خالد سعيد الديني* - يحتفل المؤتمر الشعبي العام بالذكرى الثانية والأربعين لتأسيسه في 24 أغسطس 1982م، كأول تنظيم سياسي يمني لم يرتبط بأي أيديولوجيات أو أفكار خارجية كما كان الحال آنذاك، حيث كان معظم الناس في البلدان العربية ومنها اليمن ينتمون أو ينخرطون سياسياً في التكتلات أو القوى السياسية المرتبطة بالنظريات الاشتراكية أو الرأسمالية أو تلك التي ارتبطت بحركات التحرر الوطنية لكنها كانت أيضاً ذات بُعْد دولي..
ومع أن اليمن بشماله وجنوبه كان يعيش حقبة من الشمولية السياسية من خلال تحريم العمل الحزبي في الشمال رغم انخراط الكثيرين في تيارات سياسية سواءً التيارات اليسارية أو التيارات الدينية؛ واقتصاره في الجنوب على الانخراط طوعاً أو كرهاً في الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم كحزب واحد، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على صراع شطري وصل حد الحروب الدموية؛ ولذلك ما أن تم تأسيس المؤتمر الشعبي العام في شمال اليمن إلا وكان ذلك إيذاناً بنقلة كبيرة على المستوى السياسي وعلى المستوى المتعلق بعلاقة شطري البلاد ببعضهما..
وبعبارة أوضح ففي شمال اليمن مثَّل تأسيس المؤتمر -بمشاركة مختلف شرائح المجتمع وممثلين للقوى السياسية السرية- تحوُّلاً لمناخ سياسي مُغايِر عن الشمولية وتحريم وتجريم الحزبية، ومَنَحَ الناس متنفساً للتعبير عن آرائهم ومواقفهم.. أما على مستوى العلاقة بين شطري البلاد فقد كان المؤتمر هو القوة السياسية التي سهلت ويسرت الحوارات بين نظامي الشطرين، ما أدى إلى تسارع وتيرة الخطوات الوحدوية التي نجحت في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م..
وبعيداً عن الخوض في سرد تاريخ المؤتمر الشعبي العام، إلا أنه يمكن لنا كمؤتمريين ونحن نحتفي بمرور 42 عاماً على تأسيس تنظيمنا الوطني اليمني الرائد أن نذكّر بأن تجربة تأسيس المؤتمر مثَّلت حالة يمنية نجحت في إزالة غبار وسلبيات الشمولية، وشكَّلت تجربة ملهمة لجمع الناس باختلافاتهم وتنوعاتهم في طاولة واحدة تستطيع الأخذ بالمشترَكات، وصياغة رؤية لمستقبل الوطن بناءً على ما يجمع ولا يفرّق؛ وهو الأمر الذي يحتاجه اليمن واليمنيون في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى خصوصاً في ظل ما تمر به البلاد جرَّاء الحرب والعدوان لأكثر من تسع سنوات، ناهيك عن التبعات والنتائج الكارثية التي لا تزال تَفِتّ في عضد الوطن جغرافيا وإنساناً مع تحولات وتطورات إقليمية ودولية تؤثر سلباً على واقعنا الداخلي بشكل كارثي..
إننا كمؤتمريين ندرك أن المؤتمر ليس تنظيماً مثالياً فله أخطاؤه وعثراته، لكننا نعلم أن المؤتمر كتنظيم يمني كان وسيظل نموذجاً إيجابياته كثيرة سواءً كتنظيم يمني خالص أو كقوة سياسية ساهمت وشاركت في تبنّي وترسيخ النهج الديمقراطي التنافسي، ومَنْح الشعب حق اختيار حكامه؛ وكان له شرف قيادة البلد لسنوات طويلة نجح خلالها في أن يكون عنواناً للوحدة والتعايش والتسامح والتنمية.. ولعل تجربة تأسيسه القائمة على الحوار هي نموذج يحتاجه اليمنيون اليوم للملمة شتاتهم وتفرُّقهم والجلوس على طاولة وطنية بعيداً عن أي تدخلات خارجية من أجل صياغة رؤية لمستقبل اليمن الكبير الموحد الذي يقوم على أساس دولة العدالة والمواطنة المتساوية والحرية والتنمية والتنافس من أجل الشعب والوطن.
* عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام |