الميثاق نت -

الأربعاء, 27-نوفمبر-2024
فؤاد عبدالله حسين بن عطاف* -
كانت بريطانيا التي غابت عنها الشمس كأقوى الدول الاستعمارية للشرق الأوسط وبعض الدول الآسيوية والأفريقية تبحث عن مناطق استراتيجية مهمة في العالم لاحتلالها، فوجدت في الموقع الاستراتيجي لعدن ومينائها المهم باباً للسيطرة على باب المندب كأهم ممر مائي عالمي وبالتالي التحكم بالتجارة العالمية لتصريف البضائع بعد قيام الثورة الصناعية؛ علاوةً على أن عدن بموقعها المهم تربط بين أفريقيا وآسيا والهند..

تمكنت بريطانيا من إنزال قواتها واحتلال عدن تحت ذرائع وهمية رغم المقاومة المسلحة التي اشتعلت ضدها بوسائل بدائية، وتمكنت من إخماد الثورات المسلحة و الانتفاضات والمظاهرات الشعبية وتوسعت في تغلغلها للمناطق الريفية متخذةً من عدن قاعدة عسكرية للانطلاق لكافة مناطق الجنوب وإضافتها إلى مستعمراتها ..
استمرت القوى الوطنية بالمظاهرات والمسيرات المطالبة برحيل المستعمر البريطاني.. وفي الخمسينيات كان للطبقة العمالية من خلال تشكيل النقابات الحرة دور كبير في تسيير المظاهرات وإقلاق الاستعمار البريطاني وتشكُّل قوى وطنية تطالب بالاستقلال بشكل سلمي.. وفي الرابع والعشرين من سبتمبر 1962م استنفرت قوى الشعب والمجتمع في مسيرة كبرى في مدينة كريتر أمام المجلس التشريعي الذي تم بناؤه من قِبَل الاستعمار البريطاني، للمطالبة برحيل المستعمر؛ بعدها بيومين كان قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والإطاحة بالحكم الإمامي وإعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية برئاسة المشير عبدالله السلال وتعيين أول حكومة من بينها الراحل قحطان محمد الشعبي وزيراً لشئون الجنوب؛ وتهيأت الظروف لتنظيم القوى الوطنية الجنوبية في شمال الوطن والتدريب للكفاح المسلح لتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني، ومن خلال مساندة القوى العربية وعلى رأسها مصر بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر.. وأُطلقت شرارة الثورة من خلال مجموعة مسلحة من أعلى قمم جبال ردفان ورفض الاستسلام لقوات الاحتلال والاشتراك في معارك ضارية استخدمت فيها القوات الغازية كل أنواع الأسلحة البرية والجوية في ضرب ودك القرى والمساكن.. وفي ظل استمرار الثوار في التصدي لزحف قوات الاحتلال أدى ذلك إلى استشهاد البطل القائد راجح بن غالب لبوزة أول شهيد في ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م ليتم إعلان الثورة المسلحة وتفجيرها من قِبل الجبهة القومية لتعلن الكفاح المسلح لتحرير الجنوب اليمني المحتل وطرد المستعمر البريطاني؛ وطوال أربع سنوات لم تهدأ الثورة المسلحة ضد القوات البريطانية وتصاعدها في كافة أنحاء الجنوب المحتل، وتشكُّل عدد من التنظيمات والفصائل الثورية وخوض المعارك الضارية، مع محاولات المستعمر تمزيق الوحدة الوطنية واستخدام سياسة "فرّق تسد" لإخماد الثورة المسلحة وتأسيس الكيانات المحلية من سلطنات وإمارات ومشيخيات، وتأسيس الجنوب العربي بضم السلطنات والمشيخيات مع مستعمرة عدن، إلا أن الثورة المسلحة اشتعلت أكثر بالعمليات الفدائية ضد جنود الاحتلال.. وأثناء وجود الاستعمار البريطاني في الجنوب وأثناء حرب حزيران 1967م قدمت بريطانيا الدعم الكامل للكيان الصهيوني من خلال استخدام القوات الإسرائيلية لباب المندب والبحر الأحمر في ضرب وهزيمة مصر والأمة العربية، وكانت نكسة حزيران التي أثارت غضب الشعب العربي، والشعب في جنوب اليمن، وأمام هذا الغضب الشعبي والثوري توحدت القوى الثورية المسلحة والقوى الوطنية في الجيش العربي باشتداد الثورة المسلحة ضد قوى الاستعمار