الميثاق نت -

الأحد, 03-نوفمبر-2024
د. أيوب الحمادي -
أكثر من 100 سنة وزيَّدنا فوقها أيضاً عشر، ولم تتغير ثقافة اليمني في المشهد السياسي.. ما زال يمنياً بسيطاً لم يتعلم في المعاهد السياسية ولا من أبناء الجوار رغم أنه المفروض يكون حالنا أفضل، مرتكزين على إرث حضاري أقلها بدل أن تغلب على اليمني مِنا في المشهد صفة البرغماتية لدرجة الانتهازية من بوابة التكسب بمعاناة بلده ومجتمعه، في أي غرفة أو ورشة أو مؤتمر أو لقاء كان بقصد أو بدون قصد.. صفة مخجلة نجدها أمامنا تتوسع بشكل مستمر، لا يهم الانتهازيين شيئاً غير النفعية السريعة، ولا يغرنكم البهرجة والكرفتات والعبارات الوطنية التي نسمعها، فالكل يرتدي أقنعة تمثيل على الغلابة الذين لا يجدون حتى سلات الغذاء على قولة أحد الأصدقاء بمجمل طرحه..


وهنا أورد أحد الأعزاء سردية تاريخية تقول "إنه في 11 سبتمبر 1911م وقع صلح دعان بين أحمد عزت باشا مندوب السلطان العثماني وبين الإمام يحيى حميد الدين في قرية دعان القريبة من مدينة عمران، وذلك بعد سلسلة من الحروب وقعت بين الطرفين.. كان الوضع في اليمن بنظر الدولة العثمانية يحتاج إلى تهدئة عامة لأن هناك اخطاراً تستنزف الدولة العثمانية في ليبيا والبلقان وغيرها، بمعنى يكفي استنزافاً لجنودهم في اليمن منذ سنوات.. ومن تلك الخطوات لتهدئة الأمور في اليمن أرسل السلطان العثماني عبدالحميد الثاني بعد الاستنزاف المستمر في اليمن وقبل دعان أي في 1908م يطلب وفداٌ من كبار رجال صنعاء من سادة وعلماء وأعيان ليتكلموا عن قضيتهم، ولماذا يقاتلون الأتراك، ووصل الوفد إلى إسطنبول ومكثوا بها مدة طويلة.. مكثوا مدة طويلة يتفرجون ويتفسحون كما هو حالنا اليوم، وما أشبه اليوم بالبارحة كما نتحدث.. والعثمانيون يراقبون ثوار اليمن وسلوكهم، حتى استطاعوا -بعد أن شبعوا واتفسحوا- مقابلة السلطان العثماني، ولم تدم المقابلة إلا عشر دقائق فقط كما يتحدث التاريخ، ويرجع ذلك أساساً إلى سلوك الوفد اليمني غير العقلاني أولاً، وثانياً فشل أعضاء الوفد في عرض القضية، والتى أتوا من أجلها، وحتى كان الوفد يختلف أساساً فيما بينه وبين نفسه حول أكثر من نقطة، ولم ينقسم الوفد هنا حول كيفية حل أزمة اليمن فقط بل اختلف أعضاء الوفد اليمني حول الغرض من حضورهم إلى إسطنبول أيضاً، فكان أكثرهم وهم الانتهازيون يرون أن المثول أمام السلطان فرصة لا تعوض لنيل مطالب خاصة لكل واحد منهم، يعني بمفهوم اليوم استرزاق ومصالح شخصية كالحصول على مناصب وبيت ومراكز معينة في الدولة، ونسوا وقتها اليمن وأنهم يدَّعون الوطنية، وأنهم يمثلون ثواراً، ولهذا لم يحترمهم السلطان العثماني ولا أحد في الباب العالي، وانتهى اللقاء بعشر دقائق، وفشل الوفد وأغلقوا الضيافة أمامهم، وعاد الوفد مباشرة إلى صنعاء كما أورد، بمعنى لا أنهم استرزقوا ولا كانوا بثقافة ثوار فيتنام كما نتحدث اليوم في العادة، ولا التاريخ سجل لهم موقفاً ثابتاً للأجيال نقتدي بهم كما كان حال الثائر المجاهد عمر المختار مثلاً..


ورغم فشل الوفد الأول، طلب السلطان بعد صلح دعان أي بعد العام 1911م وفداً يمنياً، وهؤلاء على أساس الآن ثوار بجد، يعني بعد دعان، وكان يقصد بهم من رجال الإمام خاصة، لا من أهل صنعاء ولا من حولها، ووصل الوفد إلى إسطنبول، ولم يتعلم من إخفاقات الوفد الأول، لأن الوفد الأول لم ينظر لفشله ولم يحاسبه أحد لأن الأمر له كانت فسحة، وظل الوفد الآخر أيضاً يتفسحوا ويفتهنوا ايضا، أي لم يختلفوا عن الذين كانوا من قبلهم، وهم على أساس أنهم ثوار أيضاً، وكان كل واحد يفكر ايش يطلب من السلطان العثماني في المقابلة مثل من سبق بمعنى ثقافة انتهازية تناقلوها بينهم، وقد التقوا بالباب العالي كما تتحدث السرديات، لكن هذا الوفد فشل أيضاً في شرح قضية اليمن لدى السلطان، لأنهم أيضاً طالبوا بأمور خاصة لهم ونسوا مهمتهم الوطنية واليمن".. هذه الرواية سردها لي صديق بروفيسور في الدستور والقانون اليمني رداً على مقالة ثقافة ثوار فيتنام..


