الميثاق نت -

الأحد, 03-نوفمبر-2024
الميثاق نت - بليغ الحطابي ‬: -
تواجه البلاد تشظّياً وانقساماً مجتمعياً، وانهيار المنظومة الاقتصادية وتفكُّك الجغرافيا السياسية للدولة، وتفاقم
الأزمة الإنسانية نتيجة حرب السنوات العشر الأخيرة للتحالف العربي المدعوم غربياً، وهذه العوامل قادت إلى فشل الدولة، وعدم قدرتها على القيام بأبسط واجباتها في ظل حصار جاثم طِيلة تلك السنوات.. ومع ذلك ظهرت بوادر ومحاولات لإنهاء هذه الحالة عبر إجراءات ممكنة، تمكّن من الوصول إلى إصلاحات حقيقية للوضع، وذلك عبر ما لجأت إليه قيادة صنعاء ممثلةً بالمجلس السياسي، بإجراء تغييرات على طريق التغيير والإصلاح الشامل، وتحت عنوان "التغيير الجذري"..
وهو إدراك ناتج عن جملة التحديات والعقبات التي واجهتها حكومة الإنقاذ، خلال سنوات العدوان، فضلاً عن سلبيات وإخفاقات شابت أداء المؤسسات الخدمية وأنظمتها الإدارية لحكومات سابقة..
لذا باتت خطوة التغيير ضرورة ملحة لمعالجة وتصحيح تلك الأخطاء، وتصويب عمل مؤسسات الدولة وبالذات الخدمية، والوصول إلى بناء قوي وحقيقي للدولة..


أُولى الخطوات..

وضمن خطوات الإصلاح السياسي دُشّنت أُولى الخطوات بإجراء تغيير لحكومة الإنقاذ بحكومة التغيير والبناء، وهو ما يراه مراقبون خطوة صحية تفتح باب التفاؤل لإمكانية تحقيق أهداف بناء الدولة القوية.. وتحتاج إلى جهد أكبر في سبيل الوصول إلى مبتغى الحركة الإصلاحية هذه..
ويرى مراقبون أهمية استمرار عملية التغيير في الجهاز الحكومي قبل أن يفقد الناس ثقتهم، وزخم التفاعل معها.. ويؤكدون أنه وما لم تُحدِث فرقاً فإن ذلك سيُحدِث انتكاسة في الشارع..


إيجاد ثقافة..

وبحسب سياسيين فإن الإصلاح يرتبط بشكل وثيق بنشر ثقافة سياسية ديمقراطية تحقق المعادلة الصعبة المتمثلة في دعم الثقة بين المواطن والنظام من جهة، وحق المواطن في نقد السلطة والمشاركة في تصحيح توجهاتها من جهة أخرى..


ترسيخ الحكم الصالح..

في حين يعتبر الإصلاح السياسي تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد، كما يُعتبر وفق قاموس "وبستر" للمصطلحات السياسية ركناً أساسياً مرسّخاً للحكم الصالح، ومن مظاهره سيادة القانون والشفافية، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، والعدل وفعالية الإنجاز وكفاءة الإدارة، والمحاسبة والمساءلة، والرؤية الاستراتيجية؛ وهو تجديد للحياة السياسية وتصحيح مساراتها، ولصيغتها الدستورية والقانونية، بما يضمن توافقاً عاماً بين أفراد المجتمع للدستور، وسيادة القانون، وفصلاً للسلطات، وتحديداً للعلاقات فيما بينها..
ومنذ إعادة تحقيق الوحدة سعت اليمن لخطوات، بيد أن تأثير التدخلات الخارجية أضعف برنامج الإصلاح، بحسب ما يقول باحثون غربيون.. وبما أن بلادنا خاضت غمار هذه التجربة ولها نجاحات محسوبة في مساراتها المتعددة وسعت جادةً إلى خيارات واسعة نحو الإصلاح للنظام السياسي بمعناه الواسع أياً كانت الإخفاقات والتعثُّرات التي اعترضت تلك المسارات.. إلا أنه يُحسب لها كأول منطقة في الشرق الأوسط تمضي نحو هذا الخط وتجسيد الحكم الديمقراطي والانتخابات كجزء من منظومة الإصلاح السياسي..


إصلاح ذاتي..

ومن ذلك المنطلق يرى مراقبون وباحثون سياسيون لـ"الميثاق"، أن الإصلاح السياسي يجب أن يكون ذاتياً من الداخل وليس مفروضاً من الخارج، كما يجب أن يكون شمولي الطابع، وأن يحمل في طياته صفة الاستمرارية، وواقعياً ينطلق من واقع الدولة وطبيعة الاختلالات القائمة المُراد إصلاحها، ويجب أن ينحى منحى التدرج، مرحلة تلو الأخرى، وأن لا يكون سريعاً ومفاجئاً، ويركّز فيه على المضمون والجوهر لا الشكل.. وباعتقادنا يجب أن يتلازم مع البنى الفكرية القائمة، لأن حالة التعديل حالة ذهنية، أي يجب أن تكون مستوعبَة ومدرَكة عقلياً من الخاصة والعامة على السواء، ناهيك عن أهمية الشفافية والوضوح، وألاّ يكون في طياتها غموض أو قفز نحو المجهول..


