بقلم/عباس الديلمي -
هل هي كراهية للوطن؟! هل هو حقد على إنجاز وحدوي كبر به اليمن؟ أم أنها أنانية تضخمت الى درجة الاستهانة بالوطن وأجياله.
أسئلة ثلاثة - تتصدر أسئلة كثيرة - تتولد مما تشهده الساحة باسم ما يمكن تسميته بالفوضى الهدامة، وان كان البعض يرى انها تسير بالطريقة الامريكية (أي الخلاقة) التي لم يساعدها الحظ منذ اخفقت في أول تجربة لها في اكثر من بلد ابتداءً بالعراق.
اسئلة تولدها تلكم التصرفات والممارسات التي خرجت بالديمقراطية باندفاع مدمر كما يخرج قطار سريع من سكته فيلحق الأذى بمن عليه وبما حوله وامامه.
نقول هذا او نستمد هذا التشبيه بعد ان حدث ما جعل الديمقراطية قفزاً على القوانين والأنظمة وجعل نهب الممتلكات الخاصة بديلاً عن الاعتصام، وتدمير المنشآت بديلاً عن المظاهرات والمسيرات السلمية ونشر ثقافة البغضاء والكراهية بين ابناء البلد الواحد وإحداث الشروخ في الوحدة الوطنية بديلاً عن النقد البناء والتعبير عن الرأى ومعالجة الاختلالات، وتسمية الاخطاء بمسمياتها.
وعندما نستثني من لا يقولون بشيء اسمه الديمقراطية ولا يقبلون بها نستطيع القول: الكل مجمع على الوحدة التي استعادها اليمنيون بالديمقراطية، التي هي حصانتها وجميعنا حريص على حمايتها كحرصنا على حرية الرأي والرأي الآخر وعلى الحقوق والواجبات والحريات وحق الناس في التظاهر والاعتصام والتداول السلمي للسلطة ونقد الاخطاء والسلبيات...... الخ.
ولكن هل هناك من يتمتع بعقل سليم وضمير حي ويقبل بالتخريب والاعتداء على المنشآت ونهب الممتلكات ونشر ثقافة الكراهية بين ابناء البلد الواحد على أساس مذهبي أو جغرافي أو سلالي أو طائفي؟ هل هناك من يقول بتدمير ما صنعه وحافظ عليه الرواد من الوطنين وطلائع المثقفين؟! وهل هناك من يتبنى ما عجز المستعمر عن تحقيقه وان بعد اكثر من اربعة عقود من رحيله..؟!
ما يفخر به طلائع المجتمع اليمني من ادباء وشعراء ومفكرين وسياسيين أنهم حافظوا على البنية الثقافية لوطنهم وأغلقوا كل المنافذ امام سياسة التمزيق والتفريق الاستعمارية ان اتصلت بشرخ التشطير الى البنية الثقافية وان انجازهم هذا هو ما هيأ المناخ المناسب لإعادة وحدة الوطن في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
وإذا ما كنا نسجل للرموز من مثقفينا وسياسيينا ومناضلينا هذا المجد فإن المجد نفسه يتوج رؤوس أجيالنا المعاصرة من القائد الى الفلاح والعامل ورجل الشارع البسيط لأن ايمان الجميع بوحدة الوطن كالايمان بالله يتساوى فيه الجميع، وجميعنا يذكر - وان كان اربعون في المائة من سكان الجمهورية هم من مواليد عهد الوحدة المباركة - كيف كان التشكيك في استعادة وحدة الوطن خيانة في نظر الكل، وان اي تعبير او اشارة إلى مجافاة اي عمل وحدوي بمثابة الإفصاح عن فعل مشين وقبيح، ناتج عن شذوذ فكري وخلل في الشعور بالانتماء..
قد يقول البعض: ان الاستعمار قد نجح في خلق حركة صغيرة رفعت شعار (عدن للعدنيين) ولكنا نقول: وماذا كان رد الشارع اليمني عليها ابتداءً من مدينة عدن التي لن ينسى التاريخ رد فعل ابنائها على ذلك الصوت الذي ارتفع ذات يوم بدعوة الى دولة مذهبية..
وبماذا كان اسكاته كما ان وقوف الاستعمار خلف تلك الدعوة، ما هو الا دليل فشله في تكريس تمزيقه لاوصال الارض اليمنية، وعجزه عن الوصول الى البنية الثقافية الواحدة لوطن واحد.. وانه قد فشل في ذلك حتى مع السلاطين - الذين تعرضوا لما تعرضوا له بعد انتصار الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر بدافع انجراف سيلها - لقد كانوا وحدويين وهذا ما اوجب اعادة الاعتبار إليهم..
نعم كان السلاطين وحدويين.. مفعمين بشعور الانتماء لوطن واحد وهذا ما تثبته الوثائق، والرسائل الموثقة، كما ان فشل الاستعمار في مسعاه التمزيقي، قد تمثل في ردود افعال كثيرة ابرزها الثقافة الوحدوية التي نشأ عليها الحزب الاشتراكي اليمني وربىَّ كوادره على مبادئها، ونشر ظلالها في عموم اليمن منذ كان له فضل احباط مخطط تقسيم الشطر الجنوبي من الوطن الى ثلاث وعشرين سلطنة ومشيخة وإمارة، الى ان كان الجناح الثاني لليمن الذي حلّق في 22 مايو 90م.
بعد هذا نقول ونتساءل: من وراء تلك الممارسات الخاطئة؟! وما دوافع نشر ثقافة الكراهية والفرقة داخل البيت الواحد والاسرة الواحدة؟ ومن يشد حبال تلك الاصوات النشاز بما هو مناطقي ومذهبي، وبكل رجعية متعفنة بروائح ورطوبة الكهوف المظلمة؟!!