الميثاق نت -

الأحد, 13-أكتوبر-2024
عبد السلام قائد -
لم تكن ثورة 14 أكتوبر 1963م ضد الاحتلال البريطاني ثورة انفصالية، والاحتفال بها كمناسبة انفصالية تزوير للتاريخ وانتهاك صارخ للثورة التي رفعت شعار الوحدة الوطنية منذ أول يوم اندلعت فيه، وتضمنت أهدافها العمل على تحقيق الوحدة الوطنية بين شطري اليمن، وهي قبل ذلك وحدت الشطر الجنوبي من اليمن الذي كان مجزأً إلى أكثر من 20 سلطنة ومحمية ومهدداً بانفصال مدينة عدن تحت الهيمنة البريطانية، ولذلك فقد أنقذت تلك الثورة الشطر الجنوبي من التفكك والانقسامات التي سادت خلال عهد الاحتلال البريطاني، كما رفعت شعار الوحدة الوطنية مع الشطر الشمالي، وكانت ثورة 26 سبتمبر 1962م، وقيام نظام جمهوري في شمال البلاد، الخلفية التي استندت عليها ثورة 14 أكتوبر 1963م..
ورغم التوجه الوحدوي المبكر لثورة 14 أكتوبر المجيدة، إلا أن هناك من تعمد خلال السنوات الأخيرة تشويه تلك الثورة وخيانة مبادئها وأهدافها العظيمة، ومن أمثلة ذلك، حذف الهدف الذي ينص على "النضال من أجل وحدة الشعب اليمني"، واستبداله بهدف آخر -لتبرير مطالب الانفصال- وهو "إﻋﺎﺩﺓ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻜﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺳﻴﺮﺍً ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻭﺳﻠﻤﻴﺔ"، كما أن الانفصاليين يحتفلون بذكرى ثورة 14 أكتوبر كمناسبة انفصالية، رغم أن مطلب إعادة تحقيق الوحدة الوطنية كان من أهم أهدافها، ويحتفل بها الانفصاليون كمناسبة خاصة بما يسمونها دولة اتحاد الجنوب العربي، رغم أن أبطال الثورة ألغوا هذا الكيان فور نجاحها، خصوصا أن الاحتلال البريطاني هو من أطلق تلك التسمية على سلطنات ومحميات جنوب اليمن..


- ثورتا سبتمبر وأكتوبر ووحدة النضال

جسدت ثورتا 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م الوحدة الوطنية منذ ما قبل اندلاعهما، فالأحرار الذين أشعلوا ثورة 14 أكتوبر ضد الاحتلال البريطاني كانوا قد شاركوا في ثورة 26 سبتمبر ضد الإمامة الكهنوتية في شمال البلاد، بعدها كانت بعض مناطق شمال البلاد، خصوصا تعز، منطلقاً لتقديم الدعم اللوجيستي لثورة 14 أكتوبر وتدريب الأحرار من أبناء الجنوب، وإمدادهم بالمال والسلاح، بالإضافة إلى مشاركة العديد من ثوار سبتمبر من الشمال في ثورة أكتوبر بالجنوب..
كما أنه سبق اندلاع الثورتين تبلور الهم الوطني الواحد في أوساط الثوار من شمال البلاد إلى جنوبها، فمدينة عدن كانت حاضنة للأحرار من أبناء الشمال الذين كانوا قد بدأوا بتعريف الشعب بخطر الإمامة، ثم فروا من بطش النظام الإمامي ليواصلوا مسيرة النضال بمختلف السبل حتى تتهيأ اللحظة المناسبة لإشعال الثورة، ومدينة تعز كانت مركز الدعم اللوجيستي لثورة 14 أكتوبر بعد اندلاعها، واختلطت دماء أبناء شمال اليمن وجنوبه في ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر على حد سواء..
ويمثل الثائر راجح غالب لبوزة رمزاً لنضال اليمنيين المشترك ضد الإمامة والاحتلال، فالثائر القادم من جبال ردفان كان أول من أشعل ثورة 14 أكتوبر 1963م ضد الاحتلال البريطاني في جنوب البلاد، وكان قبل ذلك أول ثائر من جنوب البلاد يهب للمشاركة في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م التي اندلعت في شمال البلاد ضد النظام الإمامي الكهنوتي السلالي المستبد..
لقد فجرت ثورة 26 سبتمبر 1962م الوعي السياسي والثوري لدى الجماهير في جنوب البلاد، وكان النظام الجمهوري في صنعاء بمثابة الخلفية التي استند إليها الكفاح المسلح في جنوب البلاد ضد الاحتلال البريطاني..
كما أن أبناء الحركة الوطنية في جنوب البلاد، الذين شاركوا في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، وعملوا على عرقلة التخريب الإمامي والبريطاني القادم من الجنوب، هم الذين أجروا بعد ثورة 26 سبتمبر في صنعاء حواراً في مايو 1963م بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية أخرى لها علاقة جيدة بالحركة، وفي ذلك اللقاء شُكّلت "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني" على أساس الكفاح المسلح، وحينها كانت شرارة ثورة 14 أكتوبر قد اندلعت بدءاً من جبال ردفان، بقيادة غالب راجح لبوزة، فور عودته من شمال الوطن هو ومجموعة من رفاقه الذين شاركوا في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر..


