عبدالجليل أحمد ناجي - ألاحظ أن البعض في وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض المواقع الصحفية ما زال يستجر الإشاعات والصراعات ما قبل 2011م.. لذا نقول لهم دعوها للتاريخ هي كانت بسبب الحسابات الخاطئة والأطماع والغباء السياسي والسير خلف الأجندة الخارجية.. وللأسف بعض السياسيين كان لديهم قليل "فهلوة"؛ وكان الإعلام يلمّعهم وهم لا يملكون أدنى فكر عميق، والآن يحاولون الهروب من ماضيهم بنفس الأدوات والمعطيات السابقة ..
بالعقل.. نحن في وضع جديد؛ كل تنظيم وقائد سياسي عليه أن يحسب كم رصيده الإجمالي من الفشل والخيبات والمؤامرات والأخطاء، وكم رصيده من النجاحات والإيجابيات..
اليوم البلاد تعرضت لأكبر كارثة في التأريخ، حروب وصراعات ودمار وتمزيق ومناطقية وطائفية وتراجع مخيف في خدمات البنية التحتية والصحة والتعليم..
والشعب قد نضج وقَيَّم وحكم.. فهل سنتجرد من الأحقاد، ونقيّم كل مراحلنا بموضوعية؟!.. لأننا في معيار التاريخ سنكون جيلاً فاشلاً بسبب فشل النخب بمن فيهم رجال الدين والجماعات الدينية والأحزاب السياسية التي كانت فاعلة..
نحن اليوم في المؤتمر الشعبي العام وبمناسبة حلول الذكرى الـ42 لتأسيسه، نريد أن نقف وقفة جادة أمام تجربة التأسيس منذ 24 أغسطس 1982م ..
المرجعية الفكرية :-
قام المؤتمر الشعبي العام على أساس مرجعية فكرية شاملة وناضجة نابعة من الإرادة الشعبية والإجماع الوطني ممثلة في الميثاق الوطني الدليل الفكري والنظري للمؤتمر الشعبي العام وهذه النظرية قامت على مرتكزات دينية وتأريخية وسياسية ووطنية واجتماعية وثقافية وإدارية واقتصادية، وعبرت بوضوح عن خلاصة تجارب ناضل من أجلها شعبنا في شماله وجنوبه وشرقه وغربه خلال مراحل قيام الثورة اليمنية للتخلص من الحكم الكهنوتي الإمامي والتحرر من الاستعمار البريطاني فكانت أهداف الثورة اليمنية هي أحد المراجع التي ارتكزت عليها نظرية الميثاق الوطني وهي :
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
3- رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
كما بلورت الحقائق الخمس في الميثاق الوطني أهم المرتكزات التي خلص إليها المتحاورون والتي أجمعت عليها كل القوى السياسية؛ وهي :
"الحقيقة الأولى :
إن شعبنا لم يصنع حضارته القديمة إلا في ظل الاستقرار والأمن والسلام، ولم يتحقق له ذلك إلا في ظل وحدة الأرض والشعب والحكم، ولم تتحقق له الوحدة إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية..
الحقيقة الثانية :
إن كل الأحداث الدامية عبر تاريخ اليمن الطويل قد زعزعت كل شيء في حياة الإنسان اليمني إلا إيمانه بالله وتمسكه بالعقيدة الإسلامية ..
الحقيقة الثالثة :
إن التعصب الأعمى لا يثمر إلا الشر، وأن محاولات أية فئة متعصبة للقضاء على الآخرين أو إخضاعهم بالقوة قد فشلت عبر تاريخ اليمن كله، وأن الاستقرار الجزئي أو الشامل لليمن في ظل حكم يتسلط بالقوة ويتسلط بالدجل والخديعة لا يدوم طويلاً وغالباً ما ينتهي بكارثة بعد أن كان نفسه كارثة على الشعب، وأن الحوار الواعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق حياة أفضل للجميع..
الحقيقة الرابعة :
إن مجتمعنا اليمني بدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية غير قادر على تعزيز وحدته وغير قادر على استغلال ثروته المادية والبشرية وإحداث التطور والتقدم والحفاظ على السيادة الوطنية..
الحقيقة الخامسة :
ان مجتمعنا اليمني كان وما يزال يؤكد رفضه أشكال الاستغلال والظلم مهما كانت أصولها ومصادرها، ويؤكد في الوقت ذاته حرصه على الاستقلال والأمن والإيمان"..
ما أحوجنا اليوم للعودة إلى هذه النظرية السياسية التي كانت خلاصة لمقاربات فكرية وطموحات مشتركة لكل اليمنيين ..
يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح: (الميثاق الوطني هذه الوثيقة اليمنية التي قد تكون الوحيدة ـ بعد الدستور طبعاً- التي تم طرحها للاستفتاء الشعبي وجاءت الموافقة عليها بالإجماع).. ويقول: أيضا: "أن عدداً كبيراً من ممثلي القوى الوطنية قد شاركوا في صياغة هذا الدليل النظري.. وأضاف: أن الحديث عنه الآن ليس باعتباره الدليل النظري للمؤتمر الشعبي العام، وإنما بوصفه الوثيقة التي تعيد القارىء إلى أجواء ذلك المناخ الاستثنائي بما خلقه من تقارب وحشد للطاقات ساعد -يومئذ - على الخروج من عنق الزجاجة "..
أما الدكتور عبدالملك المقرمي استاذ علم الاجتماع: فمن خلال قراءته لمفهوم الوسطية من منظور فلسفي في الميثاق الوطني فيؤكد أن الميثاق الوطني قد سلك في تقريره للمفاهيم خطاً وسطاً تلتقي عنده كل الأطياف السياسية، فهو لا يضع الماضي في قوالب جامدة لكنه ينطلق من خلاله إلى بناء الحاضر بكل عناصره المعاصرة؛ حيث قال: "نصوص الميثاق تقبل بفكرة التقدم والتغيير والخروج من العزلة وإقامة نظام سياسي ديمقراطي برلماني ودولة يملكها الشعب وبنفس الوقت تتمسك بالقِيَم الإسلامية العريقة ومُثُل وقِيَم الدين الحنيف بكل تساميه وعلو شأنه، وفي ذلك تعبير متوتر وقلق عن موقف تعادلي توازني يضمن لكل قوى المجتمع قدراً متساوياً من المشاركة والإسهام في قيادة التقدم والتغيير.. وأضاف د. المقرمي: ان الميثاق واضح في إصراره على أن يظل الإسلام ديناً وشريعة، ولكنه يصر بالمقابل على إقامة دولة قوية قائمة على الديمقراطية وتمثل الشعب بكل فئاته، أي أنه لم يقر فئة بعينها كفئة حاكمة أو قائمة على شؤون الأمة بل ترك الأمر مفتوحاً وبذلك خرج عن سباق التغيير الأيديولوجي أو أحادية الدعوة الفكرية"*..
أي أن خط التوازن الفكري والمنهجي (الوسطية والاعتدال) الذي تضمنه الميثاق الوطني والتزم به المؤتمر الشعبي العام وسار عليه في جميع المجالات الدينية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد فتح ٱفاقاً كثيرة أمام المؤتمر لإعداد خطط وبرامج تطويرية في كل المجالات، وحقق إنجازات كثيرة في فترات زمنية قياسية وذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل أصالة ومرونة مرجعيته الفكرية التي ساهمت في إحداث تحولات قوية وسريعة ومتمكنة عزز من ذلك قدرة المؤتمر على استقطاب خبرات وكفاءات قيادية وإدارية وفنية في كل مجال وكذلك سرعة التحول في تعليم وتأهيل القدرات البشرية سواء من خلال تطوير مراحل التعليم داخل اليمن بمختلف مراحله العام والعالي، أو من خلال توسيع حركة الابتعاث للطلاب إلى جامعات في أنحاء العالم؛ وما رافق ذلك من بناء مؤسسي وهيكلي وتشريعي - ثلاثة عقود سوف تظل بتحولاتها وكثافة إنجازاتها واسطة العقد وعلامة مضيئة في تأريخ اليمن المعاصر..
بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، شراكةً بين تنظيمي المؤتمر الشعبي العام ويتزعمه الزعيم علي عبدالله صالح أمين عام المؤتمر الشعبي العام حينها، والحزب الاشتراكي اليمني ويتزعمه المناضل علي سالم البيض أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني حينها، كانت الوحدة خطوة جبارة سبقتها مراحل من الحوارات والمباحثات؛ وكان الـ22من مايو يوماً مشرقاً وبهيجاً استقبله اليمنيون في الشمال والجنوب بفرحة، وقد حمل دستور الجمهورية في طياته مجمل طموحات وتطلعات الشعب اليمني؛ ورغم المؤامرات الخارجية وأدواتها في الداخل فقد تحققت الوحدة اليمنية وانطلقت مرحلة التعددية السياسية -حدثت أخطاء لكننا سنذكرها في حديث آخر عن الوحدة.. في هذه المرحلة كان لزاماً على المؤتمر الشعبي العام أن يعيد تكييف نفسه من تنظيم حاكم يمثل مظلة لكل القوى السياسية، إلى تنظيم شريك في إطار التعددية السياسية لمن يؤمن بنظرية عمله ونهجه السياسي الميثاقي، فأجرى تعديلاً طفيفاً في نصوص الميثاق الوطني وعمل على تطوير هياكله التنظيمية وأنظمته ولوائحة الداخلية؛ ورغم ما شهدته الساحة اليمنية من تناقضات فكرية وسياسية ودينية وفي ظل وجود قوى مزايِدة كانت تسعى دائماً لخلط الأوراق تارة باسم الدين، وتارة باسم السياسة أو المناطقية، ما أدى إلى خلق أزمات وتوتر واغتيالات وصولاً إلى دورات عنف.. في خِضَم هذه الأحداث والتي كان يتسم بعضها بطابع التهور المفرط حد المساس بالمكتسبات الوطنية، عمل المؤتمر الشعبي على بلورة عدد من الثوابت والمبادىء الدينية والوطنية والسياسية أصبحت تمثل أصولاً ثابتة في مسار نهجه السياسي، ومحددات لمسار علاقاته السياسية الداخلية والخارجية.. ومازال المؤتمر إلى اليوم في ظل قيادة المناضل الأستاذ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر، ثابتاً على مبادئه ومرجعياته؛ وقد تمحورت هذه المبادىء والثوابت الوطنية فيما يلي:
١. التمسك بديننا الإسلامي الحنيف منهجاً وسلوكاً، وفقاً لمنهج الوسطية والاعتدال والتسامح ورفض كل أشكال الغلو والتطرف أو التفريط..
٢. التمسك بالنظام الجمهوري ومبادىء وأهداف الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م ..
٣. الالتزام بالنهج الديمقراطي الشوروي القائم على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات وحماية الحقوق والحريات وقِيَم العدالة والمساواة لكل أبناء المجتمع اليمني..
٤. الولاء الوطني مبدأ شريف لاينسجم بأي حال من الأحوال مع التبعية أياً كان شكلها أو نوعها..
٥. الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه وسيادته واستقلاله..
٦. الانتصار لقضية الشعب اليمني ضد العدوان البربري الخارجي من قِبَل دول التحالف، والوقوف في صف القوى الوطنية للدفاع عن اليمن وأمنه واستقراره وسيادته على كامل أراضيه وتأكيد حق الشعب في المقاومة؛ ورفض كل سبل العمالة والارتزاق والارتهان؛ والتأكيد على حق الشعب اليمني في تحقيق سلام عادل وشامل يضمن كل حقوقه، وجبر كل الأضرار الناتجة عن العدوان والحروب*..
٦. الانتصار لقضايا الأمة العربية والإسلامية العادلة وفي مقدمتها قضية الشعب العربي الفلسطيني وما يتعرض له من عدوان وحروب إبادة من قِبَل الكيان الصهيوني..
ختاماً:
خلال فترة أربعة عقود وعامين من مسيرة المؤتمر الشعبي العام تميزت بأنها مسيرة فكرية وسياسية ثابتة تنطلق من مرجعيات دينية ووطنية وسياسية أصيلة كان لها انعكاساتها الإيجابية على كل مسارات الحياة.. ومازال المؤتمر -رغم كل الأحداث والمؤامرات التي كانت تهدف إلى النيل منه واجتثاثه- صامداً شامخاً راسخاً متمسكاً بمشروعه الوطني الكبير والذي لا تزال بصماته المشرقة في عقل وقلب كل يمني..
ونتطلع إلى مستقبل مشرق للمؤتمر الشعبي العام الذي يقف على رأس قيادته أحد أساطين النضال الوطني ورجل البناء والتطوير الأستاذ صادق بن أمين أبوراس، مسنوداً بكوادر وخبرات تمثل صفوة المخزون البشري لليمن، وبهم سيبقى المؤتمر قوة فاعلة في إطار شراكة وطنية حقيقية تخدم اليمن ومن أجل اليمن...
--------+---------
المراجع :
١. الميثاق الوطني .
٢. أهداف الثورة اليمنية .
٣. د. عبدالعزيز المقالح مقال من الحيرة إلى الحوار ومن الحوار إلى الميثاق كتاب المؤتمر الشعبي العام في عقده الثاني ١٩٨٢-١٩٩٥م دار النبراس للطباعة والنشر.
٤. أ. د. عبدالملك المقرمي فلسفة التوازن في الميثاق الوطني (دراسة في المضمون).. 1995م .
٥. وثائق ومخرجات الدورة الثالثة عشرة للجنة الدائمة 8 يونيو 1993م .
7. البيان الصادر عن اجتماع اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام- وكالة سبأ 2 مايو 2019م .
|