طه العامري - كثيرة هي العوامل الذاتية والموضوعية التي مكَّنت دونالد ترامب من العودة للبيت الأبيض بعد حملات الملاحقة التي طالته؛ وبعد أكثر من 36 تهمة جنائية وُجّهت له، واحدة منها إنْ ثبتت ضده كفيلة بأن تحرمه من حقوقه المدنية بقية حياته..!
لكن ترامب ورغم الضجيج والجدل والجرجرة أمام المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات، ورغم كل ما قِيل عنه بعد أحداث الكابيتول أو القضية المعروفة بقضية (6 يناير 2020م)، عاد ترامب لحكم أمريكا لأن المرحلة التي تعيشها أمريكا تتطلب رئيساً يتمتع بشخصية ترامب وكارزميته، خاصةً فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية التي تعيشها أمريكا ويواجهها الاقتصاد الأمريكي الذي تبلغ ديونه الخارجية (10.8 ترليون دولار)، فيما يبلغ الدين الداخلي (5.9 ترليون دولار)، فيما العملة الورقية الدولار تُطبع بدون ضمان حقيقي؛ وكلفة طباعة ورقة (فئة مائة دولار تكلف 13 سنتاً)..!
الدولة العميقة والشركات القابضة ومجمع الصناعات العسكرية، ينظرون لترامب باعتباره المخلّص الذي لديه قدرة على ابتزاز أو تهديد الحلفاء، بعكس أقرانه من الرؤساء القادمين من مفاصل الدولة العميقة، إذ أن ترامب لا ينتمي لهذه الترويكا بل جاء من خارجها ولهذا يتعامل بعلاقته الخارجية بـ (عقلية التاجر)، غير مكترثٍ بما يصطلح عليه بأدبيات الدبلوماسية الناعمة فالرجل لن يتصرف على طريقة سلفه (بايدن) حين راح يفرض على حلفائه في أوروبا قطع علاقتهم مع روسيا في مجال الطاقة والمعادن، وفرض عليهم شراء الطاقة من أمريكا بأسعار تزيد أربعة أضعاف عن السعر الذي تحظى به الشركات الأمريكية، وبما يوازي عشرة أضعاف السعر الذي كانت دول أوروبا تلقاه من روسيا..!
هذا من ناحية، من ناحية أخرى يرى ترامب أن أمريكا ليست معنية بأن تنفق أموالها وتستدين لحماية حلفائها الذين بنظر ترامب عليهم أن يدفعوا ميزانية الناتو ويدفعوا حتى تكاليف القوات الأمريكية المشاركة فيه لأن مهمة هذا الحلف هو حماية أوروبا وليس أمريكا القادرة على حماية نفسها..
ترامب أيضاً قادر على إجبار دول الخليج على ضخ أموالها للخزانة الأمريكية مقابل حمايتها وقالها ترمب صراحةً للسعودية في خطاب علني (إنكم غير قادرين على أن تصمدوا أسبوعاً دون حمايتنا)..!!
ترامب يرى أن أمريكا لا يعنيها ما يحدث في أوكرانيا وليست مسؤولة عنها، بل من مصلحة أمريكا الاتفاق مع روسيا الاتحادية ويمكن تقاسم النفوذ معها، لكنه يرى الخطر القادم من الصين هو التحدي الأكبر لأمريكا خاصةً في الجانب الاقتصادي وسيطرة الصين على اقتصاد العالم بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي، وحسب قناعته فإن رفع رسوم الجمارك والضرائب على الصناعات الصينية القادمة إلى أمريكا هو وسيلة مُثْلى لحماية الشركات الأمريكية وإعادة تنشيطها وتمكينها من استيعاب العمالة الأمريكية..
ترامب يحلم أيضاً بمد جسور الصداقة مع روسيا وكسبها إلى جانبه ضد الصين، وهي محاولة بائسة لكنه يسعى ويتطلع إلى تحقيقها..
أضِف إلى كل هذا موقفه من المهاجرين مع أن أمريكا من أساسها هي دولة مهاجرين وهو نفسه مهاجر قادم من أيرلندا.. لكن عقليته التجارية تحتّم عليه الإقدام على هذا التصرف..
الأمر الأخير الذي أعاد به ترامب للبيت الأبيض هي قضايا اجتماعية أبرزها قانون الإجهاض و (المثلية) التي فجَّرت صراعاً غير معلَن بتوصيفه – بين الجمهورين الرافضين والديمقراطيين المؤيدين – لكنه يندرج في سياق قانون الإجهاض الذي يرفضه ترامب ويؤيده الديمقراطيون، وآخر الأسباب حروب أمريكا الخارجية التي تستنزف الخزانة الأمريكية مئات المليارات دون عوائد سوى إثارة العالم ضد أمريكا..
لكل هذه الأسباب عاد ترامب للبيت الأبيض؛ وقد لعبت حرب غزة ولبنان دوراً في عودته بعد أن نال تصويت الجاليات العربية والإسلامية، بعد تعهُّده أمامهم بإيقاف هذه الحرب..
ترامب يحسب علاقة أمريكا مع العالم انطلاقاً من قاعدة الربح والخسارة، فالرجل لا يعترف بالدبلوماسية الناعمة..
الأهم من كل هذا يجب أن لا يؤخذ كلام ترامب وتصريحاته على محمل الجد خاصةً في القضايا الاستراتيجية مثل موقفه من إيران أو من الصين لأنه في الأخير وعملياً سوف ينظر لهذه العلاقة من ناحية الربح والخسارة..
ويبقى قادم الأيام كفيلاً بالكشف عن سياسة الرجل القادم للبيت الأبيض حباً بالثأر لذاته وإعادة الاعتبار لشخصه بمعزل عن كل الوعود التي قطعها للناخبين.
|