يحيى نوري - حمل بيان مباركة المؤتمر الشعبي العام وحلفائه لتشكيل الحكومة الجديدة "التغيير والبناء" مضامين وروئ ناضجة ومسئولة ومتجردة عن أية حساسيات سياسية تنظر للمصلحة الوطنية العليا دون غيرها، وحريصة على تحقيق التحول المنشود للأداء الحكومي وجعله أكثر فاعلية وتأثيراً إيجابياً في خدمة المصلحة الوطنية العليا، وحتى يتمكن هذا الأداء من التعبير الأمثل عن تطلعات السواد الأعظم من أبناء شعبنا ورفع المعاناة عن كاهلهم، التي وصلت إلى حدود غير معقولة في ظل تشكُّل كثير من العوائق، والتي يُعد من أبرزها ضعف الأداء الحكومي وفشله في إدارة الأزمات، باتجاه معالجة قضايا الناس الملحة، وهو فشل قد لا تتحمله الحكومة السابقة بحد ذاتها وإنما فشل بفعل غياب الإرادة السياسية والتي أدى غيابها إلى جعل الأداء الحكومي لا يرتكز على رؤية شاملة، ناهيكم عن حالة الفوضوية والارتجالية التي شابته وبصورة جعلته غير متناغم مع مُثُل وقِيَم الإدارة الحديثة المرتكز نشاطها على خطط وبرامج قصيرة وطويلة يُعد التخطيط لها أسس علمية تراعي عوامل نجاح مختلف البرامج، وتستطيع تشكيل الصورة الكاملة للواقع القادم والمرتقَب الذي يمكن أن تحققه هذه البرامج..
ولكون واقع مُزْرٍ كهذا للأداء الحكومي يتم للأسف الشديد في ظل ظروف صعبة تشهد فيها البلاد والعباد إفرازات العدوان على مختلف الأصعدة والجوانب الحياتية، فإن حجم المعاناة بقي في حالة تزايد، الأمر الذي أنتج تداعيات هي الأخطر على الحياة اليمنية وأضحى استمرارها كواقع يهدد الكيان اليمني، خدمةً للأجندة الإقليمية والدولية، التي لا ريب أنها استحسنت وجود هذا الواقع لتمرير أجندتها باليمن، ولو كان ذلك في ظل أنين اليمنيين جراء ظروفهم الاقتصادية والمعيشية..
وعودة هنا إلى بيان مباركة المؤتمر الشعبي العام وحلفائه لتشكيل حكومة "التغيير والبناء" فإننا نجده وبمضامينه لم يقتصر على المباركة فحسب، بل حرص على تقديم رؤيته بدرجة عالية من الشفافية والوضوح وهو ما مكَّنه من تحقيق وَقْعٍ إيجابي في نفوس ووجدان كل اليمنيين الذين يتطلعون إلى مغادرة واقعهم المعيشي والاقتصادي الكارثي..
حيث أكد البيان على عدد من الحقائق التي لا يمكن تجاوزها من قِبَل أي حكومة تُشكَّل في اليمن أو في أي مكان من عالم اليوم..
وهذه الحقائق سنحاول الوقوف أمامها بصورة سريعة على النحو التالي:
أولاً: الصلاحيات
الصلاحيات الكاملة لتأدية مهامها، حيث نجد هذه الإشارة الكاشفة وما تمثله هذه الحقيقة من أهمية بالغة جعلتها تتصدر مضامين بيان المباركة باعتبارها العامل الأول الذي يستحيل على أي حكومة أن تقوم بتأدية مهامها ومسئولياتها دون أن تكون متمتعة بالصلاحيات الكاملة في إعدادها لبرنامج عملها، وعكْس رؤيتها المهنية والإدارية والإصلاحية على البرنامج، وكذا مواصلة أدائها باتجاه بلورة الأهداف التي شملها برنامجها في إطار من التخطيط والتنظيم السليمين المتمتعين ببرامج مُزمَّنة للتنفيذ والبلورة على الواقع وفي إطار من الإشراف والمتابعة والتقييم والرقابة على كافة مسارات التنفيذ للبرامج من قِبَل مختلف الوزارات والمصالح الحكومية، وبالصورة التي تمنع أية تدخلات في عملها ونشاطها باستثناء الرقابة البرلمانية والتي ستمثل هي الأخرى دافعاً قوياً لها في الاستزادة بنصح نواب الشعب في معالجة أية اختلالات قد تظهر من حينٍ لآخر وبما يعمل على إصلاح أي اعتوار في وقته ويعزز من الأداء الحكومي..
ولا ريب أن الحكومة وفي ظل تمتعها بالصلاحيات الكاملة ستدرك أن هناك إرادة سياسية ستحاسبها وتحمّلها المسئولية عن أي إخفاق أو تعثُّر ينتاب أداءها، وهو ما سوف يدفعها دوماً إلى الاعتماد المهني لمختلف الكوادر المؤهلة والمتخصصة في تنفيذ برامجها، فلا مكان لديها للمحاباة على حساب قضايا ومشكلات مجتمعية وأوضاع اقتصادية متفاقمة..
