د. منى المحاقري* - في كل مجتمع، هناك فئةٌ تُعتبر رمزًا للتحدي والإصرار، فئةٌ أثبتت أن الإعاقة ليست عائقًا أمام الإنجاز، بل قد تكون دافعًا للإبداع والتفوق.. إنهم ذوو الاحتياجات الخاصة، الذين يلعبون دورًا محوريًا في بناء المجتمعات، رغم كل التحديات التي تواجههم..
لطالما كانت النظرة المجتمعية لذوي الاحتياجات الخاصة محكومة بالشفقة أحيانًا، أو بالتهميش أحيانًا أخرى؛ لكن الواقع يثبت أن هذه الفئة قادرة على العطاء والمساهمة الفاعلة في مختلف المجالات، سواء أكانت علمية، فنية، رياضية، أو اجتماعية. فالإعاقة ليست نقصًا في القدرات، بل هي ظرف يتطلب تفهمًا ودعمًا لتحويل التحديات إلى فرص..
ويمكن تحديد تأثير ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعاتهم من خلال العديد من المحاور المهمة التي يأتي في مقدمتها : محور الإبداع والتفوق، فكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة قدموا إنجازاتٍ استثنائية في مجالاتهم.. فنجد مبدعين في الفن، مثل الرسامين الذين يستخدمون أقدامهم أو أفواههم لرسم لوحاتٍ تبهر العالم.. ونجد علماء ومخترعين استطاعوا تحويل إعاقتهم إلى مصدر إلهام للابتكار..
ولا ننسى أنهم يعملون على تعزيز قِيَم التضامن والإنسانية، فوجودهم في المجتمع يذكرنا بقِيَم التعاطف والتضامن.. فهم يعلموننا أن الاختلاف جزء من الطبيعة البشرية، وأن التعاون والتفهم هما أساس بناء مجتمعاتٍ قوية ومتماسكة..
وهم من خلال المشاركة في سوق العمل، ومع تطور الوعي وزيادة الفرص، أصبح الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة يشاركون في بناء الاقتصاد الوطني، مما يسهم في تنمية المجتمع. سواء أكانوا موظفين، أصحاب مشاريع، أو فنانين، فإنهم يثبتون أن الإعاقة لا تعني العجز عن الإنتاج..
ويجب علينا أن نسلط الضوء على التحديات التي تواجههم، فبرغم كل الإنجازات، لا يزال ذوو الاحتياجات الخاصة يواجهون العديد من التحديات، مثل: النظرة المجتمعية السلبية: التي قد تحكم عليهم بالعجز أو التقليل من شأنهم.. ضف إلى ذلك نقص الفرص المناحة لهم في التعليم،والعمل، وحتى في المشاركة الاجتماعية..
وكذلك ضعف البنية التحتية: مثل عدم توافر المرافق العامة المناسبة لذوي الإعاقة الحركية..
ولعل أهم ما يمكن أن يساعدهم على التغلب على هذه الصعو بات ويضمن لهم مشاركة أوسع في المجتمع، من خلال الخطوات التالية التي بجب أن يتكفل بها القطاع الحكومي بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني ومساهمة فعالة من القطاع االخاص، من خلال:
1. توفير التعليم الشامل:
يجب أن يكون التعليم متاحًا للجميع، مع توفير الأدوات والمناهج التي تلائم احتياجاتهم.
2. توفير فرص العمل:
تشجيع القطاعين العام والخاص على توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير بيئة عمل داعمة.
3. تعزيز الوعي المجتمعي:
من خلال الحملات التوعوية التي تسلط الضوء على إنجازاتهم وقدراتهم، وتغيير الصورة النمطية السلبية.
4. تحسين البنية التحتية
توفير مرافق عامة متاحة للجميع، مثل المنحدرات، المصاعد، والمرافق الصحية المناسبة.
أخيراً يمكنني القول: إن ذوي الاحتياجات الخاصة ليسوا بحاجة إلى شفقة، بل إلى فرصٍ حقيقية تمكنهم من إثبات أنفسهم.. إنهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع، ومساهمتهم في بناء الحضارة الإنسانية لا تقل أهمية عن أي فئة أخرى.. علينا أن نعمل معًا لضمان أن يكون المجتمع مكانًا شاملًا للجميع، حيث يتمتع كل فرد بحقوقه الكاملة ويشارك في صنع المستقبل..
فكما قال العالم ستيفن هوكينغ، الذي تحدى إعاقته ليصبح أحد أعظم العلماء في التاريخ: انظروا إلى النجوم ،وليس إلى أقدامكم..
هذه هي الروح التي يجب أن نتعلمها من ذوي الاحتياجات الخاصة: روح التحدي، الإصرار، والأمل..
*أكاديمية بجامعة صنعاء
رئيسة مؤسسة شهرزاد الثقافية
|