الميثاق نت -

الأربعاء, 27-نوفمبر-2024
أ.د/ حميد عوض المزجاجي* -
في صفحات التاريخ اليمني يتألق يوم 30 نوفمبر 1967م كإحدى أعظم المحطات التي أعادت للشعب اليمني حريته وكرامته واستقلاله، بعد نضال مرير استمر عقوداً طويلة ضد الاحتلال البريطاني البغيض الذي جثم على أرض جنوب اليمن العزيز منذ عام 1839م حتى اندلعت شرارة الثورة في 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان على يد الثوار بقيادة الشهيد راجح غالب لبوزة، فكانت هذه الشرارة بمثابة إعلان مرحلة جديدة لبداية ثورة عارمة طويلة لا هوادة فيها ضد إمبراطورية بريطانية المحتلة التي تظن أنها لا تُهزم؛ لكن الشعب اليمني من شماله وجنوبه بقوة إرادته ووحدته وتلاحمه وتعاضده استطاع تحويل المستحيل إلى واقع..
فقد استمرت هذه الثورة أربع سنوات لأن العدو كان يمتلك قوة عسكرية وترسانة كبيرة، ومعه المخدوعون والخونة وأصحاب المصالح الشخصية، إضافةً إلى أن العدو كان يدرك أهمية الموقع الاستراتيجي لعدن مما جعله يتشبث ويدافع بكل الوسائل للبقاء، ومن هذه الوسائل الخبيثة وسيلة "فرّق تسد" ليضمن بقاءه، مما تطلَّب من الثوار العمل بأسلوب حرب العصابات لاستنزاف القوات البريطانية ومن معهم تدريجياً.. فكان النضال والكفاح المسلح مليئاً بالتحديات، ولكن الإيمان بعدالة القضية كان وقوداً للثوار في كل معركة خلال مراحل النضال الوطني بكل بسالة مما جعل العدو يتفاجأ بالصمود الأسطوري للثوار رغم التضحيات الجِسام، كما أصابه الذهول من خططهم التي أوقعت في جيشه قتلى وجرحى وفي ازدياد مطّرد مما اضطره إلى الخضوع رغم أنفه والقبول بشروط الثوار، طالباً مهلة مزمَّنة للخروج من جنوب الوطن مطروداً مدحوراً يجر أذيال الهزيمة.. فتحقق بعون الله تعالى وتكاتف اليمنيين الحلم اليمني بإعلان الاستقلال بطرد آخر جندي بريطاني من عدن في 30 نوفمبر 1967م.. وتم تحقيق إعادة الوحدة الوطنية في 22 مايو 1990م..
وتأتي الذكرى الـ57 لعيد الاستقلال 30 نوفمبر لتذكّرنا بأن الحرية والكرامة والوحدة ثمنها غالٍ، وأن السيادة الوطنية لا تُشترى بل تُنتزَع.. إنه يوم يؤكد أن الإرادة الشعبية بعد الاعتصام بحبل الله وصدق النيات قادرة على كسر الأنانيات والتسامي على الجِراح والتغلب على التحديات مهما كانت؛ وبتضافر الجهود تحقق الأهداف العظيمة والاستقلال والحرية والكرامة للجميع، لا غالب ولا مغلوب، فالتأريخ خير شاهد عبر العصور والقرون بأن عزة اليمنيين وكرامتهم وهيبتهم في توحدهم ولمّ شملهم وأن ضعفهم وذلهم وتكالب الأعداء عليهم في تفرُّقهم ومشاحنتهم والارتماء إلى الخارج..
وما أشبه اليوم بالبارحة، فالتحديات الراهنة التي يمر بها الوطن تذكّرنا بالتحديات التي واجهها أجدادنا وآباؤنا قبل ستة عقود، ولن نتغلب عليها إلا بتكاتفنا والعمل بروح الفريق الواحد لتجاوز تحديات الحاضر وبناء مستقبل أفضل.. ويجب على الأجيال الحالية أن تستلهم من تضحيات الأحرار الأوائل الدروس وتوحيد الصفوف لبناء يمن جديد يعكس تطلعات الجميع، حيث لا يمكن لكل يمني أن يحقق تطلعاته إلا بوحدة وطنه أرضاً وإنساناً كما توحد اليمنيون في الماضي ضد المحتل السابق..
وفي الختام وبمناسبة هذه الذكرى المجيدة لعيد الاستقلال في 30 نوفمبر، نتقدم بأسمى آيات التهاني لقيادتنا المؤتمرية والثورية والسياسية، ولجيشنا وأمننا الأبطال البواسل، والشعب اليمني العظيم الصامد الذي جسَّد أروع معاني الجهاد والكفاح والصمود؛ تلك المبادئ الخالدة والتضحيات بالمال والنفس على درب أولئك الشهداء الأبطال ضد الغازي والمحتل الجديد وفاءً لتلك الدماء الحرة الطاهرة.. ومرَّغ أُنوف العدوان الجديد السعودي الإماراتي والصهيوأمريكي ومن تحالف معهم في التراب بفضل الله تعالى وقوته وتأييده وبتوحد شعبنا الصامد ضد العدوان مع قيادتنا الحكيمة الشجاعة.. ولا ننسى أن ندعو المغرر بهم والمخدوعين إلى الوقوف مع صف الوطن الواحد ضد العدوان ونبذ الخلافات والكراهية المقيتة والتفرقة المناطقية والتعصب المذهبي، لأن مصلحة الوطن يجب أن تتغلب على المصالح الذاتية والمناطقية والتعصب الأعمى، ولأن دول العدوان تسعى إلى مصلحتها فقط.. واليمن بلد الإيمان والحكمة سيتغلب علماؤه وحكماؤه ونخبه على كل المؤامرات..
سائلين المولى عز وجل أن يلهم الجميع الرشاد لما فيه مصلحة البلاد والعباد.. ولنتخذ من هذه الذكرى مصدر إلهام لمستقبل مشرق ليمننا الحبيب الموحد يعيد لليمنيين كلهم مجدهم وعزتهم وازدهارهم.. وكل عام والجميع واليمن بخير وأمن وسلام وتطور وشموخ بإذن الله تعالى.

*عضو اللجنة الدائمة الرئيسية

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 07:30 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66891.htm