وعلى قولته أيضاً بروفيسور أيوب، اليوم لم يتغير شيء منذ ذلك الوقت فمن يتحدث حول اليمن والسلام والمستقبل في الغرف السياسية والمحافل وحتى الورش البسيطة، هم مثل أولئك الذين نسوا اليمن أمام السلطان العثماني، فلم يحترموا ذاتهم ولم يفكروا بمجتمعهم، ولذا لم يحترمهم أحد في الباب العالي.. الكل تجار وهم بأقنعة مختلفة، ولكن القاسم المشترك للكل معاناة اليمن هي بضاعتهم يتاجرون بها في ورشة أو غرفة، وعاد محملين اليمن جميلة أنهم يندبون حظهم..!!


أكثر من 100 سنة مرت وفوقها 10 ولم يتغير شيء في سلوك النخب السياسية أو في ثقافتنا، وفي التعاطي مع القضايا الوطنية بعيداً عن المال المدنس الخارجي والمنظمات، فكلما يصل يمني إلى دول الجوار أو المجتمع الدولي ينسى قدسية القضية الوطنية والهدف، ويفكر فقط بكرشه، وهذا ما أوردته إحدى الأخوات وهي في المشهد السياسي بقولها: "أنا لا يهمني إلا مصلحتي"، وأيضاً على قول أحد الأخوة الدكاترة في النقاش: "الأمر بروف لا يحتاج تفسيراً وإنما يعود إلى الجوع التاريخي؛ وسرد هنا حكاية أحد الشيوخ في اليمن، الذي كان ينحني بشكل مستمر رغم أنه -حسب قوله- شابع ولا يحتاج".. لذا الكل ينحني أمام من يدفع بسبب ليس الجوع الذي يعاني منه الفقراء أمثالنا وإنما الجوع التاريخي، ومستعد لبيع القضايا الوطنية والإسلامية، لأن الأمر صار سلوك استرزاق، ونادر جداً أن تجد من يمتلك ثقافة ثوار فيتنام بيننا..


وأضاف آخر بروف أيوب، لم نكتفِ بذلك، ولكن كأنه قدرنا أن نحارب كل شخص يريد أن يصنع كرامة لنا ويرفض أن نتكسب بالقضايا الوطنية ونتهمه ونشيطنه لأنه لا يريدنا أن نسترزق..

المهم ملخص نقاشنا المتفرق حول صراع القِيَم والمبادئ وثقافة ثوار فيتنام، والذي أجد وأنا في الثلث الأخير من العمر أنه في اليمن صراع غريب نعيشه نحن اليمنيين، لم نفلح إلا في محاربة بعضنا بعضاً وإعاقة بعضنا بعضاً، وحتى في غرف الواتس آب نجد نقاشات البعض وتعاطيهم مع قضايا بلدهم المصيرية تعكس الجوع التاريخي، أي صراع بين المبادئ والقِيَم من جهة، وبين البرغماتية الانتهازية من جهة أخرى، ومحصلة ذلك في الواقع نجد أن كثيراً مِنا في المشهد يغلب عليهم صفة طلَّابين أي شحاتين، كما قال الرئيس السابق، بمعنى تجار بقضايا أمتنا اليمنية، وليس فقط من فترة بسيطة وإنما من أكثر من 110 سنوات أقلها حسب السرد..


صرنا نخجل كل يوم أكثر فأكثر ونحن نعيش أزمات حقيقية؛ بيدنا الحل لو نمتلك قليلاً من القِيَم والمبادئ الوطنية وقليلاً من الكرامة؛ وقتها سوف ننحاز لأمتنا اليمنية ونطمح أن نكبر باليمن واليمن تكبر بنا بين الأمم، فلا يوجد هناك ضرورة أن نكون شُقاة باليومية مع الخارج بأشكاله وأهدافه المختلفة.. الخارج ينظر أن أي إنسان في المشهد السياسي اليمني له سعر، ولا يغرنكم البهرجة والفلسفة لهم، وهذا ما قاله لي أحد الأخوة من الخليج قبل كم سنة، بمعنى وبسرده وقتها: "بروف أنت تتحدث معنا بهذا الأسلوب، لأنه لا يصلك مسيج أي رسالة نهاية الشهر لتلفونك، أنه دخل حسابك مِنا هذا المبلغ، ولذا لا تحدثنا عن الأمة اليمنية"، وكأنه يريد أن يقول إن الكل منكم ينحني أمام 8 دولار حتى في ورشة عمل.. هذه هي صورة اليمني السياسي بنظر غيرنا والتي نسعى لتغييرها لأجل الأجيال القادمة، ولنجد اليمن كبيرة كما حضارتها، وليس كما يتم تسويقها..


ولذا علينا اليوم أن نختار في حياتنا أن نكون أحراراً وكباراً، نكون مع القِيَم والمبادئ والثوابت الوطنية، نبحث عن اليمن فكرةً وإنساناً أولاً في داخلنا، نزرع ذلك كثقافة وعي حقيقية لثوار يبحثون عن وطن، أو نكون مثل من سبقنا أو من هم حولنا ننحني للخارج ولمن يدفع، ونقول تمام، فالخيرة ما تختارونه أنتم لبلدنا.. وقتها لا يحق لنا أن نتهم غيرنا بأنهم أوغاد، كونهم تركونا ننهش بعضنا بعضاً، وندمّر بلدنا ومجتمعنا من بوابة هدم القِيَم والإنسان قبل تمزيق الجغرافيا، ويتركوننا نتحول بعدها إلى قصاصات ورق دون معنى.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66775.htm