الميثاق نت -

السبت, 12-أكتوبر-2024
الميثاق نت - بليغ الحطابي: -
دخلت مفاوضات السلام في اليمن مرحلة الجمود، رغم كثرة المبادرات والزيارات المتبادلة، وسلسلة المباحثات السرية والعلنية التي جرت بوساطة عمانية،
وخاصة بعد اندلاع الحرب على غزة، واليوم على لبنان.. توقف التقدم الذي كان قد تحقق في مفاوضات السلام خلال الأشهر السابقة، وتراجع الزخم الدبلوماسي.. أمريكا وبريطانيا عملتا على تحويل مسار القضية اليمنية إلى متاهة "اللاسلم واللاحرب"، التي يعاني منها الوطن والمواطن منذ عشرة أعوام..
فلم يتمكن المبعوث الأممي إلى اليمن من أي اختراق باتجاه معاودة التفاوض.. وإبقاء الوضع مثلما هو، فلا حرب مشتعلة في الجبهات، ولا سلام قائم لإنهاء الحرب..
هذه المرحلة التي تُسمَّى بمصطلح “اللَّاحرب واللَّاسلم” الذي جرى تداوله لأوَّل مرَّة في بداية سبعينيات القرن الماضي؛ حيث استخدم لوصف الوضع الذي كان يمرُّ به الصراع بين العرب وإسرائيل في تلك الفترة، بعد أن أعلن الرئيس المصري الراحل، جمال عبدالناصر، موافقته على “مبادرة روجرز”، في أغسطس 1970م، بهدف وقف الحرب بين مصر وإسرائيل.. وعلى الرغم مِن توقُّف القتال إلَّا أنَّه لم يجرِ التوصُّل إلى اتفاقية سلام رسمية.. وبالتالي، لم يكن هذا الوضع سلاماً يسمح بالعودة إلى الحياة اليومية كالمعتاد، كما أنَّه -أيضاً- لم يكن حرباً نشطة بالمعنى التقليدي؛ وهو تماماً ما يحدث في اليمن في الوقت الرَّاهن، فالحياة لم تعد إلى مجراها الطبيعي، والوضع السياسي لا يزال مشتَّتاً، والحالة الاقتصادية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم..


لعبة المصالح..

ويرى مراقبون أن وقف الحرب في اليمن ليس بيد طرفي الصراع لكنه يخضع لأجندة ومصالح قوى كبرى في العالم، ترى أن استمرار الصراع يحقق أهدافها السياسية والاقتصادية دون الدخول كطرف مباشر في الصراع، هذا ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا منذ بداية الصراعات في المنطقة، ازداد في الآونة الأخيرة مع التطورات في المنطقة..
فقد نتج عن الوضع حالة مائعة تخدم الطرفين، دون اليمنيين التواقين للسلام؛ فيما غدا رهانه على النخبة منعدماً..


تباينات..

تباينت الرؤى حول حالة “اللَّاحرب واللَّاسلم” فهناك من اعتبرها فرصة لبناء سلام دائم، بينما يرى آخرون أنَّها حالة خطيرة تتدهور فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر، ويبقى الوضع هشاً مُعرَّضاً في أيِّ لحظة للعودة إلى العنف.. وقد شهدت مناطق عِدة في العالم هذه الحالة؛ وهو ما يُخشى في الصراع في اليمن، وأن تطول حالة “اللَّاحرب واللَّاسلم” دون تحقيق سلام حقيقي تنعم فيه البلاد بالأمن والاستقرار..

أزمة مركبة..

يرى باحثون سياسيون أن اليمن يعيش أزمة مركبة على كافة الأصعدة دون أفق واضح للخروج منها حيث يبدو الصراع العسكري مرشحاً للعودة بين الرياض وصنعاء، فالرياض لا تزال تذعن لرغبات واشنطن ولندن، وتخاف أن تغضبهما بتقاربها مع حكومة صنعاء.. فيما الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تستفحل وألقت بظلالها على مناحي الحياة مع إدارة مؤسسات الدولة وحكومات غير مؤهلة أو قادرة على إدارة الملفات الاقتصادية..


تقدم ملحوظ.. وضغوط

يقول مراقبون كانت المحادثات بين صنعاء والرياض قد شهدت تقدماً ما قبل اندلاع حرب غزة، وانتظر الجميع توقيع اتفاق سلام ينهي الصراع المستمر منذ 10 سنوات، لكن كل شيء توقف بسبب تدخلات دولية تتصل بمصالح جيوسياسية لأطراف كأمريكا وبريطانيا، مما أدى إلى تراجع عملية بناء الثقة من جديد بين الأطراف، كما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية التي هي في الأساس متردية بفعل الحرب، وخروج الكثير من المنظمات وتوقف أعمال بعضها..


تجاوز العقبات..

