أحمد ناصر الشريف - يصادف يوم السبت القادم الموافق 30 نوفمبر 2024م مرور سبعة وخمسين عاماً على تحقيق الاستقلال الوطني وخروج المحتل البريطاني من جنوب الوطن اليمني الحبيب، كما يصادف هذا اليوم مرور نفس الفترة على توقيع اتفاقية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وقد كانت قيادتا شطري اليمن آنذاك موفقتين حينما اختارتا يوم الثلاثين من نوفمبر عام 1989م لاستكمال ما تحقق يوم الثلاثين من نوفمبرعام 1967م، حيث تم فيه توحيد أكثر من عشرين سلطنة ومحمية ومشيخة تحت علم دولة واحدة هي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية والتي وضعت حجر الأساس لاستعادة الشعب اليمني لوحدته، وهذا ما تم بفضل إرادة أبناء الشطرين يوم 22 مايو 1990م، ولم تكن قيادتا الشطرين آنذاك إلا مترجمة ومنفذة للإرادة الشعبية باتخاذ قرار إعادة تحقيق الوحدة، وهو ما يؤكد أن الشعب اليمني لم يكن رقماً مفقوداً وإنما كانت له الكلمة الفصل، لكن مع الأسف الشديد لم يتم المحافظة على هذا الإنجاز العظيم من قِبَل من شاركوا في صُنْعه وتحقيقه فقد انقلبوا عليه وساعدوا في عودة الاحتلال البريطاني من جديد عبر أدواته في المنطقة ممثلةً في السعودية ومشيخة ما تُسمى بالإمارات العربية المتحدة وهي الدويلة التي كانت لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية موقفٌ منها، حيث عارضت بعد أن أنشأتها بريطانيا عام 1971م انضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة وإلى الجامعة العربية ورفضت الاعتراف بها كدولة، بل كوَّنت جبهة لمحاربتها والعمل على إسقاط نظامها الرجعي والإمبريالي حسب زعم من كانوا يحكمون في الشطر الجنوبي من الوطن سابقاً، ثم تأتي الأيام وتثبت أن من كانوا يرفعون شعار محاربة الاستعمار والرجعية والإمبريالية هم أكثر الناس تقبُّلاً للارتماء في حضن هذه المصطلحات والتفريط في الإنجاز الذي حققوه يوم 30 نوفمبر عام 1967م عبر نضالهم المدعوم من قِبَل قوى التحرر العالمي والذي شكلت صنعاء -بعد قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م- خلفية له وإنْ كانت ثورة سبتمبر هي الأخرى التي سيطر عليها المصريون في سنواتها الأولى قد ارتمت في حضن عدوها السعودي الذي حاربها ووقف ضدها منذ أول يوم لقيامها وأصبح منذ شهر يوليو عام 1970م هو المتحكم في قرارها السياسي مفرِغاً بذلك محتواها الثوري وملتفاً على أهدافها ومبادئها التي قامت من أجلها ووعدت الشعب اليمني بأنها ستخرجه من الظلام إلى النور؛ فجاءت النتجية عكسية حيث أصبح نصف الشعب اليمني مهاجراً في الخارج بحثاً عن لقمة العيش والذين فقدوا مصالحهم ممن أطلقوا على أنفسهم ثُواراً ومناضلين أصبحت فنادق الرياض وأبو ظبي واسطنبول والقاهرة تكتظ بهم مؤيدين العدوان على بلدهم وراضين بعودة الاحتلال للمحافظات الجنوبية والشرقية ومستعدين -لو أتيحت لهم الفرصة- للسماح باحتلال المحافظات الشمالية ليصبح اليمن كله محتلاً، مستحسنين وضعهم كعملاء ومرتزقة، بل إنهم مستعدون للتفريط بالوحدة اليمنية في سبيل تحقيق مصالحهم ولاشيء غيرها..
ولعل الكثيرين قد سمعوا وشاهدوا خطاب المرتزق رشاد العليمي رئيس ما يُعرف بمجلس القيادة الرئاسي الذي أنشأته السعودية -بعد أن استغنت عن خدمات الدمية عبدربه منصور هادي- والذي عبَّر فيه عن انتقاده الشديد لموقف اليمنيين الأحرار مع مظلومية الأشقاء في قطاع غزة ولبنان، ومنتقداً بشدة موقف القوات المسلحة اليمنية التي تواجه ثلاثي الشر العالمي أمريكا وبريطانيا واسرائيل، متهماً إياها بأنها عسكرت البحر الأحمر وحاصرت العدو الصهيوني اقتصادياً من خلاله ومنعت عبور السفن الصهيونية والمرتبطة بهذا الكيان اللقيط عبره للوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة.. وموقف العليمي وشرعيته المزعومة لا يعدو عن أن يكون ترجمة وانعكاساً لموقف أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وأذيالهم في المنطقة وخاصةً السعودية والإمارات.. ومن المفارقات العجيبة أنهم يدَّعون من فنادق الرياض أنهم يمثّلون الثورة والجمهورية ويدافعون عنهما، وقد جاءت ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م لتفضح مواقف أولئك مَنْ يدَّعون الثورية وأنهم مناضلون لا سيما الذين كانوا يزايدون في الشطر الجنوبي سابقاً بشعاراتهم التقدمية؛ وهاهو اليوم علي سالم البيض أول وزير دفاع في حكومة الاستقلال يقبع في أحضان من كان هو نفسه يطلق عليهم الرجعيين والمتخلفين فيما تُسمى الإمارات العربية المتحدة، يرافقه في حِله وترحاله العديد من مناضلي ثورة 14 أكتوبر وصُناع الاستقلال، وهو ما يجعلنا نؤكد ونحن نستذكر يوم الاستقلال الـ30 من نوفمبر 1967م أن المحافظات الجنوبية والشرقية التي كانت تتكون منها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قد تحررت من الاستقلال وعادت للاحتلال.. ولن نقول أكثر من ذلك.
|