د. عبدالوهاب الروحاني - أحد أبرز أعلام المال والاقتصاد، ذو خبرة واسعة في مجاله، مشهود له بالنزاهة والإخلاص، ارتبط بعلاقات متميزة بالمنظمات الدولية المالية والاقتصادية، عُيّن محافظاً للبنك المركزي في العام 2010م، في فترة حرجة تزامنت مع توتر في الساحة السياسية بين الرئيس علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر من جهة وبين المعارضة ممثلةً بـ"أحزاب اللقاء المشترك" من جهة أخرى.. وجَّه بن همام علاقاته المتميزة بالمنظمات المالية الدولية لصالح تعزيز الثقة بالبنك المركزي بعد أن أحدث إصلاحات جوهرية في نظامه وإدارته..
أدار بن همام البنك المركزي بمهنية وكفاءة عالية، حافظ على أدائه في ظل أحداث ما سُمِّي "الربيع اليمني 2011م".. ثم في ظروف الحرب التي اندلعت في مارس 2015م، تعامل بمهنية عالية، وأعمل النظام والقانون في تعامله مع الأطراف اليمنية المتحاربة، ورأى من موقعه كخبير مالي ومسؤول أول أن يُحَيّدَ نشاط البنك عن الصراعات والخلافات السياسية..
خلال سنتين من الحرب لعب بن همام دوراً فاعلاً في الحفاظ على أداء النظام المالي والمصرفي، فعمل على تثبيت سعر العملة الوطنية، واستمر البنك بصرف المرتبات لموظفي الدولة في كل محافظات الجمهورية في السلكين المدني والعسكري، والبعثات الدبلوماسية، والطلاب، بحيادية ودون توقف أو تمييز، واستمر أيضاً في صرف النفقات التشغيلية للمؤسسات الحكومية رغم توقف الصادرات وعائدات النفط، والغاز، والقروض والمِنَح الخارجية.
الخطوة الغلط !!
في محاولة منه (وهو الخبير المالي) لتفادي المخاطر التي كانت تنذر بتهديدات الوضع المالي بفعل توقف التعامل الخارجي، كان يرى ضرورة "طباعة العملة الوطنية" لحل مشكلة السيولة النقدية، غير أن الخلافات السياسية، وتوسع المواجهات بين جماعة "أنصار الله"، وما تُسمَّى "الشرعية" برئاسة هادي، دفعت برئيس الحكومة أحمد بن دغر إلى رفض الرأي المقدم من محافظ البنك بن همام في منتصف 2016م، بمبرر أن " البنك يموّل المجهود الحربي" لجماعة أنصار الله؛ الأمر الذي نفاه الدكتور بن همام نفسه في حديث متلفز بقوله: "إن البنك المركزي يعمل بحيادية واستقلالية ونزاهة تامة وفقاً للنظام والقانون، ويخدم الوطن والمواطن في كل المحافظات.. لا نعمل لطرف دون آخر، ومن يقول إننا نموّل المجهود الحربي هذا غير صحيح، وهم يعرفون أن ما يُصرف هو للمرتبات فقط"..
جاء اتهام بن همام بتبديد أموال البنك المركزي لصالح "المجهود الحربي" كمدخل لتمزيق البنك، الذي حذَّر منه حينما قال: "إن نقل البنك المركزي إلى أي مكان آخر يعني تفتيت وتقسيم اليمن، وأنا أنصح بعدم اتخاذ هذه الخطوة لأنها خطأ كبير جداً جداً"، وهي الخطوة الغلط، التي أقدم عليها رئيس الحكومة أحمد بن دغر بتمرير القرار، وبتحريض من "التحالف" بقيادة السعودية بنقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في 18 سبتمبر 2016م، في خطوة مخالفة للدستور، وكان نقل مقر البنك من صنعاء بمثابة إقالة للدكتور محمد بن همام، بعد أن كان قد حافظ بصمت على وحدة البنك ووحدة أدائه وإدارته.
وغادر بن همام صنعاء إلى حضرموت بعد صدور القرار، وبعد أحاديث عن خلاف مع أنصار الله "وفرض إقامة جبرية عليه بسبب رفضه صرف مبالغ المجهود الحربي"، الأمر الذي كذَّبته مغادرة بن همام إلى حضرموت، إلى جانب أن بن همام كان حازماً في إدارته شئون البنك، ولم يسمح بالتدخل في أعماله، ورفض بقوة إقحام المؤسسة المالية في الحرب، حتى صدور قرار نقل البنك إلى عدن وتعيين محافظ جديد له..
تسببت مغادرة بن همام إدارة البنك المركزي في خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني في مرحلة مهمة ومفصلية، وأدت إلى تدهور العملة الوطنية بصورة مخيفة، فتراجع سعر الريال اليمني أمام الدولار ليتجاوز سقف (2000) ريال للدولار بعد أن حافظ بن همام على استقراره عند (300) ريال للدولار؛ وذلك لم يكن فقط نتيجة مغادرة بن همام، وإنما كان أيضاً بسبب تعيين محافظين دون المهمة ودون المرحلة، ثم إصدار ما تُسمَّى "الشرعية" طبعة جديدة من العملة بكميات كبيرة، منع أنصار الله التعامل بها في مناطق سيطرتهم؛ ذلك كله فتح الباب واسعاً لتلاعب السماسرة بأموال البنك وأنشطته، الأمر الذي تسبب أيضاً في انقطاع تام لمرتبات موظفي الدولة منذ العام 2017م وحتى اليوم، ولأكثر من سبع سنوات..
تمزيق البنك تمزيق الوطن
أنهي بن همام مهمته في البنك المركزي بهدوء، ورفض عروضاً بمواصلة عمله كمحافظ للبنك في صنعاء أو عدن، لقناعته بأن تمزيق البنك المركزي "سيكون له تبعات كارثية تمس قيمة العملة الوطنية"، وهو بالتالي تمزيق للبلاد؛ فعاد إلى مسقط رأسه في غيل باوزير (محافظة حضرموت)، واكتفى بتجربة عمله التي قضاها في البنك لسنوات عِدة منها سنتان في ظل الحرب، وتمسّك بن همام بوحدة البنك المركزي، وبموقف مشرّف كرجل دولة وقانون.
|