وكان رئيس وفد التفاوض الوطني، محمد عبد السلام، في حديث سابق له، قد أكد أن مشهد السلام في اليمن "يسير بشكل جيد".. مضيفاً: أن المناقشات مع السعودية أدت إلى "تجاوز أهم العقبات في خارطة الطريق"..
وأصر على أن عمليات الجماعة في البحر الأحمر "منفصلة" عن مسار عملية السلام، والتي تأتي إسناداً ودعماً للأشقاء في فلسطين، وما يمليه الواجب الديني والانساني.. معتبراً أن تلميحات الغرب بتهديد الحل في الداخل "محاولة ضغط"..
وأسفرت جهود الوساطة بين صنعاء والسعودية عن "خارطة طريق غير رسمية" لنحو 3 أعوام، وهو ما تأمل الأمم المتحدة أن يصبح أساساً لحل طويل الأمد ومستديم للصراع، بحسب ما نقلت صحيفة "وول استريت جنرال " الأميركية، عن مسؤوليين أميركيين وسعوديين ويمنيين ومسؤولين من الأمم المتحدة، في تقرير سابق لها..
وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات كانت تتجه نحو المزيد من النجاح هذا العام، لكن "الحرب في غزة تهدد بقلب المفاوضات الحساسة بين أطراف الصراع".. فيما يقول محللون إن مسار السلام في اليمن قد لا تظهر ملامحه بشكل واضح "إلا بعد انتهاء الحرب في غزة"..


شرعنة الوضع القائم..

اتفقت صنعاء مع الرياض للبدء بالملف الإنساني كبوابة للولوج إلى عملية سياسية شاملة تتضمن كافة الملفات، بدءاً بفتح الأجواء لوجهات عِدة، وترتيبات أخرى في الملف الاقتصادي فيما يتعلق بصرف المرتبات والإيرادات النفطية، بيد أن تلك المعالجات تتهرب منها السعودية تارة، وأخرى توافق عليها، وأحياناً أخرى يضع مرتزقتها شروطاً غير منطقية.. يقول باحثون سياسيون، إنها لم تحاول الاقتراب من أسباب الأزمة الحقيقية؛ فتبرز مساعيها لإسقاط الدولة ونهب مقدراتها وتفكيك وحدة أراضيها وشعبها وتجاوز نظامها الجمهوري ودستورها واستلاب مواردها وانتهاك سيادتها وتقاسم جغرافيتها مع ربيبتها الإمارات، وتركها رهينة نهب وعبث الميليشيات التي صنعتها وأجندتها الإقليمية والدولية..

ويؤكد مراقبون لـ"الميثاق" أن ما يجري حالياً هو شرعنة للوضع القائم ومنحه شرعية البقاء والوجود بعد تفكيك مؤسسات الدولة وإضعافها بالسياسات السعودية.. ومنذ أن أعلن التحالف العربي هجومه على اليمن، والذي عمل على إضعاف كافة الأطراف اليمنية، وبعضهم وجد نفسه خارج حسابات الأشقاء وباتت المملكة هي المتحكم بقراره وشرعيته ومشروعيته اليوم..


مسكّنات..

ويقولون إن كل ما يجري من تسريبات للحل لا يقترب من أي تصور حقيقي للحل بقدر ما هو عبارة عن مسكّنات وحلول إسعافية لمظاهر الحرب، وليس لأسبابها..


مبادرة جون كيري..

يقول الدكتور عبدالستار الشميري، رئيس مركز جهود للدراسات في اليمن: "الرؤية الأمريكية منذ العام 2016م بخصوص الحرب في اليمن ومنذ أن تفتَّقت مبادرة جون كيري آنذاك، كانت تهدف إلى إسكات صوت المدافع في اليمن وبقاء اليمن بهذا الشكل دولة ضعيفة، وتسليم الملف برمته للمملكة العربية السعودية كممسكة بهذا الملف، بما يضمن للأمريكان تدفقات الطاقة في البحر الأحمر وكذلك مكافحة الإرهاب..
ومضى قائلاً: "تود الولايات المتحدة أن تبقى أزمة البحر الأحمر على هذه الوتيرة الخفيفة وأن تكون هي التي تمسك بها، وفق قاعدة كيسنجر وزير الخارجية ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في السبعينيات، ليس بالضرورة أن يكون على الولايات المتحدة الأمريكية إنهاء الصراعات، ولكن إدارتها والتمسك والتحكم بخيوطها"، هذه القاعدة يمكن أن تُسقط حرفياً على الحرب الدائرة في البحر الأحمر"..



تحذير ونصائح..

السياسي الأعلى عبَّر عن رفضه استمرار هذه الحالة وتماهي السعودية مع أهداف واشنطن؛ كما حذر من استمرار هذه الحالة، وبقاء الوضع في المنتصف لا سلم ولا حرب..
وقدم رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط النصيحة للسعودية بالعمل على تسريع خطوات إنهاء العدوان وإنهاء حالة اللاسلم واللاحرب، ورفع الحصار كلياً وجبر الضرر ومعالجة القضايا الإنسانية لما فيه مصلحة البلدين والمنطقة عموماً..
كما شدد في الوقت ذاته على ضرورة الخروج من العباءة الأمريكية والإملاءات وحالة التردد والمماطلة، والتي ربما تكون رغبة سعودية في السير عليها لتحقيق مشاريع التقسيم والتشتيت..

