فازع خالد المسلمي* - إن المتأمل في تاريخ اليمن المعاصر، يجد أنه لا يختلف اختلافاً جذرياً عن تاريخه الحديث والقديم؛ فاليمن على مر العصور لم تشهد استقراراً تاماً شمالاً وجنوباً لعدة أسباب سياسية واقتصادية وغيرها.. فمن الأسباب السياسية الصراع على السلطة والانقلابات المتكررة، والإطاحة بالاغتيالات والانقلابات بعدد من الرؤساء سواء في الشمال أو الجنوب؛ فتلك الصراعات السياسية لا شك ألقت بظلالها على الجوانب الأخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكل نواحي الحياة.. ونتيجة لكل هذه الأسباب، وبعد تفكير عميق في الأوساط السياسية اليمنية بكيفية احتواء تلك الصراعات، والقضاء عليها كلياً، وبما يكفل تحقيق التنمية الشاملة في البلاد في أجواء سياسية هادئة في كل مناطق الجمهورية بشكل متساوٍ وعادل، وضمان حقوق الأفراد والجماعات والأحزاب وجميع القوى الوطنية، من قِبَل الدولة، وجذب المستثمرين الأجانب للاستثمار في بلادنا، وبعد التشاور مع كل القوى الوطنية، ظهرت فكرة تأسيس المؤتمر الشعبي العام، ورحبت بها جميع القوى السياسية، كونها فكرة ستخلق تحولاً جذرياً في تاريخ شعبنا، وبما يتواكب مع عاداته وتقاليده، ويعكس أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين..
وبالتالي تم عقد عدد من اللقاءات بين كافة القوى الوطنية بمختلف توجهاتها الفكرية والمذهبية والسياسية، وتم تشكيل لجان مختلفة من كل تلك القوى لبلورة فكرة المؤتمر الشعبي والخروج بميثاق بمثابة وثيقة شرف ودستور تتوافق عليها كل القوى الوطنية.. وبعد كل النقاشات والجلسات، تم التوافق على مسمى المولود الجديد باسم المؤتمر الشعبي العام، وميثاقه الوطني المنبثق من الشريعة الإسلامية الغرَّاء، وتشكلت هيئات المؤتمر من كل القوى الوطنية دون استثناء..
فبتأسيس المؤتمر الشعبي العام، استقرت البلاد مما جعل السلطة السياسية آنذاك، وبتعاون جميع القوى الوطنية الشريفة، تعمل على ترجمة مخرجات الحوار إلى برامج عمل في الميدان اليمني على المستوى التنموي والسياسي والتعليمي والاقتصادي.. الخ؛ ومن ثم حدث تغير جذري في كل هذه المجالات، فعلى سبيل المثال على المستوى التنموي والبنية التحتية، تم بناء عدد كبير من المدارس، والمستفيات، والمراكز الصحية، وشق الطرقات، والجامعات في مختلف محافظات الجمهورية في اليمن الشمالي آنذاك.. وعلى المستوى الاقتصادي، تم تشييد عدد من المصانع، واستخراج النفط، وبناء دواوين الوزارات في العاصمة والمحافظات، وفتح باب الاستثمار على مصراعيه للمستثمرين الأجانب والمحليين للاستثمار في مختلف المجالات..
أما على المستوى السياسي، فقد تحولت اليمن من دولة مهمشة، ليس لها أي حضور دولي إلى دولة لها حضور فاعل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتأسست عدد من السفارات في معظم بلدان العالم التي لم يكن لها تمثيل دبلوماسي فيها من قبل، بل وأصبحت اليمن تقود عدداً من المصالحات بين أطراف إقليمية سواء على المستوى المحلي في بلدانهم أو مع بلدان أخرى، وحافظت اليمن على سياسة متوازنة قائمة على احترام الآخر والتعامل معهم كنِد، وليس كتابع.. وبالتالي انعكس ذلك على الجانب التنموي، حيث قامت عدد من دول الإقليم وخصوصاً دولة الكويت الشقيقة بتشييد عدد من المشاريع في العديد من القطاعات، وغيرها من الدول.. وبلغت ذروة العمل السياسي بإعلان قيام الوحدة اليمنية المباركة عام 1990م، حيث كانت أهم ثمرة من ثمار ولادة الميثاق الوطني؛ كما تم إعلان دستور جديد لدولة الوحدة، وفُتح الباب للعمل الديمقراطي التنافسي، وحرية الرأي والرأي الآخر، وتكوين الأحزاب السياسية، والمنظمات والنقابات لمختلف الشرائح المجتمعية، حتى وصلت ذروتها بالانتخابات الرئاسية والمحلية بالاقتراع السري والمباشر.. ولم يقف الأمر عند هذا بل تمت حلحلة كثير من المشاكل بالطرق السلمية وعدم اللجوء إلى العنف فيها، ومن أبرز تلك المشاكل مشكلة جزيرة حنيش الكبرى والضغرى.. واستمرت عجلة التنمية في الحركة بشكل سريع في كل محافظات اليمن الموحد، وتم تشييد العديد من المشاريع واستخراج النفط والغاز في المحافظات الجنوبية والشرقية بشكل كامل.. ومن الناحية الأمنية، تم تطوير كل الأجهزة الأمنية بما يكفل حماية المؤسسات والمكتسبات لما فيه مصلحة الشعب..
ولم تكن كل تلك الإنجازات التي لا يتسع الوقت لسردها حتى لو كتبت آلاف المقالات في عدد من الصحف إلا بفضل وتوفيق من الله، ونتيجة طبيعية لسياسة المؤتمر الشعبي العام المتمثلة بالوسطية والاعتدال، بعيداً عن التطرف والغلو؛ واحترام الرأي والرأي الآخر، وتحت قاعدة أن الوطن للجميع، ولهذا عنونت مقالي بـ (المؤتمر.. ميلاد وطن)، حيث بميلاد المؤتمر انتقلت اليمن إلى مصاف الدول المحترمة، وما زال يواصل نضاله الوطني، ويجسّد مواقفه في الحفاظ على اليمن ومكتسباته وذلك بدعواته المختلفة إلى حل المشكلات بالطرق السلمية، وبما يكفل حق الجميع دون استثناء، ورفضه القاطع للتدخل في الشأن اليمني من قِبَل دول العدوان؛ وتمسُّكه بسيادة ووحدة واستقلال اليمن أرضاً وإنساناً، ورفضه احتلال أي شبر من أجزاء الوطن، وتحت أي مسمى، يكون راعيه دولة أجنبية، وهذا واضح وجلي من خلال بياناته المختلفة في هذا الشأن.. كما أن المؤتمر الشعبي العام ما زال ينظر إلى أنه لا بد من حلحلة بعض الأمور على المستوى الداخلي، ولو بشكل متواضع، وبما يتسق مع ظروف البلد الحالية، مثل عمل حلول آنية لمشكلة المرتبات، وخصوصاً مرتبات العاملين في القطاع التعليمي على مستوى التعليم العام أو الجامعي وبقية القطاعات بشكل عام، بحيث تخف معاناة أبناء الشعب جرَّاء العدوان والحصار في الوقت الحالي، وبما هو متاح.. فالمؤتمر الشعبي سيظل صمام أمان، ومكوّناً لا يمكن تجاهله لِما له من دور فعال ورصين تجاه كل مسألة وطنية.. نسأل الله له ولكل القوى الفاعلة في هذا البلد التوفيق والسداد لما فيه خير ومصلحة كل اليمنيين في كافة أرجاء الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.
*رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام بكلية التربية _صنعاء عضو اللحنة الدائمة المحلية |