د. منى يحيى المحاقري* - مسيرة المؤتمر كحزب وطني مسيرة طويلة؛ امتدت لأكثر من أربعة عقود حافلة بالإنجازات التي شهد بها القاصي والداني، وتجلت ملامحها في استكمال أسس بناء الدولة اليمنية الحديثة، التي شكلت نواتها مع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المباركة..
وسوف يتركز حديثي على دور المؤتمر الشعبي العام في دعم مسيرة المرأة اليمنية والعمل على تمكينها في كافة المجالات العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية، بشكل هادئ ومتدرج ومدروس، يراعي طبيعة وخصوصية المجتمع اليمني المسلم والمحكوم بالعادات والتقاليد المحافِظة في معظم مناطقه الجغرافية..
فقد كان المؤتمر الشعبي العام من أول الأحزاب التي أطلقت مبادرة لتعزيز دور النساء في الحياة السياسية عام 2005م، باسم مشروع "نساء يمنيات في مواضع صُنْع القرار"؛ وقد طرحت المبادرة أن تتم عملية التعزيز تلك من خلال القيام بإجراءات على ثلاثة محاور:
الأول: على مستوى التنظيم نفسه؛ من خلال تشكيل قاعده تنظيمية للنساء أسوة بالجماعة التنظيمية للرجال.. وعلى المستوى القيادي يُنتخب للمركز قيادة تضم ثلاثة رجال وامرأتين، وتشكَّل قيادة فرع التنظيم بالمديرية أو الدائرة من ثلاثة رجال وعدد مماثل من النساء، أما قيادة فرع المحافظة فتتكون من 7 رجال و4 نساء، وأن تمثل المرأة في اللجنة الدائمة بنسبة10% من إجمالي الأعضاء، وبنفس النسبة في اللجنة العامة..
الثاني: في إطار مؤسسات المجتمع المدني والمشاركة السياسية عامة؛ حيث اقترحت المبادرة إجراء حوار مع الأحزاب السياسية في الساحة الوطنية للتوصل إلى اتفاق يضمن حصول المرأة على 10% من المقاعد النيابية، ونسبة (15-20%) من المقاعد في المجالس المحلية للمحافظات والمديريات، وزيادة تمثيل المرأة في المؤتمرات الداخلية والخارجية وقيادة مؤسسات المجتمع المدني وعضوية اللجنة العليا للانتخابات، وإعطاء المرأة 5% من إجمالي عدد أعضاء اللجان الانتخابية..
الثالث: في إطار الوظيفة العامة، حيث تقترح المبادرة أن تمثل 10% من إجمالي مقاعد مجلس الشورى، وزيادة حصة النساء من المناصب القيادية في الجهاز الإداري والسلك الدبلوماسي والسلطة القضائية، ومشاركة المرأة في الوفود الرسمية الخارجية..
لقد كانت هذه المبادرة تُعتبر غاية في الإيجابية وتعبّر عن رؤية واقعية بعيدة المدى لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة وفي مواقع صُنْع القرار، والتي تبلورت فيما بعد في عام 2014م في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والتي أكدت على نسبة 30% للمشاركة السياسية للمرأة..
لقد عملت كثير من الأحزاب في الماضي على المزايدة بقضايا المرأة في خطابها السياسي، واعتبارها مشروعاً للتصويت والتظاهر والمشاركة الصورية والديكورية، ولكن المؤتمر الشعبي العام أثبت من خلال العديد من المبادرات والتطبيق العملي إيمانه بأهمية مشاركة المرأة، وأن قضية المرأة ليست موضوعاً للمزايدة، وإنما هي تعبير عن تطور في مستوى الإدراك بأن مشاركتها كانت ولا تزال مطلباً ضرورياً للتنمية، خاصةً وأن التجربة كشفت أن أي تغيير أو تحديث للمجتمع يتطلب أولاً التعزيز السياسي للمرأة، وأن أي تنمية حقيقية لا تأخذ بالاعتبار دور المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والعامة ومواقع صُنْع القرار، لا تلاقي نجاحاً ويصيبها التعثُّر والفشل..
ولستُ بحاجة إلى القول إن المرأة في ظل مسيرة المؤتمر الشعبي العام شهدت عصرها الذهبي من خلال مشاركتها كناخبة ومرشحة، ومشاركتها في الهياكل التنظيمية العليا للحزب، وأُتيحت لها الفرص للانخراط في التعليم العام والجامعي والعالي، وفرص الابتعاث؛ والمشاركة كوزيرة، وسفيرة وعضو مجلس نواب وعضو في مجلس الشورى وغيرها من المجالس المنتخبة؛ وكذلك مشاركتها في القضاء..
وبعد ما يقارب عقدين من الزمن على إطلاق هذه المبادرة، لا تزال مشاركة المرأة متدنية للغاية في كافة القطاعات، ويمكنني القول إنها تراجعت كثيراً نتيجة للمتغيرات السياسية منذ اندلاع العدوان على اليمن 2015م، ولا تعكس المكانة الحقيقة للمرأة، والتي لا تعوقها قيود من الناحية الدستورية أو القانونية، ولا تعكس نضالات المرأة وتضحياتها ومشاركتها في التنمية على مستوى الريف والحضر، ولا يتناسب مع تعددها السكاني فهي تشكل فعلياً ما نسبته 50% من المجتمع اليمني..
ونحن اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها العريض"التغيير والبناء"، هي دعوة مخلصة من كل نساء اليمن إلى فخامة الرئيس المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى وجميع أعضاء المجلس الموقر، وهي كذلك لرئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي وأعضاء الحكومة المشكَّلة حديثاً، وإلى رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام الشيخ صادق بن أمين أبو راس، إلى إعادة الاعتبار للمرأة اليمنية، وإعادة تفعيل مبادرة تعزيز مشاركتها السياسية في اليمن.
*أكاديمية بجامعة صنعاء
رئيس مؤسسة "شهرزاد" الثقافية
|