مؤكّداً أنّها "لن تستمر بلا نهاية"..
وشدّد المجلس السياسي الأعلى على أنّ "القوات المسلّحة في جاهزية تامة".. وأضاف: أنّ"اليمن سيتخذ الإجراءات الملائمة عندما يحين الوقت لذلك، وعلى نحو يمنع مخطط التحالف لإيقاع اليمن في هذا الفخ"..
وأكّد أنّ "القوات المسلّحة في جاهزية تامة لمواجهة أي تهديد للسيادة اليمنية، وأي إجراءات من شأنها مضاعفة معاناة أبناء الشعب اليمني، سواءً على المستوى الاقتصادي أو الإنساني أو العسكري".. محذّراً من العواقب الوخيمة لذلك..
وقبل أسبوع، شدد وزير الدفاع في حكومة صنعاء، اللواء العاطفي على أنّ "القوات المسلّحة اتّخذت الإجراءات الملائمة، والتي تضمن التعامل بقوّة وحزم مع أيّ تطور يمثّل تهديداً للسيادتين الوطنية والبحرية، أو مسّاً بهم..


نفخ في قربة مخرومة

المجتمع الدولي هو الآخر لا يبدو أن مواقفه حاسمة لصالح السلام في اليمن، إذ يتعامل مع الملف اليمني وقضية السلام بتساهل دون جدية.. فما زالت المؤثرات الخارجية لصراع المصالح الذي تديره أمريكا وبريطانيا مقابل روسيا والصين، هو المتحكم بتدخلاته؛ وبالرغم من الزيارات والمحادثات التي يجريها مبعوث الأمم المتحدة لليمن إلا أنه وكأنه ينفخ في قربة مخرومة، رغم علمه أن المحرّك الفعلي هي المصالح الغربية وبالذات الأمريكية..
ودائماً مايؤكد التزام الأمم المتحدة بقيادة عملية سياسية جامعة تفضي لسلام مستديم وعادل يلبّي تطلعات اليمنيين وينهي الأزمة الإنسانية..

ومؤخراً دعا هانس غروندبرغ، إلى عقد حوار بنَّاء لتحقيق السلام وخفض التصعيد في البلاد.

وقال غروندبرغ في بيان الأسبوع الماضي: إنه اختتم زيارة إلى مسقط، حيث عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين العمانيين، دون ذكرهم، معرباً عن تقديره الدور العماني في تعزيز جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن..

وبحسب البيان فإن غروندبرغ التقى أيضاً كبير مفاوضي وفد صنعاء محمد عبدالسلام..

وشدد غروندبرغ على "الحاجة الملحة إلى خفض التصعيد في جميع أنحاء اليمن"، مؤكداً "أهمية وضع مصالح اليمنيين في المقدمة"، داعياً إلى "حوار بنَّاء"..


خلط الأوراق..


وخلطت التطوّرات الأخيرة في منطقة البحر الأحمر أوراق السياسة في البلد الغارق في نزاع منذ حوالي عقد من الزمن، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من خواتيم مفاوضات دامت أشهراً بين السعودية الراعية لحكومة العليمي من جهة، وحكومة صنعاء من جهة أخرى، كادت أن تفضي مؤخراً إلى الإعلان عن خريطة طريق للسلام..
ما يؤكد أن الملف اليمني محكوم ويرتبط بالمشهد الجيوسياسي المحيط به، وهذا الارتباط يقيد من حرية وإرادات أطراف الصراع المباشرين من جهة، ويجعله من جهة أخرى عرضة للتأثر بالتقلبات التي تعتري هذا المشهد، ودائماً ما تكون عمليات السلام في الحالات التي يكون للصراع أبعاد إقليمية ودولية عرضة للتقلب والتهميش، حيث تعطي الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الأولوية للأزمات الأكثر إلحاحاً لديها، وهذا ما حدث مع اشتعال الصراع في غزة، فقد أثار استجابة دولية فورية وقوية، وأعاد توجيه الاهتمام والموارد السياسية والدبلوماسية بعيداً عن اليمن، وكان تعليق المفاوضات هو النتيجة.. والخطورة، بحسب مراقبين، أن الأمر لا يتوقف على هذا الصراع، فالمشهد في المنطقة يظل يعاني من توترات مستمرة، وبؤر الصراع الساخنة فيه عديدة، وكل أزمة وكل حركة في هذا المشهد تفرض أعباءها على الملف اليمني..


الخاتمة

إنهاء حالة الصراع في اليمن مرهون بمدى استعداد أطراف النزاع لتقديم تنازلات تفضي لإيقاف الحرب والتوصل لجدول زمني يرتب لانتقال سياسي متوافَق عليه؛ والأمر كذلك ينطبق على أمراء الحرب في مناطق الحكومة، إذ أن الحرب وخلال ثمان سنوات صنعت طبقة غنائمية تسلقت سلم الثراء، وهي في المقابل تنزع للحفاظ على الواقع الراهن للحفاظ على مكاسبها.. كما أن الإبقاء على حالة التفكك القائمة يبقيهم بعيدين عن المساءلة، كما يرى سياسيون.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 16-أكتوبر-2024 الساعة: 09:20 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66669.htm