الميثاق نت -

الثلاثاء, 17-ديسمبر-2024
أحمد عبدالرحمن -
لم تكن مشكلة كيان الاحتلال مع نظام الأسد في سوريا فقط، بل مشكلة هذا الكيان في جوهرها أعمق وأشمل من ذلك بكثير، وهي في الأساس مع سوريا الأرض والإنسان والدولة ومع قدراتها العسكرية التي تشكل حجر الزاوية في معادلات المنطقة والعالم أيضاً من دون أية مبالغة.
هذا ما تؤكده الضربات الأميركية الإسرائيلية المتواصلة على سوريا، حتى الآن نجح كيان الاحتلال في استهداف 400 موقع عسكري في سوريا خلال الأيام القليلة الماضية وفق مسؤولي الكيان، والمبرر منع وصول هذه الأسلحة الاستراتيجية إلى أيدي الجماعات المتطرفة التي أضحت الحاكمة في دمشق..
هذا التوغل على الأرض السورية يجري بالتوازي مع قصف هذه الضربات الصاروخية الجوية الإسرائيلية في تدمير مقومات ومقدرات وأسلحة الجيش السوري الاستراتيجية، يرافقها توغل بري إسرائيلي في الجغرافيا السورية في المنطقة العازلة في الجولان وصولاً إلى القنيطرة والتمركز في جبل الشيخ الاستراتيجي من دون أي مقاومة تُذكر..
في الوقت نفسه، يصرح قادة الاحتلال بأن وجود قواتهم في الأراضي السورية ليس طويل الأمد أو لن يكون دائماً، وفق تعبيرهم. وعلى عادتهم في التطمين الكاذب الذي لا يخفي نوايا الكيان التوسعية، تكرر ذلك كثيراً في سيناريوهات مشابهة طيلة السنوات والعقود الماضية..
كل هذا يكشف بجلاء أن ما يؤرق هذا الكيان على نحو خاص ليس وجود نظام بعينه، وإنما في وجود سوريا في الجوار، لذا يعمل كما يقول بوضوح على إنهاء قدرات سوريا العسكرية وما تبقى من ترسانتها الدفاعية والهجومية وتدمير كل الأسلحة السورية الاستراتيجية بما تمثله في حدها الأدنى من تهديد عليه، والحيلولة دون احتمال بروز سوريا قوية وموحدة على تخومه، لما يشكله ذلك من خطر طويل الأمد لوجوده وتهديد لمصالحه وأهدافه التوسعية في المنطقة والعالم، ولا خيار أمامه في هذه اللحظة سوى إضعاف سوريا كلياً، بما يجعلها عاجزة عن مواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت جغرافياً، وغير قادرة بالتالي على استعادة دورها المحوري في المنطقة، إضافة إلى الضغط على السلطة السورية الثورية للقبول بشروطه والتطبيع علناً وتسليم سوريا له، أو الاستمرار في احراجها ودفعها إلى الرد على انتهاكاته واعتداءاته المتواصلة والتي لم تقتصر بالطبع على الهجمات الصاروخية الجوية بل امتدت إلى توغل جيشه في بعض النقاط الجغرافيا، واحتلاله بعض الأجزاء كما حدث في المنطقة العازلة في الجولان، مع يقينها بعدم إمكانية ذلك في الوقت الراهن.
في كل الأحوال، هذه الهجمات والاعتداءات الاسرائيلية تجاه سوريا، تؤكد أن المعركة وجودية معها، وترتبط بموقع سوريا الاستراتيجي وثقلها عسكرياً وسياسياً، وهي بالتأكيد مع ثرواتها ودورها التاريخي الأصيل في الصراع العربي الإسرائيلي..
هذا بلا شك يضع السلطة "الثورية" في سوريا أمام اختبار صعب، وإذا ما تواصلت اعتداءات كيان الاحتلال وهجماته، فستكون هذه السلطة قطعاً أمام خيارات صعبة ومعقدة..
فالسؤال الآن: ماذا لو قرر جيش الاحتلال الإسرائيلي غزو سوريا، متذرعاً بتحريرها من "الإرهاب" والجماعات الإسلامية المتطرفة؟ ولا سيما في ظل الصمت المطبق لسلطة "هيئة تحرير الشام"؟!
أقول: ماذا لو؟
لننتظر فالأيام القليلة المقبلة حبلى بالأحداث وستقول لنا الكثير، والمؤشرات الأولية تشي بمشهد شبيه بما رأيناه خلال الأيام الماضية في عملية تمدد فصائل المعارضة "الثورية" المسلحة والتساقط السريع للمدن السورية في أيدي مسلحيها على حساب قوات الجيش السوري، فهل سنشهد سيناريو جديداً سريعاً ومشابهاً في الجغرافيا السورية، ولكن بطله المباشر هذه المرة جنود جيش كيان الاحتلال والعلم الإسرائيلي؟! على حساب مسلحي فصائل "تحرير الشام" وعلم الانتداب الفرنسي خلال احتلاله سوريا؟!
ماذا عن تركيا؟ ولاسيما بعد تقهقر المعسكر السوري الإيراني الروسي وصعود الفصائل المدعومة والممولة مباشرة من تركيا أردوغان الذي رفع علمها على قلعة حلب التاريخية..
فهل ستتدخل أنقرة لحماية الفصائل المسلحة الحاكمة في سوريا والمدعومة منها في حال تعرضها لعدوان إسرائيلي؟!
هل سنرى مواجهة تركية سورية بفصائلها المسلحة الحاكمة من جهة إسرائيلية أميركية من جهة أخرى على الأراضي السورية..؟!
ومالم يحدث ذلك فسيكون واضحا مدى التخادم العميق بين الطرفين، وستكون تركيا قد نجحت في إنهاء الوجود الإيراني الروسي العسكري في سوريا ونظام الأسد وقضت على الخطر السوري بتقديم سوريا لقمة سائغة لكيان الاحتلال وتخلصت في الوقت نفسه من جماعاتها المسلحة بتقديمها كبش فداء لها..
تركيا في الواقع على المحك، وما يجري اليوم في سوريا، شئنا أم أبينا هو مقدمة لما يمكن أن تكون عليه المنطقة مستقبلاً، أما الصورة المستقبلية للمنطقة والعالم فقد رأيناها هناك في غزة ومن ثم في جنوب لبنان، وما نعيشه الآن مجرد تداعيات أولية لمعركة غزة ولبنان ولا شك معركة روسيا في أوكرانيا، وليس بعيداً رؤية ذلك في أقطار عربية أخرى وقد تتسع المشهدية إلى دول إسلامية وتركيا ليست بعيدة بالمناسبة..!
فلا شيء اليوم يمنع جيش الاحتلال من التقدم لتحقيق هدفه الاستراتيجي، ولا شيء يحول دون التقدم الإسرائيلي، وإعادة رسم خارطة الوطن العربي والمنطقة بل والعالم بدءا من سوريا.
أقول: ماذا لو؟.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 18-ديسمبر-2024 الساعة: 05:38 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66982.htm