خاصة – تقع عليهم مسئولية الاضطلاع بهذا الدور العظيم الذي يقتضي التجرد من كل انتماء ضيق فئوياً، أو حزبياً، أو مناطقياً، أو مذهبياً، أو عائلياً، والتلاحم ضمن موقف وطني شامل وجامع لإيقاف الحرب المدمرة حفاظاً على كيان الأمة من التشظي والانهيار وعلى معايش الناس من الاندثار وطريقاً وحيداً إلى مغادرة الحاضر البائس إلى المستقبل .

القضية الفلسطينية

كما أن فلسطين الجريحة المحتلة لم تغب يوما عن فكر وبال وهموم أستاذنا الكبير القاسم بن علي الوزير ، حيث تقاسم بمعية شقيقه الأكبر الأستاذ والمفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير مؤسس ورئيس حزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية، العديد من المواقف العظيمة تجاه القضية المركزية للأمة العربية ،القضية الفلسطينية ، ففي معظم محاضراته وندواته ومداخلاته حول القضايا العربية كانت القضية الفلسطينية هي الحاضر الأول والأبرز ، داعيا إلى موقف عربي ودولي جاد وموحد لوقف المجازر الوحشية لجيش الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة على ترابها الوطني..

الحديث عن الأستاذ القاسم بن علي الوزير وعن أفكاره ومبادئه لا تسعه الكتب والمجلدات فحياته كلها جهاد ونضال ، كشقيقه ومعلمه الأستاذ والمفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير وشقيقه المفكر والسياسي الكبير زيد بن علي الوزير ، جهاد في سبيل الله والوطن والحرية والاستقلال.
غادر أستاذنا الكبير الأديب والمفكر القاسم بن علي الوزير دنيانا الفانية إلى رحمة الله الواسعة يوم الاثنين 20 مايو أيار الماضي عن عمر ناهز الـ87 عاماً ،بالولايات المتحدة الأمريكية ، وهذه سنة الله في خلقه، ومثَّل رحيله خسارة كبيرة لا تعوض لليمن وللأمة العربية والإسلامية ، غير أن ما يهوِّن علينا رحيل مثل هذه القامة الوطنية العلمية والفكرية الكبيرة، هو ما ترك خلفه من أرث كبير من الكتب والمقالات والمحاضرات والأبيات الشعرية ، والتي في مجملها تستنهض الأمة للمضي نحو المستقبل المشرق بخطى ثابتة وواثقة.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 06-يوليو-2024 الساعة: 12:20 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66279.htm