ومهاجمة المعسكرات وقتل الجنود البريطانيين.. كانت معارك ضارية أدت إلى قتل وإحراق الجنود والمعدات العسكرية واحتلال مدينة كريتر وطرد قوات الاحتلال منها لمدة 18 يوماً؛ ومن يومها لم تهدأ الثورة وانتشرت في جميع المناطق الجنوبية، وأسقط ثوار الجبهة القومية والانتفاضة الشعبية في الأرياف السلطنات والمشيخيات وطرد جنود الاحتلال منها.. وأمام الضربات الموجعة للقوات البريطانية وتكبيدها الخسائر في الأرواح والمعدات وانحسار بريطانيا كقوة استعمارية؛ وتسليم الاستقلال الوطني للجبهة القومية كممثل شرعي ووحيد للشعب، واتخذت بريطانيا قراراً بإجراء المفاوضات مع وفد الجبهة القومية للاستقلال.. وأثناء تواجد وفد الجبهة القومية برئاسة المناضل قحطان محمد الشعبي ووفد بريطانيا برئاسة وزير المستعمرات، كان من بين شروط بريطانيا:
1ــ الإبقاء على القواعد العسكرية البريطانية في عدن كقاعدة عسكرية. 2 ــ انضمام عدن لدول الكومنولث التي كانت تستعمرها بريطانيا.
3ــ تقديم المساعدة المالية لحكومة الاستقلال من بريطانيا بمبلغ 4 ملايين دينار لسد العجز في الميزانية. وكان الرفض التام من قِبَل الوفد المفاوض للاستقلال، والإصرار على الاستقلال الوطني الناجز، ولم يكن بيد الاستعمار من حلول أخرى غير التسليم للاستقلال وعودة الوفد المفاوض بعد رحيل القوات البريطانية ورحيل آخر جندي بريطاني وإعلان الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ورفع العلم الوطني في كافة أنحاء الجنوب والجامعة العربية والأمم المتحدة، وإعلان الحكومة الوطنية برئاسة المناضل الراحل الرئيس قحطان محمد الشعبي.. وبعد ست سنوات من قيام الجمهورية وتغير اسمها إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تم السير في مرحلة استكمال التحرر الوطني.. وأثناء حرب الاستنفار بين الجيش المصري والجيش الاسرائيلي واستعداد القوات المصرية للهجوم وفتح خط بارليف وقيام الجيش المصري بالهجوم على قوات العدو الصهيوني في 6 أكتوبر 1973م كان موقف الحكومة الوطنية في جنوب اليمن إغلاق باب المندب والبحر الأحمر أمام قوات العدو الصهيوني والسماح للقوات المصرية باستخدامها للهجوم على قوات جيش العدو الصهيوني، مما أسهم في انتصار تاريخي لمصر في 6 أكتوبر 1973م..
وما أشبه الليلة بالبارحة، فمنذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م قام العدو الإسرائيلي بالانتقام بضرب غزة وقتل شعبها وتهجيرهم ومنع وصول الغذاء والدواء والقتل اليومي أمام مسمع العالم، والمساندة للعدو من أمريكا وقوى الاستعمار العالمي بريطانيا وفرنسا؛ وصمت الحكام العرب، بل ذهب البعض لدعم الكيان الصهيوني.. وكانت السفن تجول في البحر الأحمر لتزويد الكيان الصهيوني بالسلاح والمعدات، ومنعها عن الشعب الفلسطيني.. وجاءت قوة الإسناد من اليمن بقيادة المارد العربي السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي ليعلن الإسناد لغزة بقطع الإمدادات للعدو الصهيوني ومنع مرور السفن المتجهة له وضربها نتيجة حصار العدو لغزة ومنع دخول الغذاء والدواء إليها.. ودكت القوات اليمنية بالصواريخ والمُسيرات معاقل كيان العدو الصهيوني وخلق معادلة جديدة في الحرب ضد الكيان الصهيوني نصرة لغزة وفلسطين ولبنان، والتحكم بمرور السفن والملاحة في باب المندب والبحر الأحمر.. هذا شعب اليمن العظيم منبع العروبة كان إسناد انتصار مصر في أكتوبر 1973م، وإسناداً لطوفان الأقصى نصرةً لغزة.. وسجّل يا تاريخ.

*أحد مناضلي حرب التحرير
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 07:52 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66880.htm