عبدالرحمن بجاش - عندما يحدّثك تجده يقطر أدباً..
تلك مُسلَّمة مقحفية إذا صح التعبير..
بيت المقحفي بين تعز وصنعاء وحجة ومنصور في شارع جمال في صيدليته الأثيرة رابط من بيئة دمثة الخُلُق...
عندما يحدّثك إبراهيم فعليك أن تدرب أذنيك على التقاط أصغر الأصوات وأهدأها، وتعلم أن عبارة "الله يبارك فيك" امتياز مقحفي …
جلست إليه لأول مرة في مطعم فندق المخا الذي كان يومها علامة صنعاء وعلي عبدالمغني، بكل أدب يعرض عليّ:
هل توافق أن تكون مسؤولاً عن تحقيقات صحيفة الثورة؟
أنا سأعين مديراً للتحرير
بدون تفكير أقول: نعم..
يومها كان عائداً من القاهرة بعد أن أكمل الجامعة -صحافة.. وتدور العجلة..
كنا لا نزال كمؤسسة سبأ العامة للصحافة والأنباء في بيت التويتي بجانب المبنى القديم للتجارة الخارجية، كانت الصحيفة تحتل الطابق الأرضي.. والمطابع في رابع عمارة على الشارع في دكاكين وبدروم !!
تظل تتابع يد إبراهيم تحس أن هذا الإنسان خُلِق للتعامل مع الورق، طوال بعد العصر نظل في مقر الصحيفة وفي المساء أنتقل معه إلى المطبعة، كانت لا تزال مطبعة هايدلبرج الألمانية تطبع بأحرف الرصاص، ورحم الله أحمد عبدالعزيز البنا الذي كان يظل يرص الحروف على مخاطر الرصاص حتى يكمل الصفحة، يراها إبراهيم بعد أن تُسحب يدوياً فلا يعجبه الإخراج فيطلب إعادتها وبرضا أسطوري وصمت مهيب لا ينزعج البنا بل يعيد رص الحروف حتى يوافق مدير التحرير وأنا بينهما..
مفارقات جميلة في ذلك الدكان التي كانت المطبعة تحتله في كل ليلة حيث ترى من يأتي يبحث عن سجائر، وآخر عن علبة فاصوليا، وآخر وهكذا..
ولن أنسى تلك الليلة أحد الزملاء حيث رن جرس التليفون الأرضي فذهب ليرد وعاد لأسأله: من؟..
واحد غلطان..
كنت تلك الليلة مناوباً..
في الأيام التالية، كلما التقيه كان يشكي لي من "إسهال" شديد اتعبه، عرضت عليه الذهاب إلى المستشفى فرفض.. حتى ثاني يوم اغتيال الغشمي ، التقيته، فانتحى بي جانباً: خلاص انتهى الإسهال؛ فلم أفهم..
عاد يقول: تذكر تلك الليلة التي اتصل فيها أحدهم وقلت لك إنه واحد غلطان..
قلت : أتذكرها جيداً..
قال : المتصل كان الغشمي..
كانت الصورة الرئيسية في الصفحة الأولى ثاني يوم دفن الحمدي قد أظهرت الأحذية فوق رأسه !!
قال لي : قل للزرقة أنا مابش عندي كلام، أنا عندي رصاص !!!
فانهار صاحبي..
يعيد البنا رص الصفحات ونخرج مع الهزيع الأخير من الليل..
أما ليلة إصدار الملحق الثقافي فقد نمتُ على أول سيارة اشتريتها، لأن العمال الذين كنت أسكن معهم ناموا مبكرين كما هي عادتهم …
بين الثورة ودار الكلمة توزع إبراهيم باقتدار…
دار الكلمة بفرعيها العربي والإنجليزي، وبعد ثالث لتوزيع الصحف والمجلات، وبعد رابع لتحقيق الكتب التي تميز بإصداراتها إبراهيم مثل معجم القبائل والشخصيات اليمنية المشهورة…
ترك إبراهيم "الثورة" وذهب إلى الإذاعة بعد أن كان إضافة إلى جهده على أصعدة متقاربة يعد برنامجاً لها اسمه "أوراق ملونة"، وتوليتُ أنا بعده إدارة التحرير… وفي الإذاعة أضاف الكثير، لكن الجهد المميز في هذه البلاد يضيع في زحمة المتدافعين على الكراسي!!
*إبراهيم أحمد المقحفي صحفي، إذاعي، مؤرخ، مؤلف.. وُلد في مدينة حجة، التحق بالمدرسة الابتدائية في مدينة حجة، ثم انتقل إلى مدينة صنعاء؛ حيث أكمل فيها دراسته حتى ابتعث إلى جامعة القاهرة؛ فالتحق فيها بقسم الصحافة في كلية الإعلام، وتخرج منها سنة 1399هـ/1979م، كما ابتعث ضمن ثلاثين طالباً إلى إيران لدراسة العمل التلفزيوني، وكانت هذه المجموعة هي التي تولت افتتاح تلفزيون صنعاء فيما بعد، وأثناء دراسته في القاهرة أصدر مجلة: (الكلمة) وكتاب: (الكلمة) تحت إشراف الدكتور (عبدالعزيز المقالح).. عمل بالإذاعة والتلفزيون خلال دراسته الثانوية، وبعد تخرُّجه من الجامعة عمل في صحيفة الثورة، تعيَّن مديراً للبرامج بإذاعة صنعاء، ثم مديراً عاماً للإذاعة، وانتُخب أميناً عاماً لنقابة الصحفيين اليمنيين".
من مؤلفاته:
معجم البلدان والقبائل اليمنية..[3] صدر في أربع طبعات.
حوار مع أربعة شعراء من اليمن.. مطبوع.
موسوعة الألقاب اليمنية..[4] مطبوع.
المعجم الجغرافي لليمن.. مخطوط.
حقق الكتب التالية
نشر الثناء الحسن؛ للعلامة (إسماعيل الوشلي)..
إدام القوت في بلدان حضرموت؛ للمؤرخ (عبدالرحمن عبيدالله السقاف)..
عقد الجواهر والدرر للمؤرخ (محمد بن أبي بكر الشلي)..
السناء الباهر بتكميل النور السافر؛ للمؤرخ (محمد بن أبي بكر الشلي)..
روح الروح فيما جرى بعد المائة التاسعة من الفتوح؛ للمؤرخ (عيسى بن لطف الله شرف الدين)..
درر نحور الحور العين؛ للمؤرخ (لطف الله جحاف)..
الكلمات الدلالية
|