غازي أحمد علي محسن - الثلاثون من نوفمبر 1967م كان ثمرةً لنضال شعبنا اليمني وحركته الوطنية الذي تُوّج بقيام الثورة اليمنية "26 سبتمبر و14 أكتوبر" والتي جاءت كنتيجة موضوعية لتشكّل الوعي الوطني وللمتغيرات التي شهدتها منطقتنا والعالم في ذلك الحين، ليتوحد النضال في الدفاع عن النظام الجمهوري الذي تجسَّد في انخراط أبناء اليمن للدفاع عنه من الشمال والجنوب والشرق والغرب من الأيام الأولى، وفي نفس الوقت بدأت عملية تشكيل طلائع الكفاح المسلح لتحرير الأرض اليمنية المحتلة من الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن وتجسَّد التحرك الشعبي الثوري في إدراج قيادة ثورة 26 سبتمبر من خلال حضور أبناء اليمن من المناطق الواقعة تحت الاستعمار في حكومة الثورة..
ولم يمر عام إلا وانفجرت حِمم براكين ثورة الـ14 من أكتوبر تحت أقدام المستعمرين، وهذا نابع من إدراك حقيقة أن انتصار اليمنيين لن يكون إلا بوحدتهم ولا يمكن أن تنتصر في جزء منه مع بقاء الاحتلال وركائزه في السلطنات والإمارات التي أوجدها الاستعمار البريطاني الخبيث ليتمكن من السيطرة أطول فترة على هذا الجزء من اليمن بما يمثّله من موقع استراتيجي لهيمنته على المنطقة بكلها وترسيخ هذا الوضع التمزيقي باتفاقيات حمائية مع السلاطين الذين وضعهم على تلك الإمارات والسلطنات ومسميات أخرى، وخلق الصراعات التي كان يمسك بخيوطها ويحرّكها وفقاً لمتطلبات بقائه، والتي جعلته التحولات العالمية يذهب باتجاهات تحاول استباق التحرك الثوري القادم..
وعلينا هنا أن نتذكر محاولته في هندسة اتحادٍ شكلي بين تلك المكونات التي صنعها وسماها اتحاد الجنوب العربي، غير مدركٍ أن أفول الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس يتواصل بقوة وأن الألاعيب الاستعمارية التي تجيدها هذه الإمبراطورية لم تعد تنفع أمام متغيرات الزمن الثوري اليمني..
استخدم المستعمر جبروت أسلحة فتاكة بطيرانه ودباباته وقواته، ولكن العمليات الفدائية في عدن كانت تتواصل والمحميات تتساقط في أيدي الثوار حتى وصلت الأمور إلى إسقاط أحياء في مدينة عدن فلن يكن أمامه إلا الخضوع والقبول بمفاوضات أدت إلى تحقيق الاستقلال الناجز لجنوب اليمن، وتوحُّد 22 سلطنة وإمارة على طريق إعادة تحقيق الوحدة اليمنية الشاملة..
57 عاماً مرت على هذا اليوم المجيد، خلال هذه السنوات تعرَّض اليمن لتأثيرات ومؤامرات من قوى خارجية لم يكن المستعمرون القدامى والجدد بعيدين عنها؛ وتتأجل إعادة تحقيق الوحدة 23 عاماً ليكون شعبنا في شماله وجنوبه وشرقه وغربه على موعد معها في الـ22 من مايو 1990م، واتجه اليمانيون لبناء دولتهم ولكن مؤامرات أعداء اليمن استمرت في تأجيج الفتن والصراعات والحروب، مستغلين التباينات الداخلية التي اتخذت أشكالاً ورفعت شعارات مناطقية وجهوية ومذهبية في إطار مخططات تفكيكية رُسمت لليمن والمنطقة وأوصلتنا إلى ما نحنُ فيه..
اليوم علينا أن نعيد قراءة ذلك التاريخ المشرق لوحدة اليمنيين الوطنية، لفهم حقيقة أسباب ما مرّ بنا وتجاوزها بالتلاقي والحوار ووضع القضايا على طاولته ومناقشتها بجدية ومسؤولية وعلى نحوٍ يستوعب أن اليمنيين لا يمكن أن ينتصروا إلا بوحدتهم، ولا يمكن أن يصنعوا حاضرهم ومستقبلهم إلا معاً، وأن الحسابات الأنانية الضيقة سيدفع ثمن نتائجها الجميع، وهذا يتطلب استيعاب المتغيرات واحتمالات تحولاتها القادمة، فالتشرذم والتمزق لا يصنع وطناً، بل كانتونات تناحرية؛ ولن نتمكن من إنجاز الحلول إلا بالحوار والنقاش والعمل باتجاه ما هو مشترَك وجامع، وهذا ما سيعيد للشعب الحضاري العريق مكانته ودوره على خارطة العالم القادم.. وليبقى الثلاثون من نوفمبر المجيد يوماً خالداً في تاريخ شعبنا العظيم.
*الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام
|