عبدالسلام الدباء * - في كل عام، يتجدد الاحتفاء بذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام، ذلك التنظيم الوطني الرائد الذي شكّل على مر العقود رمزاً للبناء والتنمية والوحدة والديمقراطية والسلام.. وقد تأسس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982م في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية دقيقة، ونجح في ترسيخ قِيَم وطنية أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من الهوية اليمنية..
ومنذ انطلاقته، حمل المؤتمر الشعبي العام رؤية واضحة تتمثل في بناء دولة مدنية حديثة ترتكز على التنمية المستديمة والشراكة الوطنية.. وبفضل تلك الرؤية، لعب المؤتمر دوراً محورياً في تطوير البنية التحتية في مختلف المناطق اليمنية، بدءاً من المشاريع التعليمية والصحية وصولاً إلى تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تطوير القطاعات الإنتاجية..
وعلى مر السنين، فقد كان المؤتمر رائداً في تبنّي سياسات تركز على الإنسان اليمني، سواء من خلال تقديم الدعم للمزارعين والصناعيين، أو من خلال الاستثمار في التعليم العالي وتطوير الكفاءات المحلية.. ولم يكن الهدف فقط هو تحسين الأوضاع الاقتصادية، بل كان يسعى لبناء مجتمع يمني مزدهر قادر على مواجهة التحديات..
وتُعد أحد أعظم إنجازات المؤتمر الشعبي العام، عملية توحيد اليمن عام 1990م، والتي اعتُبرت بمثابة القفزة النوعية نحو بناء الدولة اليمنية الحديثة.. وقد كان المؤتمر هو القوة الدافعة وراء هذه الخطوة التاريخية، حيث بادر إلى حوار وطني شامل تمخَّض عنه تحقيق الوحدة السلمية بين شطري اليمن.. ومنذ تلك اللحظة، أصبح المؤتمر رمزاً للوحدة الوطنية، متجاوزاً كافة الصعوبات التي حاولت تفتيت هذا الإنجاز..
وفي سياق آخر، كان المؤتمر دائماً مدافعاً عن قِيَم الديمقراطية والتعددية السياسية.. فمنذ تأسيسه، دعم المؤتمر فكرة التعددية الحزبية وحرية التعبير، مما ساعد في خلق مناخ سياسي أكثر انفتاحاً وتنافسية.. وكانت الانتخابات الحرة والنزيهة جزءاً من هذا التوجه، حيث حرص المؤتمر على تمكين المواطنين من اختيار ممثليهم بشكل ديمقراطي حر ومتاح للجميع..
ومنذ تأسيسه، فقد كان السلام والاستقرار في صميم أولويات المؤتمر في مواجهة العديد من التحديات، سواء الداخلية أو الخارجية، وقد سعى المؤتمر دائماً إلى إيجاد حلول سلمية للمشكلات، رافضاً اللجوء إلى العنف كوسيلة لحل الخلافات.. وكانت مبادراته في مختلف المحافل تهدف إلى تحقيق الاستقرار الوطني والحفاظ على اللحمة الاجتماعية اليمنية..
وفي ظل هذه الصراعات المستمرة التي تعصف باليمن اليوم، فإن دور المؤتمر الشعبي العام يتجدد كصوت عقلاني يدعو للحوار والسلام برغم كل الظروف القاسية، ولا يزال يشدد على ضرورة الحفاظ على وحدة الوطن والسعي نحو حلول سياسية توافقية تضمن مستقبلاً أفضل لليمنيين جميعاً..
ولا يتوقف المؤتمر الشعبي العام عند الماضي وإنجازاته، بل يضع نصب عينيه المستقبل برؤية متجددة تواكب التغيرات المحلية والإقليمية والدولية.. ويرى المؤتمر أن الطريق نحو بناء اليمن الجديد يمر عبر تعزيز قِيَم الحوار والتسامح وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس العدالة والمساواة والديمقراطية..
ويضع المؤتمر في استراتيجيته للمستقبل أولوية قصوى لإعادة إعمار ما دمرته الصراعات، وتحقيق التنمية المستديمة التي تضمن تحسين حياة المواطنين.. كما يولي اهتماماً خاصاً بتطوير الشباب وتعزيز دورهم في عملية صُنْع القرار، باعتبارهم أمل اليمن ومستقبله..
واليوم وفي الذكرى الـ 42 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام، فإننا نستذكر تاريخاً حافلاً بالإنجازات التي أسهمت في بناء اليمن وتعزيز وحدته واستقلاله.. وأن هذا التنظيم الوطني العريق، الذي قاد مسيرة التقدم والبناء لعقود ماضية، ما يزال رمزاً للأمل والتطلع نحو المستقبل الأفضل برغم كل التحديات الراهنة، انه وسيبقى حارساً لقِيَم الديمقراطية والوحدة والسلام، ومؤمناً بدوره المستمر في خدمة الوطن والشعب داخل الوطن وخارجه.
* مستشار وزارة الشباب والرياضة
|