الميثاق نت -

الأحد, 13-أكتوبر-2024
د. محمد عبدالجبار المعلمي -
تطل علينا ذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة ولها من الذكريات والشجون ما رسم في أعماق الوجدان والذاكرة شريطا طويلا لا يمكن أن ينسى لمن يقرأ عن هذه الملحمة التي جاءت من منبع وطني خالص بعد إرهاصات ومخاضات عسيره كانت بحق ثورة شعبية وطنية شارك فيها جل الشعب، وقدم تضحيات كبيرة متصدياً بكل عنفوان وفدائية لجبروت اعتى واقوى دولة استعمارية لا تغيب عنها الشمس، واجبرها على الرحيل منكسرة ومنهزمة بقوة كفاحه وتضحياته، وسيخلدها التاريخ لأنها أعادة الاعتبار لشعب لا يمكنه ان يرضخ او يستسلم لبقاء دخيل او مستعمر على ترابة الطاهر.
ثورة 14 أكتوبر هي ثورة اشتعلت شرارتها في 14 أكتوبر 1963م في الجزء الجنوبي من الوطن ضد الاستعمار البريطاني وانطلقت من جبال ردفان بقيادة راجح لبوزه الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة.
في الذكرى الـ 61 لثورة الرابع عشر من أكتوبر يحق لنا ان نفخر بهذا اليوم الفارق من تاريخ امتنا اليوم الذي وضع بلدنا في طريقة الصحيح نحو الدولة الوطنية الموحدة الحرة والمستقلة اليوم الذي أحدث تغييراً عميقاً في بنيتنا الاجتماعية والمؤسسية، وغير وجه الحياة على نحو شامل بما في ذلك مشروع الدولة الذي انبثق للمرة الأولى في جنوب الوطن كواحد من اهم تجليات النضال الإنساني اليمني، ليهزم بذلك مشروع الفرقة والتشرذم من نحو 23 سلطنة واماره ومشيخة ومستعمرة لصالح مشروع الدولة الوطنية المستقلة.
إن الرابع عشر من أكتوبر يشكل خلاصة ما بذلته الحركة الوطنية في طول البلاد وعرضها، وفي محورها كانت عدن المدينة الابية المفتوحة لنضال اليمنيين الذي لا ينتهي في وجه كل مشاريع العبودية والاستعمار.
تعلمنا من ثورة الرابع عشر من أكتوبر معنى ان نكون قوه موحده لتحقيق النصر المؤزر الذي شكل لنا لاحقاً مدخل رئيسي لمفهوم الدولة الذي أحبط الى الابد أي محاولة للاستقواء بانتماءات فئوية او طائفية او مناطقية، لكن الأبلغ من ذلك ان شعبنا استلهم من جيل أكتوبر استجابته المدهشة لفك حصار السبعين يوماً عن صنعاء من قبل الاماميين في ستينات القرن الماضي.
تمثل ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م امتداداً طبيعياً لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وحداثتهما للشعب اليمني، وتعد من اهم الثورات التي غيرة حياة اليمنيين وغيرة مجرى التاريخ في صون الوطن بشكل خاص واليمن بشكل عام.
وبالحديث عن اهداف ثورة أكتوبر يمكن القول ان أهدافها كانت حق اهداف الثورة الام 26 سبتمبر 1962م، وهذه الأهداف السبتمبرية والاكتوبرية شكلت في مجملها منظومة متكاملة غير قابلة للانتقاء والتجزئة، وكانت بمثابة برنامج عمل سياسي عكس مدى الوعي السياسي لدى قادة رواد الثورة الأوائل، حيث ان كل هدف مثل سبباً ونتيجة للهدف الاخر.
ويجمع العديد من رجالات الحركة الوطنية ومؤرخي الثورة اليمنية، على ان سبتمبر واكتوبر كانتا ثورتين متكاملتين في الوسائل والاليات، ولم يكن من الممكن نجاح احداهما بمعزل عن الأخرى فالتحرر من الاستعمار البريطاني كاستعمار خارجي لا يمكن الا بالتحرر من الاستبداد الذي كان جاثماً في الشطر الشمالي كاستعمار داخلي.
وبعد نجاح ثورة سبتمبر وسقوط حكم الامامة الكهنوتي البائد تحولت المحافظات اليمنية في الشمال الى محاضن للحركة الوطنية الفتية في الجنوب والتي عملت على تنظيم نفسها في إطار سياسي يمثل أبناء الجنوب في صنعاء عرفت حينها بحركة تحرير الجنوب اليمني المحتل.
وكان انتصار ثورة 26 سبتمبر مؤشراً كبيراً لانتصار ثورة 14 أكتوبر في الجنوب، فبعد عام واحد فقط من ثورة 26 سبتمبر 1962م عاد المناضلون من أبناء الجنوب حاملين في افئدتهم شرارة الثورة والخبرة والتجربة والعلوم العسكرية التي تعلموها ليكونوا وقوداً لثورة 14 أكتوبر التي غيرة وجه اليمن بمساندة الاحرار والثوار والشرفاء من محافظات شمال اليمن.
اليوم تطرح ثورة أكتوبر في عيدها الـ 61 سؤالاً وجودياً، وتطرح سؤال الاستقلال من جديد، فقد عاد المستعمر الى ارض الجنوب وأعلن عن نفسه في شوارع ومدن حضرموت وفي شواطئ المهرة وفي عدن والجزر اليمنية دون قناع، وقد كان على مدى سنوات العدوات يتخذ من البشت السعودي والامارات غطاء يستر من ورائه أهدافه، وبعد كل هذه السنين خرج نابه دون خوف او حياء.
