أ.د. حسان سعد عبدالمغني - يحتفل المؤتمريون ومعهم السواد الأعظم من اليمنيين في 24 أغسطس من كل عام بذكرى تأسيس أهم مكون سياسي واجتماعي جامع شهدته الساحة اليمنية.. فقد مثَّل تأسيس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982م، وإقرار الميثاق الوطني الذي يمثل الإطار الفكري والنظري للحزب، محطة مفصلية في تاريخ اليمن الحديث.. وكان المؤتمر أثناء تأسيسه يمثل مظلة لكافة القوى الوطنية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية..
وقد شهدت البلاد في ظل حكم المؤتمر تحقيق الكثير من المنجزات التي أدت إلى تحقيق نهضة تنموية شاملة في جميع المجالات، كما تم تعزيز النهج الديمقراطي وتحقيق الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي؛ وقد تُوّجت جميع تلك الإنجازات بالإنجاز الأكبر المتمثل بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م بالشراكة مع الحزب الاشتراكي اليمني.. ولقد كان للمؤتمر الشعبي العام دور بارز في بناء المجتمع المدني تَمَثَّل ذلك من خلال دعمه ورعايته لمنظمات المجتمع المدني؛ وكانت رؤيته تؤكد على اهمية الدور الوطني الذي تضطلع به تلك المنظمات وتعزيز أوجه الشراكة ودعمها من خلال إزالة العقبات التي تعترض عملها والعمل على الارتقاء بدورها لتتمكن من ممارسة مهامها من أجل تحقيق أهدافها.. وقد كانت علاقة المؤتمر بمنظمات المجتمع المدني تكاملية وليست علاقة صدامية؛ ولعل ما عزز تلك العلاقة التكاملية هو هامش الحريات التي أطلقها المؤتمر إبان حكمه، وبالتالي لم يكن لدى المؤتمر عُقْدة الخوف والشك تجاه منظمات المجتمع المدني كونها مصدراً للحريات، ولهذا اتسمت علاقته بمنظمات المجتمع المدني بالتعاون والتكامل والدعم.. وبالرغم من العلاقة التكاملية بين حزب المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم ومنظمات المجتمع المدني فقد ظلت تلك المنظمات تعمل باستقلالية وفق منهجية مهنية بحسب لوائحها وقوانينها المنظمة ولم تكن تابعة للحزب أو تتبنى توجهاته الفكرية والسياسية، ولم تكن أداة من الأدوات بيد المؤتمر أو تابعة له بل كانت منظمات المجتمع المدني تمتلك الجرأة التي تمكّنها من انتقاد بعض سياسات الحزب الحاكم التي ترى أنها تقف حائلاً بينها وبين تحقيق الاهداف التي أُنشئت من أجلها..
ويُحسب للمؤتمر أنه خلال فترة حكمه لم يتم تحييد أي منظمة من منظمات المجتمع المدني حتى لو كانت قياداتها محسوبة على أطراف سياسية معارضة أو كانت تلك القيادات تتبنى سياسات تتعارض مع توجهات وسياسات المؤتمر الشعبي العام.. وهنا يمكن القول بأن رؤية المؤتمر لدور منظمات المجتمع المدني لم تنطلق من منظور حزبي أو سياسي أو منفعي، إنما من منظور وطني كتعبير عن حاجة الوطن لبناء مجتمع مدني في ظل النظام الديمقراطي المحترِم للحريات والإسهام في عملية البناء في كل المجالات..
وأثناء فوضى ما يُعرف بالربيع العربي 2011م راهن الكثيرون على اجتثاث أو حَلّ المؤتمر لكن هذا الحزب الرائد المنبثق من رحم الأرض اليمنية والمستمِد توجهاته ومبادئه من مبادئ وأهداف ثورة 26 سبتمبر الخالدة، ظل عصياً على كل المؤامرات التي كانت تُحاك ضده، وكان شوكة في حلوق أعدائه والمتربصين به، وقد استطاع الحفاظ على تماسكه وقوته رغم جميع الصعاب والمؤامرات التي تعرَّض لها واستطاع البقاء شامخاً شموخ الجبال الرواسي، شموخ جبال عيبان وشمسان، فلم يستطع الحاقدون أو الذين في قلوبهم مرض النيل من المؤتمر أو التأثير على مسيرته الوطنية.. ولكن ورغم هذا الثبات للمؤتمر الشعبي العام أمام المؤامرات والدسائس التي كانت تُحاك ضده، إلا أنه ومنذ فوضى الربيع العربي عام 2011م وما تبعها من أحداث متسارعة شهدتها الساحة اليمنية، حصل تراجع وضعف في دوره الوطني، وقد رافق ذلك ضعف في العمل التنظيمي والجماهيري للحزب.. ومن أجل استعادة ذلك الدور فإنه تقع على عاتق قياداته مسئولية وطنية بل وواجب وطني وتنظيمي من خلال العمل على إعادة لُحمة المؤتمر ولملمة صفوفه المتناثرة هنا وهناك وتفعيل أنشطته في جميع المجالات حتى يعود كما كان كالبنيان المرصوص الذي تتحطم على جدرانه كل المؤامرات والدسائس.. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة هنا إلى وجوب الاستفادة من الدماء الشابة في المؤتمر القادرة على مواكبة المتغيرات، وعلى النهوض بالعمل التنظيمي والسياسي واستعادة الدور الريادي لحزب المؤتمر الشعبي العام خلال الفترة المقبلة..
إن ما يميز احتفالنا اليوم بذكرى تأسيس المؤتمر أن تأتي هذه المناسبة متزامنة مع رفع العقوبات الدولية الكيدية الظالمة عن سعادة السفير أحمد علي عبدالله صالح نائب رئيس المؤتمر، وعن والده الزعيم علي عبدالله صالح مؤسس المؤتمر الشعبي العام.. رحمه الله.
*أستاذ الهندسة الإنشائية –كلية الهندسة جامعة صنعاء
رئيس نقابة المهندسين اليمنيين -صنعاء
|