الميثاق نت -

الإثنين, 15-يوليو-2024
استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني -
مع بدء العام الدراسي الجديد يجد المواطن اليمني نفسه محاصراً بالمتطلبات المدرسية لأبنائه ،التي تأخذ منحى تصاعدياً في كل سنة جديدة لا يقدر على الإيفاء بها ، لاسيما من هم في المدارس الخاصة ،والتي تزيد من رسومها بشكل مبالغ فيه، دون أن يكون هناك سقف محدد لهذه الرسوم ،الأمر الذي يضطر الآباء لإخراج أولادهم منها وإلحاقهم بالمدارس الحكومية، والتي هي ليست بأحسن حال ولا تراعي في بعض الأحيان أوضاع الناس المعيشية فتشترط دفع الرسوم كاملة بحوالي 8000 إلى 9000 ريال مع (المشاركة المجتمعية!!)


تربويون قالوا لـ "الميثاق" إن الرسوم هذه السنة بالنسبة "للأهلي" كانت كبيرة جداً ولم تُراعِ الوضع ،وكالعادة لا أحد يكترث لحال الناس، مما أدى الى اقتصار التعليم على الميسورين فقط دون غيرهم ..

هذه الرسوم تُشكل تحدياً كببراً لهم؛ وما زاد الطين بِلة أن تلك الرسوم المتحصَّلة من أولياء الأمور تتفاوت من مدرسة لأخرى، حيث تراوحت رسوم التسجيل هذه السنة من 120 إلى 170 ألف ريال للابتدائي.. والإعدادي والثانوي من 250 إلى 300 ألف ريال (الدولار يساوي 530 ريالاً).. ويرد أصحاب هذه المدارس: الزيادة بسبب فرض وزارة التربية والتعليم حوالي 50 دولاراً عن كل طالب يتم توريدها إلى حسابات الوزارة، وهو الأمر الذي دفع إدارة هذه المدارس إلى مضاعفة الرسوم لتعويض خساراتها، أما المدارس الأخرى الكبيرة فتصل إلى أكثر من 600000 ريال؛ غير فتح ملف الطالب المستجد بنحو 100$ إذا كان التدريس باللغة الإنجليزية، وما يلاحظ أن كل عام دراسي جديد تزداد فيه المدارس الأهلية بشكل ملفت للنظر ،حيث تبدأ هذه المدارس بنشر إعلاناتها مع بعض الترغيبات والإغراءات لاستقطاب الطلاب لديها ،حتى في الشوارع الخلفية؛ ووصل الأمر إلى أن تتخذ هذه المدارس من الحارات مقرات لها !!


*سلبيات وايجابيات

وتعليقاً علي هذا الانتشار يقول تربويون إن هذا يساهم في حل بعض المشكلات التعليمية في المدارس الحكومية، ويقلل من السلبيات التي يعاني منها التعليم عموماً، كما أنه أيضاً يخلق تنافساً في تقديم خدمة تعليمية جيدة، غير أن هناك من يرى أن انتشار هذه المدارس مُقلق جداً بسبب العشوائية وعدم وجود جهة ضابطة لها، ناهيك عن الرسوم التي تتضاعف كل سنة، وليت الأمر يقتصر علي أمانة العاصمة فقط، بل تمتد إلى محافظات أخرى.. وما يُلاحَظ أن هذه المدارس هي في الأصل شقق سكنية يجري تحويلها إلى مدارس، مع بعض الترميمات البسيطة إذ يفضّل مُلاك هذه العقارات تأجيرها وتحويلها إلى مدارس خاصةً بعد إخراج ساكنيها، نظراً للعائد المالي الكبير، حتى وإنْ كانت مظلمة تفتقر للتهوية والإنارة ومساحة الفصول، ومساحة ساحة المدرسة، فهل تحدد هذه المدارس الطاقة الاستيعابية ؟ وهل هي مستوفية للاشتراطات الأخرى من حيث توافر الكادر الإداري المتخصص والتربوي الجيد من الحاصلين على مؤهلات تربوية، ومتفرغين للعمل كمدرسين وليس كمتطوعين يتم الاستعانة بهم لتغطية العجز ،كما هو الحال في المدارس الحكومية، التي هجرها المعلمون الثابتون المؤهلون إلى المدارس الخاصة، أو إلى امتهان هؤلاء مِهَناً شتى لا تتناسب مع مستواهم التعليمي.. كل هذه التساؤلات بحاجة لإجابة..


