الميثاق نت -

الإثنين, 11-نوفمبر-2024
استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني -
لم يغفل التاريخ يوماً عن ذكر العظماء وخَطّ سيرتهم وسرد محطات نضالهم لتتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.. كما أن التاريخ نفسه أيضاً لم يغفل عن ذكر من خانوا أنفسهم وضمائرهم وأوطانهم، و ارتموا في أحضان الأعداء ليلحق بهم العار والخسران، وليكونوا أمثلة وعِبرة على مَرّ الزمن يُضرب بهم المثل في الخيانة والغدر؛ وما أكثر هؤلاء بيننا اليوم، لذلك عندما سألوا هتلر قبل وفاته من أحقر الناس قابلتهم في حياتك؟.. رد عليهم: هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم.. ولعل القائد الفرنسي نابليون قد قدم درساً لمن يخون وطنه، بامتناعه عن مصافحة جاسوس نمساوي أعانه على احتلال وطنه، حينما طلب مصافحته، إذ رمى له بحفنة من المال والذهب على الأرض وهو يقول له "هذا الذهب والمال لأمثالك، أما يدي فلا تصافح رجلاً يخون بلاده"..

ماذا سيقول نابليون اليوم لو كان حياً لأولئك الذين خانوا أوطانهم بثمن بخس، بل وهم يجاهرون بذلك تحت دعاوى شتى ما أنزل الله بها من سلطان، فأي مهانة وذل بعد ذلك سيعيشها الخائن لوطنه ودينه وأمته.. ما يُلاحظ في المشهد السياسي اليمني وتموجاته وتقلباته أنه طرأت عليه استقطابات شديدة وازداد منسوب القابلية للارتهان بشكل لا يمكن تصوره؛ وهو شأن الكثير من الدول التي تتعرض للاستهداف، فهذا الأمر طبيعي في هذة الحالات، لكن أن تأخذ هذا المدى والمنحنى الخطير في التعامل والتعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى، أو الانحدار الذي نراه اليوم في المشهد السياسي اليمني، فهو مختلف ومقلق وأخطر وأجلّ، إذ يقودك عنوة نحو التأمل في صورة قاتمة السواد مجهولة المصير والمآل.. لقد أصبحت الخيانة أكثر إيغالاً بل ومشروعة في نظر البعض، وتكتيكاً وسياسة في نظر البعض الآخر.. ماذا يمكن أن نقول في هذا المشهد وكيف نقرأ إيقاعاته المتلاحقة وإفرازاته على المستقبل وكذا الحاضر الذي يعاني الناس تبعاته الآن؟..



لعنات متلاحقة

الإعلامي/ خالد المنيفي يقول في هذا الصدد، إن قمة الإنحطاط أن يكون الشخص خائناً لوطنه ويساعد المحتل على الاستيلاء على بلده ونهب خيراته ومقدراته والتنكيل بأبنائه.. ويضيف المنيفي: يذكر التاريخ الخونة في أقذر صفحاته ويمنحهم أسوأ الأوصاف؛ وعلى مدى الزمن ظلت اللعنات تلاحق الخونة في حياتهم وبعد مماتهم، فمثلاً لا يُذكر الخائن أبو رغال إلا واللعنات ترافقه، فقد الكان الوحيد من بين العرب -كما تذكر الروايات- من قَبِل لنفسه بأن يكون دليلاً لجيش أبرهة للوصول إلى مكة ومحاولة هدم الكعبة بعد أن رفض آخرون قبول ذلك الدور المخزي المتنافي مع جميع القِيَم الإنسانية والعربية الأصيلة؛ وإلى اليوم لا تُذكر الخيانة إلا ويُذكر معها أبو رغال..
ويتابع المنيفي: مما يُذكر في التاريخ، وما نراه في وقتنا الحاضر أن الاحتلال بصورة عامة يستخدم الخونة لتمكينه من احتلال البلدان مقابل منحهم مكافآت أياً كان نوعها.. ومن دون مبالاة أو تأنيب للضمير يقبل الخونة بالتسبب بالأوجاع لبلدانهم، فليس ثمة محتل يأتي بالخير بل يقدم إلى أي بلد حاملاً معه نوايا إجرامية يطبّقها في الواقع بحق الأرض وأهلها، تاركا وراءه مآسي وأحزاناً لا تُنسى..


