د. محمد علي بركات - للبنوك والمصارف المالية دور مهم وأساسي في حياة الشعوب، لما تشكّله من أهمية بالغة في كل ما يتعلق بإدارة مجالات المال والأعمال وفي مختلف الشؤون الاقتصادية والتجارية..
ولا يزال دورها يتعاظم في ظل التطورات المتسارعة التي عمَّت العالم في هذه المجالات وفي غيرها، ولهذا واكبت تلك التطورات فاتسعت نشاطاتها وتطورت أساليب تعاملاتها المالية والإدارية.. وبين كل فينة وأخرى تحدث تطورات هائلة في هذه الشؤون الحيوية؛ إلا في وطننا الغالي لا تزال البنوك الوطنية بعيدة كل البعد عما يجري في العالم من متغيرات وكأنها في العصور الحجرية..
فهل يُعقل أن بعض البنوك في اليمن الميمون تعرقل صرف أموال المواطنين بصورة علنية.. وتماطل باستمرار عند سحب أي عميل جزءاً من ماله الموجود لديها أياً كان نوع حسابه بمبررات واهية وغير قانونية.. ولو تكرَّم أحد تلك البنوك بالموافقة على صرف مبالغ زهيدة لبعض المواطنين يحددها المسئول المبجل بسقف المزاجية، مع أن عملية الصرف لا تتم إلا بصورة شهرية.. حسب القرار الظالم لتلك البنوك، ورغم ذلك لا يتم صرفها إلا بعد تعرُّض صاحب المال للمماطلة والمهانة لمجرد أنه يطالب بصرف حاجته من ماله الموجود بهذا البنك أو ذاك من البنوك الوطنية.. وتلك لا شك قمة المهزلة والعبث، مما اضطر معظم أصحاب الأموال للمطالبة بأموالهم عبر رفع قضايا بالجملة ضد بعض البنوك التي لم تعد تحرص على سمعتها وتعرّض تاريخها للتشويه على المستويات المحلية والدولية.. خاصةً وتاريخ إنشاء أحدها يسبق تاريخ إنشاء البنك المركزي بالجمهورية اليمنية..
الجانب الأهم والمؤلم في هذا الشأن هو الجانب الإنساني ويتجلى في الظلم الذي يتعرض له صغار المودعين وذوو الأقل مالاً، وجُلُّهم من الموظفين ومحدودي الدخل والعاجزين عن العمل، والذين يشكلون الأغلبية.. أما كبار المودعين وذوو المال الوفير فلن يعجزوا عن تحصيل أموالهم وسيجدون الطرق التي تحقق لهم ذلك بكل أريحية..
ولذلك نناشد القائمين على البنوك ألا يجمعوا ببن العُسرين بحرمان المواطنين من ودائعهم ومدخراتهم، وإلا فما الفرق بينهم وبين أعداء الوطن الظالمين الذين حرموا المواطنين من رواتبهم وحقوقهم المشروعة لسنوات، ومن فرص الحصول على مصادر لمعيشتهم دون مهانة أو مذلة..
ويجب أن تتوقف الأسطوانة المشروخة التي تردد باستمرار أن البنك المركزي هو من يعيق صرف ودائع المواطنين ومدخراتهم المالية، وربما كانت تلك شمَّاعة التقصير التي أوصلت البنوك لهذا المستوى المتدني في المعاملة.. في الوقت الذي أصبحت فيه تلك المدخرات هي المصدر الأساسي لمعيشة الناس جراء إيقاف صرف رواتب الموظفين منهم، وشحة مصادر الدخل لفئات المجتمع الأخرى وارتفاع نسبة البطالة..
ولا شك أن قمة الظلم حرمان المحتاجين من الاستفادة من أموالهم التي ادَّخروها لمواجهة مثل هذه الظروف المعيشية بالغة الصعوبة.. والواجب الوطني والإنساني يحتّم على جميع المعنيين المبادرة بوضع المعالجات المناسبة لهذه المعضلة..
ونتوقع أن يتنبه المعنيون بإدارة تلك البنوك لما أصابها من تدهور ولخطورة ما يحدث من عبث يدمر نشاطاتها ويضر بالمساهمين فيها وبجميع المتعاملين معها، ونهيب بهم أن يبادروا بالتعاون مع الجهات المعنية في الدولة لمعالجة تلك الإخفاقات بحِكمة وجدية.. وتلك هي القضية.
|