لم يصدق شعب الجنوب حقيقة التموجات التي تحدث بل خدعهم الاعلام فظنوا ان صنعاء جاءت كي تحتل عدن، ورأينا الكثير يتحدث عن عدن التي تم تحريرها من أهلها، وحدثت موجة تهجير لكل شمالي من عدن ومن الجنوب كله حتى تمخض الجبل فولد بريطانيا في المهرة وامريكا في حضرموت ومدنها، وفي الجزر وفي قاعدة العند وباب المندب، وإسرائيل في سقطرى، ولم يجد الجنوب نفسه بعد كل هذه الظواهر مستقلاً ولا يملك قراراً.
سوف تظل ثورة أكتوبر ثورة ملهمة لكل احرار اليمن ضد أي غاز او مستعمر أجنبي، وربما تكون ثورة أكتوبر في عامها هذا غيرها في كل الأعوام، فهي ثورة ملهمة لحركة التحرر ولن يهنأ غاز فكر في اذية اليمن او حاول فرض هيمنته عليها، فاليمن لم تذل لغاز ابداً، وبذلك يقول تاريخها.
لا بد من القول ان قيام ثورة 26 سبتمبر ورديفتها 14 أكتوبر لم يكن ممكناً بدون المناخ العام الذي ساد العالم العربي وعلى المسرح الدولي في تلك الفترة الزاهية من نضال الشعوب وكفاحها من اجل الاستقلال والتقدم.
المهم في الامر ان اليمنيون اختلطوا وامتزجت دماؤهم في كل مواقع الكفاح في الشمال والجنوب، حتى تحققت ثورتي الـ 26 من سبتمبر والـ 14 من أكتوبر المجيدتين في مشهد بدت معه الوحدة الوطنية حلماً عظيماً وهدفاً كبيراً، لذلك كانت تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م تحصيل حاصل اوهي تصحيح لواقع شاذ وغير طبيعي ومهما حصل بعدها من أخطاء، فإنها لا تبرر باي حال العودة الى الوضع الشاذ وغير الطبيعي الذي فرضة الاستعمار والنظام الرجعي، والطبيعي ما يتفق مع حقائق التاريخ والجغرافيا، وثورة 14 أكتوبر واحده من تلك الحقائق، لقد كانت ثوره ضد الاستعمار، وفي الوقت ذاته ثورة الوحدة اليمنية وثورة الروح القومية، وحدة تجسدت بالدم والعرق، وروح نبضت بالآمال والاحلام الكبيرة لليمن واليمنيين.
وفي مثل هذا الوضع المحزن والمؤسف نقول لمن يعبث بمقدرات الوطن اليمني ان المستقرأ للتاريخ في مختلف الحقب والعصور بنوع من الحصافة والعقلانية يدرك ان انفراط عقد المحاولات المتصلة لتوحيد اليمن ارضاً وانساناً كان ينسحب دائماً وبالاً وكوارث تطال عامة الشعب حكاماً ومحكومين، ويقيناً ان الوحدة اليمنية المعاصرة تشكل حلقة متفردة وذات أكثر من خصوصية في تاريخ اليمن الراهن لكونها تمخضت عن إرادة شعبية وطموح جماهيري قبل ان يكون إرادة سياسية او قرارات سلطوية يكون الشعب فيها رقماً مفقوداً.
لذا فان مجرد التفكير في فض هذا الاجماع التاريخي والوطني والتكوين نحو اشكال التفرق والتشرذم والتشطير ترجمة لإرادة الخارج المحتل للأرض والانسان في الجنوب، سيكون خيانة عظمى وطنية وتاريخية يدفع ثمنها الجميع عاجلاً ام اجلاً، ولذلك فان التفكير في غير الوحدة مهما كانت المبررات يعد انتكاسة وكارثه لليمن لا سمح الله ونصر لأعداء اليمن المتحينين للفرص دائماً حيث يختارون الوقت المناسب ليضربوا ضربتهم من خلال المندسين بين صفوفنا الذين هانت قيمهم واخلاقهم وكرامتهم امام مغريات الصفقات المادية المشبوهة كما يفعلون حالياً عندما ارتموا في أحضان المتآمرين على اليمن وشعبها العظيم وعندما رفع شعار الوحدة او الموت كان موجهاً لأعداء اليمن في الداخل والخارج ولم يكن الهدف منه فرض الوحدة بالقوة كما يرى بعض الابواق المأجورة التي تعمل لخدمة أعداء اليمن ووحدته.
بقي ان نقول ان اليمن الموحد سيفرض بعده الإقليمي والقومي والدولي على كل الأقطار العربية بحيث يشكل نموذجاً يحتذى به لا سيما بعد ان يخرج اليمن من وضعه الحالي المعقد منتصراً بإذن الله تعالى وما ذلك على الله ببعيد.
ان الوحدة هي عزتنا وكرامتنا وشموخنا، بل انها محل فخر واعتزاز كل يمني حر شريف غيور يحب لوطنه التقدم والازدهار والرقي، فدمائنا وارواحنا فداء للوطن وللوحدة الوطنية.
وفي الأخير نجدد التهاني والتبريكات في هذه المناسبة الجليلة والسعيدة لكل جماهير شعبنا اليمني في الشمال والجنوب، عاش اليمن حراً مستقلاً موحداً، والرحمة والخلود لشهداء ثورة 26 سبتمبر، و14 أكتوبر.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 16-أكتوبر-2024 الساعة: 09:19 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66695.htm