تأسيس لمرحلة الإصلاح..

ويرى وكيل محافظة شبوة الدكتور حمزة الحمزة، أن الإصلاحات الإدارية والسياسية الجارية في الجانب الحكومي والقضائي والتي بُدئت بتشكيل حكومه البناء والتغيير وأيضاً التغييرات التي شملت القضاء تعبّر عن جزء من تطلعات الشعب اليمني من خلال التنوع في الاختيار والذي ضم أغلب مكونات الشعب اليمني وأحزابه وفصائله بما لا يخل في الأداء من حيث الكفاءة وتحمُّل المسؤولية..

ويعتقد الدكتور الحمزة أن من شأن هذه التغييرات أن تؤسس لإصلاحات أخرى وبناءٍ قادم سينهض بالجمهورية اليمنية وسيجعلها من ضمن مصاف دول العالم من حيث النهضة الاقتصادية والتنموية بما لا يضر باستقلال البلد..


مميزات التغيير..

ولعل مايميز هذا التغيير هو التنوع وضم كل المكونات وتجنُّب الانفراد لطرف معين على الآخر؛ كما أن هذا التغيير تم وفق آلية منظمة وتقييم دقيق يراعي الكفاءة والمسؤولية والوطنية ويضم كل المكونات الوطنية والمؤثرة، كما أنه يرسخ مبدأ الوحدة اليمنية العظيمة التي تمت بعد مشاورات طويلة بين كل الفرقاء الأحرار من أبناء البلد..


الانفراد بالقرار..

ويؤكد وكيل محافظة شبوة أن تبنّي الإصلاحات من جانب طرف معين لا يفضي إلى شراكة وطنية موحدة، كما أن الانفراد برأي من قِبَل طرف معين دون النظر إلى آراء الآخرين لا يسهم في البناء والإصلاح، حيث إن بناء دولة يمنية حديثة تواكب التطور في الدول المتقدمة الأخرى يتحتم الشراكة في الآراء والمقترحات والتنوع في البناء والتشكيل في كل الجوانب، وهذا ما سيحصل بإذن الله؛ وهذا ما تبني عليه القيادة الثورية والسياسية في وطننا الحبيب..


استراتيجية..

إن إصلاح النظام السياسي يتطلب رؤية استراتيجية مؤسسة على مقارَبات علمية شاملة لتفكيك بنية النظام وعُصَبِهِ، وإعادة تشكيل موازين قوى جديدة وفق قواعد سياسية وقانونية تحظى بالشرعية والمشروعية وفي إطار مؤسسات دستورية ذات سيادة وفعالية..


نهضة الشعوب..

ولذلك يقول رئيس مركز تعز للدراسات وحقوق الإنسان نبيل الصلوي، إن الإصلاحات السياسية من العوامل الرئيسية لنهضة الشعوب وتقدمها، فمن خلالها تتجسد المشاركة الشعبية في الحكم وصناعة القرار وإدارة شئون البلاد، الأمر الذي يتوجب معه إشراك ومشاركة جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في كافة الإصلاحات السياسية سواءً من ناحية الإصلاحات في المنظومة التشريعية والقانونية أو آليات وبرامج تنفيذها.. إذ أن مشاركة كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الإصلاحات السياسية ينعكس إيجاباً على الثقة في توسيع وتعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرار وإدارة شئون البلاد، وبالتالي تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي والصحي والأمني والاجتماعي..


انتكاسة للقِيَم الوطنية..

ويعتبر الصلوي أن الانفراد في إجراء أي إصلاحات سياسية بعيداً عن إشراك القوى السياسية والمجتمع المدني يُعد انتكاسة وتراجعاً واضحاً عن الشراكة الوطنية والشعبية في البلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى انعكاسات سلبية وانعدام الثقة بين عامة الشعب وبين مصدر القرار، وبالتالي تفشّي الفوضى وما يترتب عليها من انعدام الاستقرار في البلاد..


تغييرات لصالح الشعب..

من جهته يرى عضو اللجنة الدائمة الدكتور عبدالباسط الكميم، أن التغييرات الجذرية جاءت لمعالجة أي قصور في الحكومة السابقة، ولم يتم التغيير الجذري لمجرد التغيير فقط، ولكن لتقوم الحكومة الجديدة بواجباتها، وإنهاء القصور الذي يأتي من أيديولوجية استقواء طرف على طرف والتي ترى أن من واجب الشعب خدمته حاكماً..

