د. حمود العودي - "ملاحظة للاخراج صورة للدكتور علي الميري والأستاذ الدكتور/ نزار عبداللطيف الحديثي
وسط المقال"
إذا كان الشهداء بتضحياتهم بأرواحهم هم أحياء عند ربهم، والعظمى بمآثرهم لا يموتون لا عند الله ولا عند خلقه، فماذا يمكن أن يُقال عن عظماء كالجبال في عَظَمَة مآثرهم وأعمالهم العظيمة الخالدة بعَظَمَة وخلود الجبال الراسية التي لا تموت..
هذا ما يَصْدُق على عظيمين يمنيين فارقَنا جَسَدَاهما في الأسبوع الماضي وبفارق بينهما لا يتجاوز ثمانية وأربعين ساعة، هما الأستاذ الدكتور/ علي محمد الميري -عميد كلية الطب الأسبق، وأستاذ وعالم الجينات، الأستاذ الدكتور/ نزار عبداللطيف الحديثي -أستاذ وعالم التاريخ العربي واليمني بالدرجة الأولى بجامعة صنعاء..
وما يخلّد عَظَمَة الرجلين ليس مجرد حياتهما العلمية والأكاديمية المديدة بامتداد عُمريهما في جامعة صنعاء كباحثين ومحاضرين ومربييْن لأجيال متوالية بعمر الجامعة نفسها، بل وناشِطَيْن في صميم الحياة السياسية والاجتماعية في حياة اليمن والأمة، والأكثر من هذا وذاك هو إبداعاتهما العلمية والمعرفية غير المسبوقة..
إذ يكفي الدكتور الميري أنه كان واحداً من فريق علمي عالمي مشترَك بين أشهر الجامعات الأمريكية والبريطانية، عن جامعة صنعاء في دراسة ميدانية لبحث أصول وأعمار الجينات اليمينة ما بين عامي 2007 و2008م، بالاستناد إلى تقنيات ومعلومات شريط سجل للوجود الكوني (D.N.A) الذي تم فك آخر حلقات شفرته في عام 2003م بجهد علمي عالمي مشترَك، وثبت من خلاله أن جينات الإنسان اليمني هي الأقدم في العالم، أي أن موطن الإنسان الأول قبل ما يزيد على مائتي مليون سنة هو اليمن وليس أفريقيا، ومنه تفرع إلى أنحاء العالم.. وقد عرض الدكتور الميري -رحمه الله- نتائج هذه الدراسة الفارقة في التاريخ البشري في عدة محاضرات بمركز منارات، بصفته عضو مجلس إدارته لأكثر من عشر سنوات؛ وقبل أن يُحكَم ظلماً على نشاط المركز بالتوقف..
ويكفي الدكتور الحديثي أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء، كونه ليس مجرد عراقي المولد يمني الهوية ثقافةً وتاريخاً ومرقداً فحسب، بل وهو من نَذَرَ كل عمره العلمي لليمن وتاريخه، بدءاً برسالته العلمية لدرجة الدكتوراه بعنوان "أهل اليمن في صدر الإسلام" التي أثبت فيها قبل غيره أكذوبة ردة أهل اليمن، وأن ما حدث كانت معارضة وليس ردة، معارضة إقرار باذان حاكماً على مخلاف صنعاء، ونقل معاذ بن جبل زكاة مخلاف الجند إلى المدينة وحرمان من يحتاج إليها حيث هي وفقاً لجوهر النظام الاجتماعي والسياسي القديم في اليمن والشرع الإسلامي الجديد، لأن مقادير الزكاة وأوجه تصريفها هو نظام يمني قديم في الأصل منحوت على مسلة صخرية ضخمة لا تزال ماثلة في وادي بيحان حتى اليوم، واعتمدها الإسلام كركن من أركانه الخمسة، وصدَّره الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) برسالة لأهل اليمن..
فبُورِكتما معاً أ. د. علي الميري، وأ.د. نزار الحديثي، وطِبتما أماناً وسكنى في رحمة الله، وحضوراً خالداً في ذاكرة الأجيال اليمنية والعربية والإنسانية، فأنتما وأمثالكما في هذا الوطن جبال من رجال أو رجال من جبال في حضوركم أو غيابكم؛ فأنتم السابقون ونحن اللاحقون، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن.. وإنَّا لفراقكم لمحزونون.
|