أدوار مشبوهة

أما الدكتور/ عبدالله محمد الضبيبي، فيرى أن العملاء والخونة قد لعبوا دوراً محورياً عبر التاريخ في تسهيل سيطرة المستعمرين على بلدانهم واحتلالها.. وعن هذه الظاهرة يقول: هذه الظاهرة ليست جديدة، إذ تمتد جذورها إلى فترات الاستعمار المختلفة، حيث اعتمد المستعمرون على مجموعة من الأفراد الذين ساعدوهم في تحقيق أهدافهم..
وكان دور العملاء والخونة كبيراً مثل:
-تسهيل التواصل، حيث كان عملاء المستعمرين غالباً ما كانوا يتحدثون لغات محلية أو لديهم معرفة بالثقافة والعادات، مما سهل على المستعمرين التواصل مع السكان المحليين..
-تقديم المعلومات: فقد قام بعض العملاء بتزويد المستعمرين بمعلومات دقيقة حول تحركات المقاومة والأحداث المحلية، مما ساعدهم في اتخاذ قرارات استراتيجية..
-تقسيم المجتمعات: كما حاول العملاء زعزعة وحدة المجتمعات المحلية من خلال زرع الفتنة بين القبائل أو الطوائف المختلفة، مما ساعد في تقوية القبضة الاستعمارية..
-إضعاف المقاومة: وذلك من خلال دعم المستعمرين، فقد ساهم العملاء في إضعاف جهود المقاومة المحلية، سواء أكان ذلك عبر التجسس أو من خلال تعزيز القوى الاستعمارية..
-توفير الشرعية: في بعض الحالات، كان العملاء يعملون على تقديم المستعمرين كقوة شرعية، مما ساعد في ترسيخ وجودهم وخلق حالة من القبول بين بعض فئات المجتمع..


أمثلة تاريخية

في الحركة الاستعمارية الأوروبية: في أفريقيا وآسيا، استخدم المستعمرون عملاء محليين لتنفيذ سياساتهم، مما ساعدهم في السيطرة على الأراضي واستغلال الموارد..
أما في الحروب الأهلية، فمن خلال بعض الحروب الأهلية، كان هناك عملاء يتعاونون مع قوى خارجية، مما جعل من السهل على تلك القوى التدخل وتحقيق أهدافها..
إن دور العملاء والخونة كان له تأثيرات عميقة على الشعوب المستعمَرة، حيث أدت هذه الخيانات إلى فقدان الثقة بين الأفراد والمجتمعات، وزرع الانقسامات التي قد تستمر لفترات طويلة حتى بعد رحيل المستعمرين..
في النهاية، يبقى تأثير العملاء والخونة عبر التاريخ درساً مهماً لفهم كيفية تفاعل القوى الخارجية مع المجتمعات المحلية وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات..


الوطن أولاً

المحلل السياسي مختار الوصابي يقول: حب الوطن فرض والدفاع عنه شرف وغاية لكُل من ينتمي إليه وترعرع فيه.. فلا يوجد إنسان يحب وطنه ولا يهِبّ للذود عنه في أوقات الشدة والتصدي للأعداء ودحر الغزاة والطامعين والدفاع عن الأرض وشرف الآباء والأجداد.. وتسجيل الملاحم والبطولات الخالدة بالوقوف في وجه من يُريدون نهب وسرقة ثروات الوطن وخيراته، وكثيرًا ما يِضحي المرء بعمره وحياته وجميع مايملك في سبيل رفعة وطنه وأمته فيُصبح عندها بطلًا شهيدًا يُكتب ويُخلد اسمه بأحرف من نور، ويورث العز والمجد لذويه ؛ ليغدو مثلهم الأعلى في التضحية وبذل الغالي والنفيس ونكران الذات ويقتدون به في حياتهم، وكثيراً ما يتمنى المرء أن يكون في مقدمة من يسطّرون بدمائهم الزكية والطاهرة ملاحم خالدة في النضال في سبيل إعلاء شأن الوطن واستقلاله دون هوادة.. ”فاجتماع السواعد يبني الوطن، واجتماع القلوب يخفف المحن”.. (مثل اسكتلندي).. فالوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتُسقى بالعرق والدم..(ونستون تشرشل)..
عندما يكون الوطن في خطر فكل أبنائه جنود..(لاكوردير).

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 01:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66797.htm