طه العامري - بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع بعض مواقف الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، التي وقفها خلال فترة الثورة والسلطة من أكتوبر 1963م وحتى أحداث يناير 1986م، وهي مواقف تدخل في سياق التداعيات والصراعات السياسية، إلا أن الأحداث المتلاحقة التي شهدتها البلاد منذ قيام دولة عام 1990م، وحتى أحداث عام 2011م وما تلاها من أحداث داخلية وخارجية عصفت باليمن من أحداث درامية وحروب داخلية وعدوان خارجي وحصار، كل هذه الأحداث بما رافقها من أحداث إقليمية ودولية، أظهرت مواقف أصيلة وقفها الرئيس علي ناصر محمد بصورة أظهرت الرجل بـ(إيقونة) الحكمة اليمانية وصاحب الرأي الحصيف الذي يزداد تألقاً في الطرح والرؤية وتشخيص الأحداث بموضوعية وبثقة ورؤية ثاقبة وعقلانية وحكمة، تجعلنا نثق بدوره ونعتبره آخر الحكماء في بلاد الحكمة والإيمان؛ وهذا يجعلنا نلقي بأحمالنا عليه ونرجو منه أن يواصل مسيرته الوطنية ويلقى بكل ثقله في سبيل إنقاذ وطنه وشعبه وإخراجهم من دوامة الصراع وشرنقة الأزمات الطاحنة التي تعصف بحاضر ومستقبل اليمن الأرض والإنسان والقدرات.. والمؤسف أن ما يجري في اليمن منذ أكثر من عقد أوصل أطرافه من المتصارعين إلى طريق مسدود، الأمر الذي أصبحت فيه البلاد بأرضها وإنسانها وقدراتها في حالة أزمة وجودية، أزمة تهدد هذا الكيان الجغرافي بكل تاريخه وعراقته وموقعه الجغرافي المهم والاستراتيجي الرابط بين القارات والمتحكم بطرق الملاحة الدولية والتجارة العالمية، وبالتالي تحتاج اليمن اليوم إلى جهود المخلصين من رموزها الوطنية وحكمائها الذين يهمهم أمرها واستقرارها، رجال من أمثال الرئيس علي ناصر محمد الذي أمضى حياته مناضلاً من أجل اليمن الأرض والإنسان، ومن أجل الثورة والوحدة والتقدم والتطور والاستقرار الاجتماعي..
تابعت مؤخراً لقاءً للرئيس علي ناصر محمد أجرته معه قناة (روسيا اليوم) في برنامج (قُصارى القول) الذي يعده ويقدمه الصحفي العربي (سلام مسافر) وخلال اللقاء تحدث الرئيس على ناصر بحديث الحكمة والثقة والرؤية الحصيفة، معبّراً عن رؤيته الوطنية وأهمية إحقاق السلام في اليمن وجمع الأطراف اليمنية على كلمة واحدة من أجل حاضر ومستقبل الوطن، مستعرضاً أحداث الماضي، مشدداً على ضرورة وأهمية الاتعاظ منها وأخْذ العبر، مؤكداً أن كل صراع ينتهي دائماً بالحوار والاتفاق والتوافق.. ولكن بعد خراب مالطا..؟!
رغم قصر مدة البرنامج إلا أن الرئيس علي ناصر وضع من خلاله خلاصة القول وهو ضرورة عودة كل الأطراف إلى طاولة (الحوار الوطني) والاتفاق فيما بينهم على كيفية إعادة الاستقرار وتجنيب البلاد مغبة الانزلاق إلى (الكنتنة) والتقسيم والتمزق الاجتماعي، منوهاً إلى أن الماضي القريب بأحداثه ليس بعيداً عن الحاضر المؤلم، وكما اتفق اليمنيون في الماضي من الطبيعي أن يتفقوا في الحاضر، وليس هناك ثمة مجال آخر يمكنه إخراج اليمن من حالته الراهنة إلا بالحوار، وهذا ما شدد عليه الرئيس علي ناصر محمد خلال مقابلته المهمة رغم قصرها إلا إنها حملت الكثير من المحددات الاستراتيجية الكفيلة بإخراج الوطن من شرنقة الأزمة الراهنة..
قومياً لم يغفل الرئيس القضية العربية الأولى فلسطين، وخاصةً أحداث غزة والعدوان عليها والتخاذل العربي _الإسلامي والتجاهل الدولي منها إلى متابعته لأحداث غزة وفلسطين ساعةً بساعة؛ داعياً إلى أهمية تفعيل المواقف العربية الإسلامية وارتقائها لمستوى الأحداث الدامية في فلسطين، رافضاً فكرة (التطبيع) مع العدو؛ مستذكراً موقف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي رفض عودة الجولان مقابل (التطبيع) مع العدو، قائلاً: لن يرتفع العلم الصهيوني في دمشق طالما كنتُ على قيد الحياة.. مؤكداً على أن الجولان ليست أغلى من فلسطين وأن (التطبيع) مع العدو لن يتحقق قبل أن يرتفع علم فلسطين في القدس.. وانتقد الرئيس علي ناصر العرب المطبّعين الذين هم بعيدون عن حدود فلسطين وليسوا دول مواجهة، وبالتالي ليس لهرولتهم نحو (التطبيع) أثر يُذكر إلا تقديم التنازلات المجانية للعدو وإعطاء المعروف لغير أهله..
أشار الرئيس علي ناصر أيضاً خلال المقابلة إلى تواصله مع جميع المبعوثين الدوليين لليمن منذ بداية الأزمة بدءاً من السيد جمال بنعمر، مروراً بولد الشيخ، إلى المبعوث الحالي، وأيضاً تواصله مع دول وأنظمة المنطقة وأصدقائه في العالم وخاصةً روسيا الاتحادية والصين ودول أمريكا اللاتينية؛ وكل اتصالاته تصب في سبيل إنهاء الأزمة اليمنية وتحقيق السلام الدائم والعادل بين الأطراف المتصارعة، معتبراً ما يجري في البحر الأحمر أنه تجسيد طبيعي لموقف اليمن من فلسطين، وهو أمر ليس جديداً على اليمن التي تقف إلى جانب فلسطين وقضية شعبها منذ زمن؛ ورغم فقر اليمن إلا أنها لم تبخل يوماً على القضية الفلسطينية..
خلاصة القول.. أجدني أرفع القبعة لهذا الرجل الحكيم والزعيم الذي تجب مواقفه وطروحاته الراهنة كل المثالب القديمة التي تلصق به، مع أن البقية ممن شاركوه تلك المرحلة لم يكونوا بدورهم ملائكة. |