غازي أحمد علي محسن* - يحتفل شعبنا اليمني يوم الخميس القادم بالذكرى الـ 62 للثورة اليمنية الوطنية التحررية 26 سبتمبر 1962م، التي كانت ضرورة إذا ما قارناها بالأوضاع والظروف البائسة والمأساوية التي كان يرزح تحتها شعبنا اليمني في الشمال والجنوب بوجود نظام ملكي جعل من الفقر والجهل والمرض نهجاً لسيطرة نظامه الاستبدادي الرجعي، واستعمار بريطاني فرض نفس النهج على اليمنيين في مساحة واسعة من الأراضي اليمنية المحتلة والتي شرذمها إلى سلطنات ومحميات وإمارات كانت تحكمها ركائز محلية تعيش في نفس الأوضاع التي كان يعيشها شمال الوطن اليمني؛ وكانت بهذا المعنى ثورة أوجدت الأرضية التي تنطلق منها الثورة اليمنية التحررية ضد الاستعمار 14 أكتوبر بعد عام من قيام الثورة اليمنية الأُم 26 سبتمبر..
وهكذا علينا إدراك حقيقة أن هذه الثورة كانت يمنية شاملة إذا ما نظرنا لها وفقاً للمعطيات التاريخية التي كانت تعيشها المنطقة العربية والعالم الثالث الذي كان يخضع للاستعمار البريطاني والفرنسي والغربي عموماً؛ وحركة تحرر وطني لتقرير مصيره واستعادة سيادة واستقلال شعوبه من ذلك الاستعمار.. وكانت بهذا المضمون الثورة اليمنية "26 سبتمبر و 14 أكتوبر" المجيدتان..
هنا لا بد من التأكيد على أن أي نظرة تاريخية بعد 62 عاماً لهذه الثورة من زوايا ضيقة أو ثأرية هي لا تعكس إلا قصور وضِيق أفق أصحابها، إذ ينبغي أن تكون الرؤية وفقاً لأحقية موجبات قيامها بالمرحلة الزمنية التي جاءت فيها وصنعتها ومحاكمتها كعمل إنساني كبير وعظيم صاحَبته العديد من الأخطاء والتي بعضها كبرت ليس بسبب أولئك الأبطال الميامين الذين حملوا أكفانهم على ظهورهم، ورؤوسهم على أكفهم ليصنعوا لشعبهم الحرية والكرامة ويفتحوا أبواب الأمل أمام كافة اليمنيين بغدٍ أفضل..
اليوم وبعد هذه العقود من قيام الثورة اليمنية السبتمبرية هناك من يطعن في قِيَمها ومبادئها التي أكدت عليها أهدافها الستة، فما حصل فيما بعد يتحمل أوزار السلبيات والأخطاء القوى الاجتماعية والسياسية التي تولت المسؤولية..
وبشكل عام النظرة التقييمية الموضوعية لا يمكنها نكران الإنجازات التي تحققت في المجالات الأساسية ونقصد هنا التعليم والصحة والتنمية بصورة عامة، دون أن ينفي ذلك أنها لم تكن في المستوى الذي طمح إليه الثوار الحقيقيون ومعهم كل أبناء شعبنا اليمني.. والمكان هنا لا يسمح لنا ونحن نحتفل بهذه المناسبة بالدخول في قراءة تقييمية تفصيلية أو قراءة تاريخية الذي هو من عمل الاختصاصيين.. وبغض النظر عن هذا كله تبقى الثورة اليمنية مرحلة تحوُّل تاريخي انتقل فيها الشعب اليمني من زمن إلى زمن؛ والتاريخ الإنساني ليس خطاً مستقيماً، واليمن وثورته ليس استثناء؛ وتاريخ الشعوب تراكمي وليس قطعياً، بمعنى أنه لا يجب نفي كفاح ونضال أجيال من أبناء شعبنا وحركته الوطنية لبناء شرعية بالفراغ.. وتاريخ الشعوب استمرارية وصيرورة لا يمكن فصل حلقاتها.. والمستقبل يؤسَّس على الحقيقة، والأوهام تظل أوهاماً..
تحية إجلال ووفاء لثُوار 26 سبتمبر، وللثورة التي ستظل مرحلة فارقة في تاريخ شعبنا المعاصر..
* الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام
|