الميثاق نت -

الإثنين, 02-ديسمبر-2024
د. عبدالعزيز محمد الشعيبي -
نعيش اليوم في هذه الذكرى التي كانت ثمرةً لنضالات متواصلة ولجهود كبيرة وصبر وصمود لتحرير أرضنا الغالية من سطوة الاستعمار البريطاني.. تلك كانت الإرادة الشعبية، أجيال سابقة من اليمنيين.. واليوم وفي هذه اللحظات التي نعيشها نعيد ذلك التساؤل المتمثل في: هل نعيش اليوم مرحلة جَـنْي ثمار التحرر من الاستعمار ؟، أم أن بعضاً ممن ينتمون إلى الجيل الحالي لا يكترثون بذلك؟!
إن هذا المنجز الكبير الذي حققه اليمنيون بسواعدهم وصبرهم ونضالهم، قد تم تركه وراء ظهور جيل اليوم، ليس ذلك فحسب بل إنهم يتوقون إلى ذلك المستعمر من جديد أو استبداله بمستعمر آخر؛ وذلك بفعل التلقين الثقافي المستمر من وسائل الاستعمار المختلفة لبعض من أفراد الجيل الحالي، فإذا كان الاستعمار قد تم طرده بفعل تلك السواعد الفتية ونضالات اليمنيين التي رسمت في الذهنية البشرية أروع صور البطولات والملاحم التي ظلت الأجيال تتفاخر بها بين الأمم وتظهر المعنى الحقيقي للشخصية اليمنية التي لا تقبل الضيم والظلم، والمكتسِبة إرادتها من اراده الله سبحانه وتعالى لأنه وحده هو من يُعبد في هذه الأرض ولا معبود سواه؛ وأن التحرر والحرية والاستقلال هو شرف وواجب لا بد أن يتحلى به كل يمني بل كل عربي بل كل إنسان.. والذي يمكن قوله هنا انه عندما خرج ذلك المستعمر من الأراضي اليمنية مطروداً مدحوراً ظلت ثقافته وفكره تغذي العقول، وما انفكت تعمل لتشويه كثير من الحقائق المتعلقة بالوجود الاستعماري بمختلف الطرق والوسائل الممكنة وغير الممكنة؛ فالاستقلال الذي ننشده اليوم هو إلى جانب التحرك والانعتاق من سطوة وسيطرة الاستعمار، كذلك فإنه تمسُّك بقيم ومبادئ وعناوين ثابتة تنتمي للأرض اليمنية والعروبة والإسلام، وكذلك فإن الاستقلال هو امتلاك التنمية والتحرر من أسر الاستعمار لجوعنا واملاءاته علينا ، بان نكون قادرين على أن نأكل مما نزرع ونلبس ونستهلك مما نصنع، فقضية العوز والحاجة والفقر المدقع هي أعمدة رئيسية يتكئ عليها المستعمر الخارجي لتغيير طبيعة ونمط التفكير الوطني وتصبح الثوابت مهددة بكثير من المدخلات التي يروجها هذا المستعمر ويستهدفها للقضاء على كل ثابت من الثوابت والقيم الوطنية والأخلاقية في الاطار الوطني والعروبي والإسلامية، ليزرع مكانها قيماً ومفاهيم أخرى يروج لها المستعمر على انها _ اي هذه القيم والمدخلات_ الجديدة التي تشكل معنى الحداثة والتطور والنضوج العقلي وفي الحقيقه لم تكن تلك القيم والمدخلات الثقافيه إلا نوعاً من الضلالات أراد بها المستعمر أن يهيئ من خلال طروحاته تلك الى ايجاد بيئة صالحة لنمو أفكاره ومعتقداته، والاستقلال الحقيقي ايضا هي تلك الحريه والتحرر من الظلم والاستبداد من ذلك الاستعمار الذي عاث في الارض فساداً ونهب خيرات الوطن وثرواته بل إنهم استعبدوا الانسان اليمني في بأسوأ مظاهر الاستعباد، والاستقلال أيضاً هو عندما تصبح الأمة والوطن كياناً واحداً تعتز بهويتها بين الامم وتفرض احترامها على كل شعوب العالم يكن لها مقوماتها وثوابتها الراسخة..
يحاول الاستعمار اليوم أن يعود من خلال نفسيات مريضه ومعتلة داخليا ومهترئه فكريا ويهي أهم ليكونوا هم قادة المجتمع ونخبه وينبهر المجتمع خطبهم ومقالاتهم تلك التي تمجد الاستعمار وما تركه الاستعمار وراءه ولا ترى ضغينة في عودة الاستعمار مرة أخرى ، هؤلاء هم اليوم من يتربعون على مراكز قيادية في المجتمع وهم النخب في الإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وخلافه بل إن منهم من وصل الى قيادة الأحزاب السياسية الذين لم يراعوا لا حرمة ولا ضميرا في مراقبة الله سبحانه وتعالى ، وسائر تصرفاتهم وأقوالهم وفق أمزجتهم الخاصة وأهوائهم الذاتية دون قراءة أو تمعن للمشهد الذي يمكن أن تؤول إليه الأمور، ونجد من بعض التابعين ممن يرون أن أعضاء النخب لا يقولون إلا حقا ولا يفعلون إلا صدقا ومن هنا كانت الكارثة التي أدت إلى محاولة دخول الاستعمار من جديد من خلال هذه الأطراف والنخب المحلية التي تعيد دوما وابدا تدهور الأوضاع في الوطن الغالي إلى أسباب ترمي بها خصومها من الأحزاب الوطنية التي تناضل وتكافح للإبقاء على ثوابت الوطن ومكتسباته وهويته الواحدة.
