حسن عبد الوارث - كان العرب يضعون الكُتاب في مرتبة رفيعة من الاهتمام والتوقير.. حتى جاء عصر صار فيه العربي إذا شرع في دخول المستراح، أخذ معه كتاباً للمؤانسة.. ثم بعد أن يشد ذراع السيفون، ينسى الكتاب هناك..
ومع تواتر الأيام وتعاقُب الأجيال، صارت الكُتب تملأ المراحيض.. أو صارت الأخيرة معارض دائمة للكتاب!
حدث يوماً أن الأخ علي سأل الأستاذ عبدالباري طاهر: من هو المثقف؟
وبرغم أن الأخ علي سأل متساخراً، إلاَّ أن صاحبي الأكثر سخريةً من الجاحظ ردَّ عليه ببرود أعصاب، وبسخرية تأخذ بالألباب: هو الذي لا يجيد القراءة ولا الكتابة!
والحق أن المثقف أحياناً - ومن وجهة نظري - قد يجيد الكتابة، لكنه لا يجيد القراءة..
وأعرف بعض المثقفين لم يقرأوا في حياتهم كتاباً سوى دليل الهاتف!
ولعلّ ذلك من دواعي سخرية عيال السوق من المثقفين، فإذا أراد أحدهم إطلاق شتيمة مقذعة - من وجهة نظره - نحو أحدهم، وصفه بالمثقف!
الأدهى حين تكون الثقافة مثلبة في نظر بعض قادة الدول والأحزاب التي تعج بالمثقفين الأصلاء.. وهنا تتجلّى الحقيقة المؤلمة في أن تحيا وتعمل تحت قيادة أرباع المتعلمين وأثمان المثقفين..
أما الأميُّون فقد وجدتهم - في أحايين كثيرة - مثقفين بحق..
في 1979م، استعرَتْ أزمة سياسية بين رفاق النضال والسلطة في عدن، واتجهت السهام نحو عنق عبدالفتاح إسماعيل، وبالضرورة نحو المُقرَّبين منه من الرفاق..
يومها كان خصوم فتاح ينتقدون نزوعه الجامح إلى الثقافة والأدب والكتاب، وأنه يهدر وقته مع المثقفين والأدباء والكُتَّاب.. ولم يهدأ لهؤلاء بال إلاَّ بعد أن أزاحوه عن قيادة الحزب والدولة في 1980م..
والحال ما زالت هي الحال، لذا ستظل جذور الأزمة ومظاهرها هي ذاتها منذ القِدَم..
وعليك - صديقي العزيز - أن تتأمل البيئة جيداً، فإذا وجدت النهيق يستشري عبر موجات الأثير، فاعلم أن فيروساً قد أصاب البلابل بإنفلونزا حادة! |