- الوحدة كهدف رئيسي للثورتين

كان هدف إعادة تحقيق الوحدة الوطنية حلماً مشتركاً للمناضلين الذين فجروا ثورتي سبتمبر وأكتوبر، غير أن الخلاف بين نظامي الحكم في صنعاء وعدن حول طريقة إعادة تحقيق الوحدة وهوية الدولة الجديدة كان سبباً في تأخير إعادة تحقيق الوحدة، بل وسبباً في نشوب حربين شطريتين، الأولى عام 1972م، والثانية عام 1979م، انتهتا في كل مرة بالإعلان عن اتفاقيات وحدوية..
ففي 28 أكتوبر 1972م، وبعد الحرب الشطرية الأولى، وقّع رئيسا الشطرين ﺑﻴﺎﻥ ﻃﺮﺍﺑﻠﺲ، ﻭﺍﻟﺬﻱ نص على أن ﺗﻘﻮﻡ ﻭﺣﺪﺓ ﺑﻴﻦ ﺩﻭﻟﺘﻲ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﻭﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺗﺬﻭﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ، وأن ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻋﻠﻢ ﻭﺷﻌﺎﺭ ﻭﺍحد، وعاصمة واحدة، ورئاسة واحدة، ﻭﺳﻠﻄﺎﺕ ﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﻭﻗﻀﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ..
كما نص البيان على أن يكون ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻧﻈﺎﻡ ﺟﻤﻬﻮﺭﻱ ﻭﻃﻨﻲ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ، وأن ﻳﻀﻤﻦ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻛﺎﻓﺔ ﻭﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ ﻭﻣﻨﻈﻤﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺑﻴﺔ..
وبعد الحرب الشطرية الثانية، ﺍﻟﺘﻘﻰ ﺭﺋﻴﺴﺎ ﺍﻟﺸﻄﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﻌﻄﺒﺔ ﺑﺘﺎﺭﻳﺦ 15 ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ 1977م، واتفقا ﻋﻠﻰ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﻦ ﻭمسؤولي ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ، ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻣﺮّﺓ ﻛﻞ ﺳﺘﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎﻭﺏ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺎﺀ ﻭﻋﺪﻥ ﻟﺒﺤﺚ ﻭﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻛﺎفة ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﻢ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺗﻨﺴﻴﻖ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻻﺕ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ.
وهكذا يتبين مما سبق أن الوحدة الوطنية تجسدت بين أبناء اليمن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا قبل اندلاع ثورتي سبتمبر وأكتوبر بعدة سنوات، فمدينة عدن كانت حاضنة للأحرار من أبناء الشمال الذين كانوا قد بدؤوا بتعريف الشعب بخطر الإمامة، ثم فروا من بطش النظام الإمامي ليواصلوا مسيرة النضال بمختلف السبل حتى تتهيأ اللحظة المناسبة لإشعال الثورة، ومدينة تعز كانت مركز الدعم اللوجستي لثورة 14 أكتوبر بعد اندلاعها، واختلطت دماء أبناء شمال اليمن وجنوبه في ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر على حد سواء، في مشهد بدت معه الوحدة الوطنية حلما عظيما وهدفا كبيرا حتى الإعلان عن إعادة تحقيقها في مايو
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:12 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66693.htm