المستشار/ جمال عبدالرحمن الحضرمي - يأتي هذا العام السابع والخمسون لذكرى الاستقلال واليمن تعيش حالة من الحرب والعدوان عليها منذ عشر سنوات، وتظل ذكرى رحيل المستعمر البريطاني من أجزاء واسعة من اليمن الكبير، تجاوز احتلاله لها ما يقارب مائة وثلاثين عاماً، وأدى إلى تمزيق اليمن في حينه إلى سلطنات ومشيخيات قامت الحروب فيما بينها عبر الحدود على الأراضي اليمنية المتجاورة حتى جاءت القوى الوطنية ووحَّدتها بعد طرد الاستعمار، ولسنا هنا بصدد بيان انتهاكات وجور وظلم المستعمر، وكيف هبَّ الشعب اليمني وناضل لإخراجه، وكيف أُجبر في نهاية المطاف على الرحيل حاملاً عصاه.. ولكن لا بد من التأكيد على ضرورة أخذ العبرة منه والتعرف على واقع عاشه الآباء في ظل الاحتلال البريطاني ولمدة طويلة وفي الأخير كان خروجه وانتصار القوى الوطنية وحركتها، ولكن واقع الحال بعد التواجد الجديد لمستعمر يدَّعي أنه جار وحريص على مصالح اليمن والإسلام والعروبة، وأنه امتداد طبيعي وحضاري لليمن ولكن كل تلك الصفات تنتهي عندما يشاهد الزائر لمدينة عدن ما تعيشه من واقع مؤلم وحزين يجعل استحضار واقع المستعمر القديم الأجنبي أرحم من استعمار الجار القريب، وبين مستعمرٍ قديم مضى على هزيمته ورحيله سبعة وخمسون عاماً، ومستعمرٍ حديث مضى على احتلاله عدن ما يقارب من عشر سنوات، ولهذا فالعبرة من الوقوف أمام هذه الذكرى هو (استنهاض الإنسان اليمني وخاصةً في المحافظات الجنوبية، وحشد المجتمع للتوجه نحو مطاردة المستعمر الجديد)، والدليل على اتساع حجم المعاناة هو عدم توافر أبسط الخدمات العامة للمواطنين، فعدن أصبحت قرية بعدد كبير من سكان، فلا رعاية صحية ولا كهرباء أو استقرار في الاسعار ولا خدمات أمن وتعليم ورعاية اجتماعية ولا بنية تحتية مناسبة للتنمية، مما زاد معاناة المواطن وتهجيره القسري نحو المناطق الأكثر استقراراً وأماناً.. إنها المأساة التي يجب أن نقف عندها ونقولها للأجيال.. بل إن حال المحافظات الجنوبية اليوم تعيش حالة ازدياد معدلات الفقر والبطالة والجريمة، وانعدام المياه والكهرباء والخدمات العامة، ووسائل الحياة الضرورية، لهو خير دليل على سوء الإدارة وسيطرة قوى غير قادرة على خدمة الوطن، وتخضع لسيطرة خارجية تغلّب مصالح دولها على مصلحة الشعب اليمني، وذلك هو الدرس الذي لا بد من الاستفادة منه، أن الاستعانة بالأجنبي ضد أبناء الوطن جريمة تعكس واقعاً لا يخدم الوطن ولا الشعب، والتاريخ لا يرحم، وأخذ العِبرة من أحداثه ومُجرياتها هو الطريق الصحيح.. ويكون لسان حالنا ما يقوله شاعر اليمن الأستاذ/ أحمد محمد رسام :
(أيها العاذلون)
أيُّها العاذلونَ فلتُخبروني
هل عشقتم مثلي لكي تَعذلوني
هل رأيتم كيف الصبابةُ تُذكي
نارَ وَجْدِ المتيَّمِ المَفتونِ
إنَّ ليلايَ لم تكن أيَّ ليلى
فبمن تَحسَبونَ جُنَّ جُنوني
هل رأيتم في كُلِّ حاءٍ وباءٍ
كلَّ ياءٍ وكلَّ ميمٍ ونونِ
لا تجيبوا.. فما لكم أيُّ دَخْلٍ
في شؤوني في حُبِّها وشُجوني
فالفؤادُ الصَّبُّ المُعنَّى فؤادي
والعُيونُ المسهَّداتُ عُيوني
|