لقد سمعنا كلاما كثيرا وكان مرتبا من بعض النخب السياسية إلا أن تلك الخطابات التي كانت تدعي الوطنية وتدعي الحرية وتدعي الخيرية لم نرَ منها سواء في أقوالها الخطابية أو في أفعالها إلا سلوك مجرم يعتدي على كل المقدسات والثوابت الوطنية والأخلاقية..
كنا نسمع في العام 2011م من الأحزاب والتنظيمات السياسية كلاما تهييج يا للمجتمع بهدف الإضرار بالسلطة والإضرار بالوطن ايضا وكانت كل قنوات العالم تقف الى جانبهم وهم يخطبون تلك الخطابات ويفسرون تلك الخطابات والتصرفات حسب أمزجتهم وأهوائهم وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تقف الى جانبهم في كل صغيرة وكبيرة بل وسخرت بعض من اموال الاقليم لمصالح هؤلاء الذين أفسدوا الحرث والنسل وبعد أن وصلوا إلى غايتهم في تفكيك الدول واليمن واحدة منها وأشعلوا فيها الصراعات الدموية افقروا مجتمعات هذه الدول، كان الغريب في الأمر أننا لم نجد لتلك القيادات السياسية مكان يُذكر في كل ما يحصل ولا سمعنا حتى صوتا لهم سواء بشكل مباشر أو حتى غير مباشر فقط تنصلوا من انسانيتهم ووطنيتهم وأظهروا في حقيقة الامر صورتهم الحقيقية المرتبطة بذلك الاستعمار البغيض
وكم نحن بحاجة اليوم الى تكاتف كل الجهود الخيرة والوطنية لملمة الشتات والبناء وفقا لرؤية وطنية جامعة وموحدة تعمل على خلق بيئة وطنية جديدة صالحة للعيش للجميع دون استثناء او اقصاء تسود في المجتمع وتنتشر قيم العدالة والمساواة والحقوق الانسانية ونبذ التطرف والإرهاب والأفكار الاستعمارية والممارسات القمعية
وإذا كانت كل هذه القوى قد ساهمت وبشكل مباشر في يوم من الأيام في العمل الوطني وفي الإدارة والتنمية فإنها تدرك معنى التعاون في هذا المضمار ولكي يتحقق لابد من العودة الى الأصل الواحد والقيم الواحدة والتخلي عن الأنانية المفرطة التي جاءت بها بعض القيادات السياسية والانخراط في الواقع الوطني بكل ظروفه ومشكلاته حتى لا تبقى التنظيرات فراغية بعيدة عن الواقع لا تمت له بصلة وكذلك بعيدا عن تأثير ذلك المستعمر الذي دائما ما يفرض إرادته وتوجيهه لهذه القيادات
كذلك لابد من تجريم السلوك غير الوطني والذي يعمل لمصالح استعمارية من أي طرف كان بنصوص قانونية حتى لا تبقى المسألة خاضعة الامزجة والاهواء او تنفيذا لرغبات اطراف خارجية تريد ان تضر بالمصالح الوطنية الجامعة الواحدة
ثم ان مسألة الدور الوظيفي لكل أحزاب القوى الاجتماعية المختلفة فيما يتعلق بغرس الافكار المتمثلة بطرد الاستعمار ووجوب مقاومته وعدم الانجرار الى وسائل من شأنها أن تعلي القيم الدخيلة على ثوابتنا ومبادئنا والتي تجلب الضرر البالغ لوحدتنا وعقيدتنا
كما ان قضية التعليم سواء في المدارس المختلفة أو في المعاهد او في الجامعات والكليات العسكرية منها والمدنية وكذلك في وسائل الاعلام المختلفة وفي الندوات والمحاضرات والخطب والمؤتمرات لابد أن تكون التوعية فيها عميقه ومرغب محفزة يتمسك بها النشء والشباب وكل الافراد بعيدا عن تأثير تلك العوامل والمدركات الخارجية المفسدة
ومن الضروري أن تتجه هذه القوى الى بناء مؤسسات الدولة بناء صحيحا و سليما قويا وثابتا في وجه المتغيرات الداخلية والخارجية من خلال التمسك بحبل الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً ووفق القوانين والتشريعات المطبقة على الجميع دون استثناء.
ومحاولة إخراج اليمن من ازمته الداخلية والمتمثلة في الفقر الذي بدأ يعم الارجاء فالخير الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض هو خير كثير وما على الرجال إلا أن يحسنوا استثمار ما أودع الله في هذه الأرض لصالح أبناء هذا الشعب وليس لمصالح ذاتية وأنانية
وبلا شك فإن ذلك لا يمكن إصلاحه في يوم وليلة إنما على الاقل ان يكون هناك توجه وإرادة حقيقية للقوى السياسية في الإصلاح ونبذ الفرقة والخصومة والتمزق والعودة إلى الوحدة والعمل وفقا لمشروع جامع يحقق الخير للجميع هي البداية الحقيقية لعودة اليمن موحدا قويا منعما أخذ مكانه الذي يستحقه بين الأمم.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:08 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66922.htm