وبحسب الكميم يفترض أن حكومة التغيير والبناء في تشكيلتها تمثل الجمهورية اليمنية على المستوى الجغرافي والاجتماعي والسياسي، فعلى الرغم من أنها حكومة تكنوقراط لها مهام وأولويات مرحلية ملحّة ومتعلقة معظمها بالتخفيف من معاناة المواطن وتوفير الخدمات للمجتمع، إلا أنه لم تتم مراعاة البُعد السياسي والجغرافي والاجتماعي في التشكيلة..

وكان المؤمَّل أن التحالف مع المؤتمر الشعبي العام وحلفائه ومع بقية الأحزاب اليمنية مستمر ومتماسك ويتجاوز أي إشكالات وخلافات بشأن المصلحة الوطنية، ولا يوجد ما يعكّر صفو هذا التلاحم والتماسك..


أهم ركائز النجاح..

وفي السياق تحدث الدكتور عبدالباسط الكميم عن أهمية توفُّر الوحدة الوطنية في أي خطوة إصلاحية، بقوله: الوحدة الوطنية هي إحدى أبرز الركائز الوطنيّة وإحدى أهم دعائمه ومقوّماته التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد وتربط بينهم، إذ تقوم بشكل أساسي على حبّهم للوطن وانتمائهم له ودفاعهم عنه ضدّ أيّ قوّى خارجيّة تحاول إيذاءه أو السيطرة عليه بأيّ شكل من الأشكال؛ كما أنها توحّدهم على نفس المبادئ والعادات والتقاليد ضمن المساحة التي يعيشون فوقها من الأرض..
ويضيف: تتمثل أهميّة الوحدة الوطنيّة على صعيد الفرد والمجتمع بما يمنحهم قّوة كبيرة تمكّنهم من صد أي عدوان خارجي أو داخلي متمرّد أو متطرّف وحماية أنفسهم وأوطانهم من شرور الآخرين، فبالوحدة تقلّل نسبة المشاكل الداخليّة والاجتماعيّة التي تعاني منها المجتمعات المتفرّقة والتي تعود بالضرر وتلحق أذىً كبيراً بالمصلحة العامّة وذلك من خلال سيادة مفاهيم المحبة والود والتعاون التي تقف في وجه التخريب والجرائم وتتصدى له، وتساهم في النهوض بكافة قطاعات الدولة، وبالتالي تمهّد الطريق نحو مستقبل مشرق لكافة فئات المجتمع، حيث إنّ الوحدة الوطنيّة تولّد لدى الشخص شعوراً بالانتماء نحو وطنه وأبناء شعبه، وبالتالي تدفعه لأن يخلص في عمله ويطوّر من نفسه، وبالتالي ينهض بدولته ويساهم في نشر السلام.. وأينما تحلّ الوحدة الوطنيّة تختفي كافّة عوامل الشرور، والخلافات، والأحقاد، والعنف، والعنصرية، وتسود أجواء المحبة، والتسامح، والتكاتف، والتآخي، والتعايش..

ويؤكد أن تحقيق مفهوم المواطنة السليمة والوحدة الوطنية على المجتمع والأفراد يعود بنتائج إيجابية عِدّة تتمثل في إنهاء الفتن الداخلية ودعم الاستقرار الاقتصادي، وانتشار السلام نتيجة لعدم وجود النزاعات العقائدية والعِرقية، وتغليب لغة الحوار والإسهام في تنمية مؤسسات الوطن نتيجة للعمل المخلص والدؤوب على تطويرها وازدهار القطاع الاقتصادي والارتقاء به وتلاشي المشكلات الناتجة عن تراجعه تدريجياً بما يسهم في تحقيق القوة والمَنَعة الخارجية أمام الدول الأخرى نتيجة لتماسك النسيج الوطني الداخلي حمايةً لمكتسباته ومرافقه كافة والعمل على تطويرها مما يزيد من مظهره الجمالي ورقيّه وعلو شأن مواطنيه، وحفظ ماء وجههم وهيبتهم في حلّهم وترحالهم بين البلدان الأخرى..


كفاءة وتنوُّع..

وتحدثت بعض الأخبار عن حكومة التغيير والبناء أن تشكيلتها قد راعت الكفاءة والتنوع وقلَّصت التضخم في الوزارات، وهو ما يُعد بداية لإصلاح مسار الأداء الحكومي..
بيد أنها تواجه تحديات كبيرة في الإصلاح المؤسسي نتيجة الحصار والتداعيات الكارثية للعدوان ونهب الثروات والاحتلال، ما يؤكد الحاجة إلى تضافر الجهود لإنجاح هذه المرحلة وإحداث التحول والتغيير الحقيقي في أداء المؤسسات والأجهزة الحكومية استجابةً لطموحات الشعب..
ويؤكد مراقبون في السياق: يُقاس مدى نجاح أي فريق حكومي في مدى تفاعله مع آمال وتطلعات وحقوق المواطن، فمثلاً نجاح حكومة التغيير والبناء مرهون بمدى تفاعلها مع قضية المرتبات وسعيها الجاد لصرفها وإخراج المواطن من عنق الأزمة الاقتصادية الخانقة..

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 11:20 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66768.htm