إضافةً إلى أن هذا التوجه المهني الصرف سوف يدفع الحكومة إلى الاهتمام بكل ما يرتبط بمتطلبات التنمية الإدارية، والاعتماد على رفع مستويات التدريب والتأهيل، وكذا إنتاج البحوث والاستشارات، ومحاولة الاستفادة من كل جديد يطرأ على عالم الإدارة..
ثانياً: قضايا الناس
تمثّل قضايا الناس بمختلف تفاصيلها المحور الأساس والأهم لأي حكومة، وتبني من خلالها برامجها وخططها الطويلة والقصيرة، بحيث تضمن تحقيق التناغم مع المزاج الشعبي وتطلعاته، وكذا تفعيل آليات الرصد والتحليل لدى مختلف مؤسساتها لرصد مختلف الإشكالات التي تعترض تنفيذ برامجها..
ولا شك أن تأكيد بيان المؤتمر وحلفائه على أهمية التعامل مع قضايا الناس قد وضع حكومة "التغيير والبناء" أمام أهم عوامل نجاحها، خاصةً وأن البيان قد أشار إلى ذلك كأولوية تمثل اتجاهاً إجبارياً يجب على الحكومة التعامل المقتدر معه، وعن طريق تبنّي برامج فعالة تضمن تحقيق نقلة على الصعيد الاقتصادي، ومن خلال توجهات عملية بعيداً عن الخطابات المطاطية والوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ..
ومن أبرز المطالب الملحة من الحكومة إيجاد المعالجات السريعة لصرف المرتبات واحتواء ما تركه عدم صرفها من تداعيات خطيرة على الحياة الاقتصادية اليمنية، وحتى يلمس الناس شيئاً جديداً يكون كفيلاً بدفعهم إلى المزيد من التفاعل مع كل ما تعرضه الحكومة من برامج وخطط تتطلب إسهاما اجتماعياً لتنفيذها..
ثالثاً: على الصعيد السياسي
نجد بيان المؤتمر وحلفائه قد أكد على أهمية الحفاظ على السيادة الوطنية وإنجازات شعبنا في الثورة والجمهورية والوحدة، وكذا في التعامل مع مختلف القضايا السياسية حول مجمل القضايا العالقة، والدفع بعملية الحوار الوطني إلى آفاق أكثر رحابةً من أجل إزالة كافة العوائق الكؤدة التي تقف أمام مسيرة عملها، والناتجة عن جمود الحوار السياسي الذي أضحى لا يؤتمَن من تسلل القوى الخارجية من خلاله لفرض أجندتها التي تستهدف النسيج اليمني وسيادته..
وتلك لا ريب مهمة تتطلب رؤية سياسية جامعة تستوعب بعمق مختلف القضايا العالقة في المشهد اليمني..
رابعاً: الرقابة الشعبية
لقد حرص بيان المؤتمر وحلفائه على تذكير الحكومة بأنها ستكون أمام متابعة ورقابة من الشعب، وهو ما يعني أن هذه الرقابة الشعبية ستختلف عن كل صور الرقابة السابقة، وذلك بفعل الأوضاع الراهنة الأكثر تردّياً والتي كنا قد أشرنا إليها سابقاً بأنها لم تعد تُطاق.. ونأمل أن تستغل الحكومة هذه الرقابة في دعم توجهاتها من خلال الانفتاح مع الرأي الآخر والاستماع إليه جيداً وزرع حالة الثقة في وجدان كل المراقبين وعلى رأسهم نواب الشعب، وتحويل هذا الزخم الرقابي إلى برامج مشترَكة تعزز الشراكة معها مع مختلف التفاعلات الشعبية وما تمثله من إطارات ومنظمات إبداعية وجماهيرية كالاتحادات والنقابات.. الخ من المسميات..
خلاصة:
تلك هي رؤية المؤتمر وحلفائه الحالية والداعمة للحكومة والناضجة بمسئوليتها الوطنية والتي تعلو على المصالح والأجندة الضيقة، خاصة وأن المؤتمر وحلفاءه لم يشاركوا في هذا التشكيل الحكومي، وهو ما لم يمنعهم من تقديم النصح والمساهمة مع الحكومة في تشكيل الصورة الكاملة للواقع اليمني وأبرز مشكلاته الملحة والتي لم تعد تحتمل التسويف والشعارية السياسية التي ملَّت الجماهير سماعها
وباتت اليوم في أمسّ الحاجة للجهد الحكومي المسئول الذي من شأنه أن يعيد لها حالة الثقة بكل الوعود الحكومية وأن تجد قريباً جداً برنامجاً حكومياً موجَزاً ومركَّزاً يشمل أهم المشكلات العالقة
التي تتطلب سرعة وضع الحلول والمعالجات لها. |