*إعادة الإعتبار

السؤال الأهم هنا الذي يتبادر للذهن: متي يبدأ التصحيح و يُعاد الاعتبار للمعلم؟.. الحقيقة أن ملف التعليم في اليمن بحاجة للنظر والدراسة في الوضع الذي هو عليه، ويبدو أن الحرب والعدوان كان له الأثر البالغ في تدهور التعليم، إذ أتى على أكثر من نصف البُنى التحتية؛ ووجد في خضم ذلك المعلم نفسه بدون راتب، الأمر الذي أدى إلى تدني مستوى التحصيل العلمي للطلاب؛ وشهد التعليم تدهوراٍ كببراً في هذا الإطار..
إن إفراغ المدارس الحكومية من المعلمين الأساسيين يضرب العملية التعليمية في الصميم، فهذه الكوادر تمتلك من الخبرة والكفاءة تفوق ما يتم استجلابهم، ويجب النظر إلى هذا الأمر فهناك جيل كامل في طور التجهيل، ناهيك عن الإحصاءات التي تشير إلى أن أكثر من2.7 مليون طفل يمني ما يزالون خارج المدارس، وهذا بالطبع رقم مُفزع ويحتاج لتحرك عاجل..


*مشهدان مختلفان

(محمد الحبابي) أبٌ لثلاثة أولاد، قال لـ "الميثاق": إنه هذه السنة سيُبقي على أحدهم فقط وهو في الصف التاسع في المدرسة الأهلية، كون هذه المرحلة مهمة وتحتاج لجهد ومكان مناسب لتلقّي دروس كاملة وجيدة إلى حدٍّ ما..
محمد وهو في الثلاثين من عمره تقريباً والذي التقت به"الميثاق" قُرب إحدى المدارس الخاصة، قال: " لم أقدر على دفع الرسوم، لأن فيها إضافة بحسب ما قال لي المدير، لذلك سحبت ملف اثنين من أولادي لتسجيلهم في مدرسة حكومية قريبة من البيت..

لكن(وداد) وهي أم لطفلين في الابتدائي أكدت "أنها تشعر بالأمان كون ولديها في مدرسة خاصة" لأنها ترى "أن ذلك يُبدد مخاوفها من خروجهما إلى الشارع وتعرضهما للحوادث أو من هذا القبيل أثناء عودتهم للبيت" حيث إن الباص الخاص بالمدرسة يحل هذه المشكلة، علاوةً علي التعليم الجيد الذي يتلقونه، إضافةً إلى حصص الرسم والكمبيوتر والأنشطة الأخرى".. وعن رأيها في انتشار المدارس الخاصة تقول وداد: إن ذلك أمر طبيعي كون التعليم الحكومي أصبح رديئاً؛ وتستشهد بأن"أغلبية الأوائل هم من المدارس الأهلية"..


*جودة متفاوتة

محمد الخطيب (معلّم) يعتقد أن تزايد انتشار المدارس الأهلية "استثمار جيد ويخدم العملية التعليمية، لكنه عاد وقال لـ الميثاق": لكن أيضاً هناك ضرر في ذلك فهي تقرب المسافة على الذي يطلبها وتضره لأنها بمقابل كبير وكذلك جودة التعليم متأرجحة فليست كل المدارس في مستوى واحد..
بدوره يرى محمد علي (معلّم) أنها استثمارية 99%، وتخدم العملية التعليمية.. ويرجع سبب انتشارها إلى خروج المعلمين من المدارس الحكومية وذهابهم إلى الأهلية للبحث عن دخل يجدونه في الأهلي وينعدم في الحكومي، لذا الأمر طبيعي فلا يمكن أن يعمل المعلم بدون أجور.. المشكلة الأخرى أن الأجور في التعليم الخاص متدنية جداً، وهذا ناتج عن عدم قيام نقابة المعلمين بدورها في الدفاع عن حقوق المعلم سواءً في الدفاع عن حقوقه في التعليم العام، أو في تحديد الحد الأدنى للأجور في التعليم الخاص..


*قوة وسيطرة

لكن حامد النمري (معلّم) يقول: "إن الوزارة بهيبتها وكبرها مستفيدة من المدارس الخاصة لأنهم يأخذون ضرائب ومبالغ؛ كذلك الكتب التي كانت زمان من حق الطالب يحصل عليها مجانية، الآن أصبحت تُباع بمبالغ هائلة، والوزارة والمعنيون بالأمر مستفيدون من هذا، هو بالعقل لو كانت مش مستفيدة ما أصبحت المدارس الخاصة بهذه القوة والسيطرة وما أصبحت المدارس الحكومية تحصيل حاصل.. ويعود النمري للوراء ويقول لـ"الميثاق": نتذكر في السنوات الماضية أن الوزارة حددت الرسوم في المدارس الخاصة، لكن المدارس تلاعبت بالرسوم ولم تتحرك الوزارة إزاء ذلك.. لماذا؟!.. أين الرقابة والخوف من الله.. وعندما تتكلم يقولوا لك منين ندي رواتب واحنا علينا التزامات؛ والرواتب حقهم فيها ذل للمعلم أكثر بكثير من المعلمين المحرومين من الراتب أصلاً...
فاطمة راجح (معلّمة) تقول لـ"الميثاق" في هذا الصدد: "إن أسباب هذا التزايد تعود لفشل المدارس الحكومية في توفير المناهج الدراسية وعدم تواجد المدرسين بسبب غياب الراتب وإبدالهم بمدرسين لا يملكون أي خِبرة أو تخصص؛ ومن الأسباب ايضاً اكتضاض المدارس الحكومية بالطلاب وعدم إكمال المناهج الدراسية وعدم الاهتمام بالطالب؛ كل هذه الأمور دفعت أولياء أمور الطلاب للبحث عن المدارس الأهلية لتعليم أبنائهم بشكل صحيح ومناسب ويلبي احتياجاتهم؛ وهذا أدى إلى انتشار المدارس الأهلية بشكل كبير وتسابقها في استقبال اك2بر قدر من الطلاب.. فاطمة استدركت بالقول: "للأسف الشديد هذا الانتشار أدى إلى ضعف العملية التعليمية في أغلب المدارس الأهلية وأصبح لا يخدم العملية التعليمية البتة..


*مشروع اقتصادي

وتري ضُحى الوليدي (متطوّعة) أن السبب الرئيسي وراء انتشار المدارس يعود إلى استثمار ربحي من قِبَل أصحاب رؤوس الأموال نتيجة عدم وجود فرص عمل في القطاع الحكومي أو الخاص، للمعلمين بشكل خاص، وللمتعلمين من كافة التخصصات بشكل عام، ونقص النشاطات التجارية في بلادنا كونها من البلدان النامية.. معتبرةً أن بناء المدارس مشروع يمكن الاستفادة منه من الناحية الاقتصادية..
وتشير عائدة الأصبحي إلى "أن المدارس الخاصة تقوم بخدمة العملية التعليمية بشكل كبير في ظل غياب دور المدارس الحكومية، وعدم اهتمام الدولة بالتعليم.. وتضيف: "يجد الكثيرون في وجود المدارس الخاصة فوائد لا يجدونها في القطاع الحكومي من عدة نواحٍ، حيث يمكن لصاحب رأس المال العثور على مشاريع مناسبة في ظل غياب دعم المشاريع الأخرى.. ومن ناحية الموظف، يجد فرصة عمل، حتى وإن لم يكن هناك تكافؤ بين ما يقدمه وما يتقاضاه من أجر، إلا أنها خيار أرحم من الجلوس بدون عمل.. أما من ناحية التعليم فيجد التلاميذ حاجتهم المتكاملة من مدخلات التعليم ومخرجاته، بغض النظر عن جودة التعليم، وعلى الرغم من أن هذا التعليم الخاص لا يشمل كافة تلاميذ الوطن وفقاً لمستوى الدخل لأفراد المجتمع كما هو المتعارف عليه طبعاً.. وتضحك الأصبحي وتقول: "ماعندي مدرسة ولا أنا مديرة، وأعاني من المدارس الخاصة بس نتكلم بالمنطق"..


*لا للاستقطاب

أحمد زيد (معلّم) يقول: إنه إذا لم تُسلم المرتبات فإن المدارس الأهلية ستظل قائمة وسيستمر انتشارها لأنها بحاجة إلى معلمين ومعلمات أساسيين ثابتين كانوا يتقاضون مرتباتهم من الدولة، والآن هم في رصيف البطالة لذلك يلجاون إليها، وأصحاب المدارس الخاصة مستفيدون جداً من هذا.. وكما تلاحظون أسعار رسوم تسجيل الطلاب والطالبات لجميع المراحل الدراسية -وهي مبالغ خيالية- خير مثال على ذلك، فمدارس (....) ومدارس (....) رسومها فلكية؛ وقِسْ عليها بقية المدارس الأهلية؛ ولذلك لا بد من توقف الزحف وانتشال المعلمين والمعلمات الأساسيين وإعادة الاعتبار لهم.. ونحن بحاجة إلى ثورة تجتاح جميع المدارس الأهلية لوقف استقطاب المعلمين الثابتين وكذلك حتى لا تصادَر درجاتهم الوظيفية بحسب ما سمعنا، وهذا عمل غير قانوني وأخلاقي وأرجو أن يكون غير صحيح.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:02 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66321.htm